فشبح الانقسام على حدود المصالح الأنانية والمشاريع السياسية الممولة من الخارج هو من يشغل اليمنيين في هذه الأثناء بينما يحيون ذكرى ثورتهم ضد الاستعمار البريطاني، التي كانت قد أعادت ترميم الجغرافيا السياسية لجنوب اليمن وشماله، بعد أن تصدعت لقرون إلى نحو اثنين وعشرين سلطنة وإمارة ومشيخة.
هذا المجلس الانفصالي الذي استزرعه طرفٌ في التحالف، نموذجٌ للتحديات الخطيرة التي تعصف بالدولة اليمنية في هذه المرحلة، فبعد التهديد والوعيد، قرر هذا المجلس ودون تفسير واضح، وقف الفعاليات التي كان قد دعا إليها على وقع مزاعم بالاحتفاء بذكرى ثورة الرابع عشر من أكتوبر، وهدفه هو تنفيذ مخطط الانفصال والإجهاز على أحد أهم أهداف هذه الثورة التي انبثقت من رحم الإجماع الوطني للشعب اليمني.
فلقد كان اليمن الواحد هو المحرك الأقوى لعجلة الثورة اليمنية السبتمبرية والأكتوبرية، والبراهين الناصعة على ذلك كثيرة.. فهؤلاء الأبطال القادمون من الجنوب، بدأوا الخطوةَ الأولى في مسارهم الكفاحي من تعز وصنعاء، ونهضوا بدور بارز في الدفاع عن ثورة السادس والعشرين من سبتمبر التي أزاحت العقبة الرئيسة من أمام مشروع اليمن الجمهوري الجديد ممثلة في الإمامة الكهنوتية المتخلفة.
كان ارتدادهم نحو الساحة الجنوبية، ومن خلفهم الجمهورية العربية اليمنية بقضها وقضيضها ثورةٌ بحد ذاته، فقد قررت بريطانيا معاقبتهم جراء دورهم الكفاحي لتثبيت الثورة الأولى في شمال الوطن، فما كان من هؤلاء الثوار وفي طليعتهم غالب بن راجح لبوزة، إلا أن قرروا المواجهة لتبدأ المرحلةُ الثانية من ثورة حملت اسم الرابع عشر من أكتوبر ليمضي الكفاح نحو إنجاز الاستحقاق الوطني الثاني وهو الاستقلال.
في تعز وفي مدرسة بالأعبوس، رسم الثوار الذين ينتمون إلى كل اليمن، خطة العمل الثوري ومنها انطلقوا وإلى تعز لاذ الثوار في فترات الكر والفر والمواجهة مع الاستعمار، وحتى في فترة الصراع الذي اندلع بين الحركتين النضاليتين الرئيستين: جبهة التحرير والجبهة القومية عشية الاستقلال المجيد.
دخل اليمن دون مواربة في نفق جديد يلفه الظلام، فالهيمنة الخارجية الراهنة عبر تحالف الرياض- ابوظبي، تكرس حالة جديدة من الاحتلال أو ما يشبه الاحتلال، وتكرس في الآن ذاته أدواتٍ أشدَّ خطراً على مصالح الشعب اليمني موحداً أو مشطراً. لكن ثمة ضوء في نهاية النفق، تمثله الهبة الوطنية التي تموج بعنفوان كبير من تعز وحتى المهرة مؤذنة باستعادة اليمن الموحد الجديد عهدةً غيرَ قابلةٍ للتفريط.