وتحولت "إب" إلى مدينة الأحلام بالنسبة لقيادات الحوثيين القادمين من صعدة، بعد ان أصبح لهم السطلة الأكبر فيها واستطاعوا تحقيق ثراء بوقت قياسي من خلال نهب إيرادات المحافظة، والسطو على الأراضي، وهو ما رفضه المتحوثين الجدد من أبناء المحافظة( اتباع المؤتمرين) حيث بدأوا بالبحث عن حصتهم من النفوذ والمال المهدور.
كيف بدأ الصراع؟
سعى الحوثيون عقب مقتل الرئيس المخلوع صالح بصنعاء لتقليص نفوذ قيادات حزب المؤتمر في محافظة إب ومحاولة تجاوزهم وعدم تسليمهم أي سلطة بشكل مطلق، وقاموا بعملية هيكلة واسعة.
وقال مصدر في ديوان محافظة إب - طلب عدم ذكر اسمه - إن صراع القيادات الحوثية في المدينة بدأ مع توجه القيادات المنحدرين من صعدة(معقل الحوثيين) إلى الانصهار داخل مؤسسات الدولة بمسميات رسمية بعد أن كانوا مشرفين.
وأضاف في حديث لـ بلقيس" تم تسليم الملف الأمني والعسكري لمشرف المحافظة والذي يدعى "صالح حاجب" والملف الإداري المالي للقيادي الحوثي "علي بن علي النوعة" وتم تعينهما في موقعي وكيلي المحافظة للتخصصات المذكورة، وكان ذلك ايذاناً بتحجيم سلطة الحوثيين المؤتمرين.
وجاءت هذه التعيينات لتفجر الصراع مع اللواء عبد الحافظ السقاف والمُعين مدير لأمن المحافظة الخاضعة لسيطرة المليشيا، وهو شخص عسكري ينتمي حزب المؤتمر، ذاع صيته عندما كان قائدا لقوات الأمن المركزي بمدينة عدن، والذي سهل للحوثيين اقتحامها في العام 2015، وينحدر من مديرية "السبرة" في محافظ إب.
المحافظ الكومبارس
محافظ المحافظة المعين من قبل مليشيا الحوثي عبد الواحد صلاح -رئيس فرع المؤتمر بإب- يجيد التموضع في المكان الذي يوضع فيه ويقوم بدور الكومبارس للحوثيين القادمين من صعدة، بعد تخلصه من تركة صالح والإرتباط بالحوثيين عبر الاتصال المباشر مع زعيم المليشيا عبد الملك الحوثي.
ووفقا للمصادر "فقد وجد صلاح نفسه يقف ضمن الصف المعادي لـ"السقاف" من خلال إعاقته وتقزيم عمله بعد أن بدأت سمعته تتعاظم بشكل كبير في المحافظة، إضافة إلى إبقاء بعض العائدات المالية مرتبطة به حيث تصل جزء منها اليه".
وبدأت الخلافات تظهر خلال الأشهر الماضية عبر أحداث يومية مفتعلة بين قيادات صغيرة تنتهي لصالح "السقاف" وسمعته إعلاميا، بعد سعي "السقاف" للاستفراد بالقرار الأمني في المحافظة حيث قام بإلغاء المشرف الأمني وقاد عمليات أمنية ضد قيادات حوثية كبيرة مرتبطة بـ "حاجب" تمارس الفساد والسطو على الأراضي.
وتصاعدت الخلافات مع نشر الفوضى المنظمة عبر العصابات المسلحة المرتبطة بالقيادات الحوثية القادمين من صعدة، ونشر جرائم القتل والسلب في عاصمة المحافظة ومراكز المديريات، مما جعل "السقاف" في موقف المتفرج وبلا سلطة ولا نفوذ ولا أموال مما جعله يتصرف بشكل صارم مع تلك القيادات.
الأراضي والإيرادات
وتبرز الخلافات بين تلك القيادات في المحافظة على الأراضي المملوكة للدولة والتي يتم السطو عليها من المواطنين، بالإضافة إلى الاتاوات المالية والجمارك وضرائب القات عائدات صندوق النظافة. حيث كانت تلك محور الخلافات بين القيادات الحوثية.
ووفقا للمصادر "تطورت تلك الخلافات مع عملية قادها "السقاف" لتغيير قيادات أمنية في عدد من أقسام المديريات، ورفضها "حاجب" ودفع بعضهم للتمرد على تلك القرارات ودارت مواجهات مسلحة بين الطرفين وكانت تنتهي باحتواء داخلي".
وفي 24 يونيو/ حزيران، كانت شرارة الإنفجار للخلاف الخفي والذي تطور إلى مواجهات في المدينة، عقب سجن "السقاف" لمدير أمن مديرية الظهار "أبو بكر شاكر" ومدير أمن منطقة أبلان "محمد سفيان" بسبب خلاف بينها، وتدخل قيادي حوثي يدعى "إسماعيل سفيان" للإفراج عن الأخير وقتل الأول، ودارت المواجهات وانتهت بمقتل القيادي المُعين وكيل للمحافظة.
وعمل "السقاف" على تهريب "شاكر" لمنع سطوة القيادي الحوثي ضمن صراع بينهما، وترى مصادر مطلعة في إب "أن الاشتباكات كانت فخ للسقاف من قبل قيادات الحوثيين المنتمين إلى صعدة، حيث تم نقله إلى صنعاء للتحقيق معه ومن المتوقع ان يتم اقصاؤه".
عقلية استعلائية
ويرى الناشط السياسي وليد الجعور "أن ما حدث في إب يحمل دلالات مهمة وخطيرة للغاية ويكشف عقلية هؤلاء العصابة التي حاولت أن تخفيها وتختفي حول مؤسسات الدولة، فالحوثيين اثبتوا من خلال ممارساتهم انهم ليسوا سوء عصابات امتهنت القتل والنهب".
وأضاف في حديث لـ "بلقيس" هذا ما يفسر قيام الحوثيين بنهب ادارة الشرطة وكل محتوياتها أثناء الأحداث رغم أن كل تلك المؤسسات تقع تحت سيطرتهم.
وأشار الجعور "أن الصراع يؤكد على عقلية سلالية استعلائية تحكم فكر الجماعة الانقلابية، فهم لا يثقون إلا بقرارات القادمين من صعدة ولا اعتبار ولا قيمة لأي حوثي مهما بلغت درجة ولائه لهم، فهم وبأي لحظة يمكن أن يتنكروا لكل من استقبلهم ومهد الطريق لسيطرتهم".
وتابع "اثبت الحوثيين أنه لا مجال مطلقا للتعايش معهم، فلديهم استعداد للانقلاب على شركائهم في اي لحظة في حالة انتهت مصلحتهم".