وجد مراقبون المجال متاحا لعقد مقارنات مهضومة حيال درجة الاهتمام بما يجري في اليمن منذ ما يقارب أربع سنوات.
قادت السعودية تحالفا عربيا لشن غارات جوية مكثفة في اليمن بهدف معلن هو إعادة الشرعية إلى كافة المحافظات.
لكن حتى اللحظة، لم تعد الشرعية إلى البلاد، ولم تحيد الصواريخ الباليستية لمليشيا الحوثي والتي أدعت السعودية بأنها قد حيدتها بعد شهر من إنطلاق عاصفة الحزم.
الأسوأ من ذلك ان الشرعية أضحت مرتهنة في العاصمة الرياض بدون سيطرة ميدانية على المناطق المسماة محررة، وغير قادرة على التصرف بمواردها النفطية والغازية في موانئ ومواقع حيوية.
كما تعرضت البنية التحتية لدمار هائل جراء الغارات الجوية، وأدت إلى سقوط آلاف الضحايا المدنيين، وتسببت بأزمة انسانية هي الأسوأ على مستوى العالم.
ومع ان هذه الجرائم المروعة لم تثر تعاطف العالم أو ضجته بنفس القدر الذي أثارته جريمة مقتل الصحفي المعارض جمال خاشقجي.
إلا انها فتحت أنظار المراقبين على ما بات يعرف في الصحافة الغربية بسياسة "الفتى الطائش"، وذلك تعبيرا عن السياسة المتهورة لولي العهد السعودي.
بعد هذه الجريمة، لن يكون بعيدا عن مرمى الهجمات الصحفية الغربية والعربية، وهو الطامح لوراثة الحكم عن أبيه، وقد صرح في وقت سابق بأنه لن يقدر أن يحول بينه وبين الحكم سوى الموت.
من الواضح ان جريمة مقتل خاشقجي سوف تزيد مستوى الضغط والحصار عليه أكثر قبل استقراره في الحكم، فضلا عن جرائم الحرب المروعة في اليمن.
خلال أبريل الفاىت وأثناء زيارته إلى باريس، طالبت وساىل إعلامية ومنظمات حقوقية بمحاكمته على خلفية ما يحدث من جرائم في اليمن.
وبحسب صحيفة ليكسبريس الفرنسية، فان القضاء الفرنسي ينظر حاليا في دعوى قضاىية ضد محمد بن سلمان، رفعتها منظمة حقوقية يمنية، عبر محاميها في باريس.
وقبل ذلك، في مارس الماضي، كانت محط زيارته إلى لندن حافلة بالانتقادات المثيرة، حيث اصطف عشرات البريطانيين أمام البرلمان، حاملين دمى ملوثة بالدم، ومطالبين حكومة بلادهم بطرده كمجرم حرب.
وقال وزير الخارجية البريطاني جيريمي هنت مؤخرا إن بلاده تفعل كل ما في وسعها من أجل حمل السعودية على التصرف بطريقة إنسانية في حرب اليمن.
ونتيجة لتصاعد الحملة الغربية بعد مقتل خاشقجي، علقت ألمانيا مبيعات الأسلحة للسعودية، ودعت شركاءها الأوربيين إلى الحذو على ذات المنوال.
في أمريكا، حيث الحليف القوي للسعودية، هناك محاولات متكررة في الكونجرس لوقف تصدير الأسلحة إلى الرياض.
ومن المتوقع ان تتصاعد ضراوة الهجمة الغربية على ولي العهد السعودي، إذ ان الجريمة المشهودة في اسطنبول، قد ركزت الأنظار على جرائم أخرى منسية في اليمن.
تقول، كريستين بيكرلي، باحثة في قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمنظمة هيومن رايتس ووتش"لم تثر أي من جرائم الحرب الظاهرية في اليمن الغضب الدولي نفسه الذي تسبب به مقتل خاشقجي في الأسابيع القليلة الماضية".
لكنها تؤكد بالقول "بسبب الرد المذهل على مقتله، قد يخيل للمرء بأن المسؤولين السعوديين المتورطين في انتهاكات حقوق فاضحة سيدفعون أخيرا ثمن الجرائم التي ارتكبوها داخليا وخارجيا".
مما لا شك فيه ان ملف الانتهاكات الحقوقية للسعودية والإمارات يتضخم يوما إثر يوم. وقد فشلت الدولتان نهاية الشهر الماضي في منع مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة تمديد مهمة لجنة الخبراء الدوليين للتحقيق في انتهاكات جرائم الحرب في اليمن.
وكانت اللجنة قد كشفت عن انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان قد ترقى إلى جرائم حرب من قبل التحالف بقيادة السعودية والإمارات في اليمن.
صحيح أنه لا يزال طريق بن سلمان إلى محكمة الجنايات الدولية غائما الآن، لكنه لن يكون مفاجئا مثوله أمام المحكمة الدولية في حال تصاعد الضغط والاجراءات الدولية ضده بشأن جريمة خاشقجي وجرائم الحرب الأخرى في اليمن.