في 6 يناير 2019 غدت ليس فقط لاجئة في وطنها بل دمها مُهدر وبيتها الذي ملكته بكفاحها لحوالي ثلاثة عقود مُصادر ومنصبها الأكاديمي سيؤول إلى شخص من أتباع المليشيا.
هذه هي الدكتوره فاتن عبده محمد والتي تشغل كرسي أستاذ علم الاجتماع بكلية آداب جامعة صنعاء وعضو نقابة أعضاء هيئة التدريس ومساعديهم بجامعة صنعاء.
لا لعسكرة الجامعة
منذ سقوط العاصمة صنعاء بيد مليشيا الحوثي والتي تحالف مع نظام صالح في سبتمبر 2014، وتوجهوا هذا التحالف لعسكرة جامعة صنعاء كانت الدكتورة فاتن من أوائل الذين رفعوا صوتهم عالياً رفضاً لعسكرة الجامعة وتدمير المناهج، والبنى التعليمية الضعيفة، واستبدالها بمناهج أكثر طوائفية وسلالية وهمجية".
لم يفلح معها وهي - الاكاديمية والنقابية ذات الحضور البارز والمميز في حرم الجامعة والنشاط المجتمعي - القمع فظلت تتبنى مطالب زملائها الاكاديميين وترفض القرارات التعسفية والجائرة بحقهم والصادرة من قبل تحالف صالح_ الحوثي_ والذي انفض نهائيا مطلع ديسمبر 2017.
قمع واعتداء
تعرضت للاعتداءات مرات عدة من قبل أفراد ومسلحي مليشيا الحوثي داخل الحرم الجامعي مع زملاء أكاديميين على خلفية مطالبتهم بحقوقهم ورفض عسكرة الجامعة.
ومع توقف أو امتناع حكومة الشرعية عن سداد رواتب موظفي الدولة بما فيهم الأكاديميين بالجامعات اليمنية، تبنت مع زملائها في النقابة الجامعية حملة للمطالبة بحقوقهم - "الرواتب".
ولاقت تلك الحملة قمعا من قبل مليشيا الحوثي، إذ تعرضت الدكتورة فاتن عبده محمد ورئيس النقابة الدكتور محمد الظاهري وغيرهما للاعتداء داخل حرم الجامعة.
وفي إحدى المرات وبينما كان يُعقد لقاء تشاوري موسع لأعضاء هيئة التدريس ومساعديهم في كليتي الآداب والعلوم، فوجئوا أعضاء هيئة التدريس بقيام مليشيا الحوثي بجلب مجاميع من الطلبة والموظفين وعناصر أخرى غير منتمية للجامعة، محسوبة على ما يسمى بـ " الملتقى" التابع لهم واقتحام قاعة الاجتماع، وإثارة الفوضى داخل القاعة.
وتطور الأمر لهجوم أحد هذه العناصر على المنصة ومحاولة الاعتداء بالسلاح الأبيض على رئيس النقابة د. محمد الظاهري.
وتواصلت سلسلة الاعتداءات بالضرب للدكتورة فاتن عبده محمد من قبل رئيس ما يُسمى بـ"الملتقى الأكاديمي" التابع للحوثيين د. محمد الماخذي، وسبق به أن وجه تهديدات علنية وواضحة للنقابة.
ولم تتوقف الاعتداءات على ما حدث بالقاعة، بل تعرضت الدكتورة ابتسام شمسان للإعتداء خارج من قبل إحدى طالبات الملتقى الطلابي.
واعتبر بيان صادر عن نقابة هيئة التدريس في حينه تلك الحوادث تواصلاً للاعتداءات السابقة التي طالت عدد من الأكاديميين بجامعة صنعاء ومنها الاعتداء الصادر من قبل أحد المنتمين لهذا الملتقى في كلية الآداب على الدكتور هشام ناجي والدكتور جميل عون بألفاظ نابية، وكان ذلك يتم بحضور رئيس الجامعة المعين من قبل الحوثيين الذي لم يحرك ساكناً، ومثله أمن الجامعة.
تزوير
لم تكتفي مليشيا الحوثي بكل ذلك ولكنها حاولت تزوير أوراق رسمية تحمل ختم نقابة هيئة التدريس من شأنها إرباك النقابة، حيث الوثائق المزورة ورد فيها أن أعضاء بالنقابة يتحركون وفقاً لتوجيهات حزبية لمحاولة إرباك العملية التعليمية.
وردا على حادثة التزوير تقدمت النقابة برفع قضية لدى النائب العام، كان من أبرز الموقعين عليها الدكتورة فاتن عبده محمد والدكتور محمد الظاهري والدكتور جميل عون.
زميلي مات جوعاً
استمرت الدكتورة فاتن عبده محمد في مواصلة مطالبتها برواتب أكاديمي جامعة صنعاء، وزاد اصرارها على المطالبة جراء الوضع المأساوي الذي آل إليه الأكاديميين بعد انقطاع رواتبهم وعدم وجود مصادر دخل آخرى يعيشون منها.
وفي أوخر شهر أغسطس من العام 2017، توفي أكاديمي بارز في جامعة صنعاء، داخل شقته التي يستأجرها في العاصمة صنعاء قبل أن يكتشف جيرانه جثته بعد مرور 12 يوماً على وفاته.
وحينها أكدت الدكتورة فاتن عبده محمد، أن الدكتور عمر العمودي، أستاذ العلوم السياسية بكلية التجارة جامعة صنعاء، قضى في بيته.
وقالت "زميلي مات جوعا في شقته"وأوضحت أن الدكتور العمودي مات وحيداً إلى أن فاحت رائحة الجثة، ودعت من يعرف أحدا من أهله لإخبارهم بالواقعة.
وضع بائس
أكاديمي أخر بقسم الآثار بكلية آداب جامعة صنعاء، توفي جراء عجزه عن توفير العلاج الخاص بداء السكري وذلك في ظل انقطاع الرواتب، ولم يتوقف الأمر هنا بل صار الأكاديميين بجامعة صنعاء يعيشون أوضاعاً بائسة للغاية.
فمهنم من توجه للعمل في نقل الأجحار والطوب والنيس وغيرهم لبيع القات ومثلهم آخرين صاروا يعملون في مخابز أو بيع الذرة وفي أعمال مختلفة لكسب لقمة العيش.. فيما أخرين زج بهم الحوثيين خلف قضبان السجن.
مكافئة
وفي ظل هكذا وضع وجدت الدكتورة فاتن عبده محمد بأن الواجب يحتم عليها أن تقف إلى جوار زملائها وعمل شيء لتجاوز مأساتهم واستمرار التعليم الجامعي، وبدلاً من تقديم وافر الشكر والعرفان لها، كافئها الحوثيين باهدار دمها والبسط على سكنها وحرمانها من منصبها الأكاديمي الذي وصلته باستحقاق وكفاح علمي مشرق.
قصة الدكتورة فاتن عبده محمد، اختزال للوضع الذي يعيشه الأكاديمي اليمني في زمن الحوثيين، فمتى يتم الإلتفات لمعاناة العقول التي تتجرع ويلات الحرب والقمع والحرمان والفقر والإذلال.