كانت المظاهرة الاحتجاجية في منطقة خاضعة لسيطرة قوات الحزام الأمني المدعومة من الإمارات، ولا مجال للدس فيها من طرف نافذ غير أدوات التحالف الذي تقوده السعودية والإمارات في اليمن.
لقد طغت خلال الفترة الأخيرة صور حكام الإمارات والسعودية على كل فعاليات الشارع الجنوبي معززة بعبارات الشكر والتقدير والثناء غير المحدود.
وبالتالي، لم تكن تلك الشعارات متوقعة إطلاقا، ودفعت مراقبين إلى اعتبار ما جرى رسالة إماراتية من خلال أدواتها إلى حليفتها السعودية، ودليل جديد على تصاعد خلافاتهما حول اقتسام النفوذ في الخارطة الجغرافية الجنوبية تحديدا.
لكن الوقت لم يطل كثيرا، فيوم الأربعاء الماضي، خرجت مسيرات منددة بالتحالف السعودي الإماراتي ككل.
ليس ذلك فحسب، مزق المحتجون صور قادة الإمارات من لوحة كبيرة، وأظهرت مواقع التواصل الاجتماعي آخرين وهم يدوسون العلم الإماراتي مرددين شعارات " برع يا سعودي برع.. برع يا إمارات برع".
يعتقد الباحث، نبيل البكيري، ان ما جرى في لحج الخاضعة لنفوذ قوات مدعومة من الإمارات هو رسالة موجهة ضد السعودية خاصة تواجدها الأخير في سقطرى والمهرة.
وإذ يؤكد في تصريحات خاصة لموقع "قناة بلقيس" على أنه قد يوجد نوع من الصراع بين الدولتين على النفوذ داخل الأراضي اليمنية.
لكنه يعتبر مسيرات المكلا، تبين أيضا ان الوضع في المناطق التي تسمى محررة خرج عن نطاق السيطرة.
موضحا ان في الداخل اليمني، هناك عدد من الاشكاليات والتي يرى الشارع ان التحالف سبب رئيسي فيها خاصة عندما عمل على دعم أطراف وكيانات بعيدة عن الحكومة المركزية الشرعية.
ومنذ الاثنين الماضي، لم تتوقف المسيرات الاحتجاجية وإحراق الإطارات وحالة العصيان المدني خاصة في المكلا والقطن وسيئون وعدن بسبب غلاء الأسعار وتدهور قيمة العملة المحلية.
وأثارت الاحتجاجات احتمالات عدة من بينها تأكيدات كثير من الناشطين والمعلقين في مواقع التواصل الاجتماعي بأن باعثها الرئيسي هو الجوع.
مشيرين إلى ان خروج المتظاهرين كان عفويا بسبب تردي الأوضاع المعيشية وليس لهم أي مصالح مادية أو تلقي أوامر من أي أحد.
لكن الصحفي، محمد الأحمدي، يرى انه منذ وقت مبكر بدا لأي متابع للشأن العربي أن قرار الرياض مختطف في أبو ظبي.
يقول الأحمدي لموقع "قناة بلقيس" "بدت الصورة أكثر وضوحا في الشأن اليمني لا سيما في المناطق الجنوبية والشرقية من البلاد التي تبدو الإمارات الآمر الناهي، رغم أن هذه الجغرافيا اليمنية تمثل جزءا من الفضاء الحيوي الاستراتيجي للمملكة العربية السعودية".
يضيف "من ناحية يبدو أن هناك تبادل أدوار بين السعودية والإمارات، في إدارة الملف العسكري، لكن في الوقت نفسه لا يمكن إخفاء حقيقة أن التغول الإماراتي في جنوب اليمن والسلوك الإماراتي العبثي المرتبك تدفع ثمنه السعودية وحدها كقائدة للتحالف وصاحب المصلحة المباشرة في الشأن اليمني".
إلا أنه يعد خروج الاحتجاجات الشعبية في بعض المناطق الجنوبية منددة بالإمارات والسعودية على حد سواء مؤشر خطير على نفاد صبر اليمنيين من إخفاقات التحالف السعودي الإماراتي وتردي ظروف المعيشة وانهيار العملة الوطنية.
هو مؤشر أيضا، يقول: على تحول في المزاج الشعبي في مناطق الجنوب باتجاه رفض السلوك العبثي الإماراتي بدرجة رئيسية.
لم تجد الإمارات من وسيلة للرد على هذه الانتفاضة الشعبية ضد تواجدها وسياستها في الجنوب سوى بترديد الاتهامات إلى الحلقة الأضعف، وهو حزب الإصلاح.
كتب وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي، أنور قرقاش، في تويتر يقول "إن السلوك المخزي تجاه رموز الإمارات والتحالف في حضرموت وبعض مناطق الجنوب والتي يوجهها الإصلاح لن تثنينا عن تأدية المهمة".
وأضاف "قناعتنا أنها أقلية حزبية لا تريد لليمن الخير والتحالف في سعيه لتثبيت الاستقرار لن تهزه هذه التصرفات".
ودفعت تغريداته، حزب الإصلاح للتبرؤ منها. وقال نائب رئيس دائرة الاعلامية للحزب، عدنان العديني، معلقا ان قرقاش يعلم "جيدا من هي الجهة التي تقف وراءها وأجندتها التي تحملها".
وذهب رئيس الحزب، محمد اليدومي إلى أبعد من ذلك، حين أكد في منشور له بصفحته الرسمية على الفيس بوك، قائلا "إن الإصلاح أعلن مرارا وتكرارا أنه ليس لئيم حتى ينكر جميل من وقف مع الشعب اليمني في أحلك الظروف وأشدها قتامة وامتزج دماء أبنائه بدماء أبناء الشعب في ساحة الدفاع عن عقيدة واستقلال اليمن". وتابع بقوله "سنترك من يشكك في هذا زورا وبهتانا للتاريخ".
في الحقيقة، ثمة من يرى بأنه مهما بدا من صراع نفوذ وتنافس أجندات بين السعودية والإمارات في اليمن، لا ينبغي ان يعمي الأعين عن حقيقة تبادل أدوار الدولتين في ساحة ضحيتها الشعب اليمني.
لقد بدت الحقائق ماثلة للعيان خلال الفترة الماضية خاصة في سقطرى ومحافظة المهرة. وذهبت كل محاولات تحييد الدور السعودي عن أجندة واهداف الإمارات، أدراج الرياح.
وكانت محطات أكثر من ثلاث سنوات ونصف مضت على العاصفة كاشفة للأهداف الحقيقية للتحالف بقيادة السعودية والإمارات والذي لم تنفصم عراه، رغم تداعي بقية الدول الأخرى عنه.
لم تكن السعودية جادة في الأهداف المعلنة للتحالف الذي تقوده في اليمن لصالح دعم الحكومة الشرعية، وعوضا ذلك، راحت تنافس الإمارات في السيطرة على مواقع حيوية واستراتيجية مثلما يحدث في سقطرى والمهرة.