وصف مراقبون ما جرى في مصر بأنه أعظم ثورة سلمية يشهدها العالم المعاصر وسيكون لها ما بعدها في رسم ملامح المستقبل لعالم عربي جديد.
معتبرين ان سقوط مبارك أثبت بأن القمع والبلطجة والرصاص الحي ليس بمقدوره بث الحياة في مومياء الأنظمة المحنطة.
ولتجنب ما جرى في تونس ومصر، انتهج نظام صالح سياسة الاحتواء والقمع. في الأولى، كان ينتظر فرصة مواتية لكي تخمد فورة الغليان والاحتجاجات كي يسهل التعامل معها في وقت لاحق.
وفي الثانية، ظل مجلس الدفاع الوطني في حالة انعقاد دائم، وطرحت ضمن اجتماعاته أراء متطرفة تقضي بسحق المتظاهرين.
شعلة الثورة، كانت توهجت في تعز بشكل مستمر، وفيما منعت أجهزة النظام المتظاهرين من الاعتصام في شارع التحرير، توجهوا إلى ساحة الحرية في منطقة صافر.
وهكذا جرى الحال في معظم المحافظات: كلما دعت المكونات الثورية إلى مسيرة، قيض نظام صالح مسيرة مضادة لها.
وسائل إعلامية أشارت حينها إلى توزيع النظام مبالغ مالية كبيرة مكافأة للمتظاهرين المؤيدين لصالح في تلك المسيرات المضادة.
في هذه الأيام، يحاول أنصار صالح في مواقع التواصل الاجتماعي جاهدين للتعبير عن المناخ الذي كان سائدا وبين ما هو موجود الآن في ظل سيطرة المليشيا على صنعاء.
ورغم أن الواقع الحالي هو أحد افرازات ونتائج نظام المخلوع صالح بعد ان تواطأ مع مليشيا الحوثي وسلمهم معسكرات الجيش ومخازن السلاح، ولم ينج في النهاية من غدرهم به.
لم تكن أجهزة النظام أنذاك توزع الورود على المتظاهرين في شوارع صنعاء وتعز، ومختلف المحافظات. استمرت عمليات قنص المتظاهرين تحصد الأرواح ، ولا زالت الصور المأساوية وبقع الدم عالقة في الأذهان وتملأ أرشيف مواقع التواصل الاجتماعي.
لا تزال صورة بركة الدماء التي تكونت في أحد شوارع صنعاء في 18 مارس 2011، المشهد الأكثر تأثيرا في ذاكرة الثورة.
سقط نحو 43 شهيدا من المتظاهرين السلميين، في مجزرة جمعة الكرامة، وكانت أبشع جريمة عجلت بسقوط النظام.
وفشلت بعدها كل محاولات الاحتواء خاصة بعد إعلان قائد ما كان يسمى المنطقة الشمالية الغربية والفرقة أولى مدرع، اللواء علي محسن الأحمر الانضمام للثورة الشبابية الشعبية السلمية.
كثير من قادة الألوية العسكرية والقيادات الحزبية والدبلوماسية في حزب صالح، أعلنت انشقاقها عن النظام، فسقطت عنه ورقة التوت.
قالت منظمة هيومن رايتس في أحد تقاريرها الكثيرة عن الحالة اليمنية أنذاك ان القوات ألأمنية لجأت إلى ضرب وصعق المتظاهرين السلميين بالكهرباء، وعلى الحكومة أن تتحمل كامل المسؤولية عن هذه الانتهاكات.
مؤكدة "ما يجب أن يتعلمه النظام اليمني هو أن الهجمات العنيفة على المتظاهرين لن تخمد المعارضة".
كما اشارات إلى انه مهما حاولت الحكومة إخفاء عنف قوات الأمن ضد المتظاهرين السلميين عن أعين العالم وأذانه فسوف تفشل وسوف تظهر الحقيقة.
وبالفعل، ظهرت الحقيقة واضحة للعالم، في مجزرة الكرامة وغيرها من المجازر فيما بعد مثل مجزرة بنك الدم وملعب الثورة وإحراق ساحة الحرية في تعز.
ولم تقدم السفارات الغربية في صنعاء سوى بيانات النصح كعادتها بتجنب العنف والعودة للحوار بين السلطة والمعارضة.
إلا ان الأوان كان قد فات، وجذوة الثورة استمرت بالتوهج لتؤكد بأنها ليست معنية بأي حوار بين الأحزاب السياسية والمطلوب أفعال وليس مجرد أقوال مكررة ملها الشعب.