وسبق عمليات النزوح حالة من الترهيب لكافة الساكنين في تلك المناطق وتم حثهم على النزوح ما لم فإنهم عرضة للإستهداف في أي لحظة؛ وهو ما جعل الكثير منهم ينزح منذ بداية الأحداث في 2015م، والتي أدت إلى حصول انهيارات نفسية لدى النازحين، وصلت حد محاولة الانتحار مؤخراً.
الانتحار طريق النجاة
"مريم. س" واحدة من النساء النازحات والتي حاولن الانتحار تقول في حديثها ل"بلقيس": ايش حصلنا والله بهذلونا وشتتونا في هذا المكان، الجو حر والخيم ما تنفعنا لا من البرد ولا من الحر، خولنا ننزح من بيوتنا في ذمتهم ، الله يصيبهم".
وتضيف "مريم":أشتي اتخلص من الهموم التي علي أنا وزوجي، كل يوم ونحن نفكر في أولادنا، بعض الأيام ينامون بلا عشاء، وأنا قلبي يتقطع عليهم، ويوم قررت انتحر قطعت وريدي لكن زوجي حصلني وربط لي وأصلني لمستشفى أطباء بلا حدود.
نازحون أكدوا أن الكثير من الأمور صارت معقدة ومزرية لدرجة كبيرة جداً، انعدمت فيها فرصهم للحياة والاستمرار خصوصاً مع ارتفاع درجات الحرارة وإصابة الكثير من الأسر بحالات إغماء، وكذلك انعدام الغذاء أو توزيعه بصورة غير عادلة، وتلك الحالة هي ما دفعت "مريم" لمحاولة للانتحار حسب حديثها ل"بلقيس".
وقال "شوعي" وهو زوج "مريم": "زوجتي لم تحتمل الوضع الذي نعيشه، عائلتنا المكونة من 5 أفراد داخل خيمة واحدة، ترى أبناءها يبكون من الجوع وبعض الأحيان ما نحصلش والله ما نأكل، والوضع هذا هو اللي خلاها تقرر تنتحر".
ويرى الكثير من النازحين أن الانتحار هو الطريق الأنسب والأسهل للخلاص من أوجاع ومآسي النزوح، ويصفون ما تلقونه خلال نزوحهم، بحالة من نكأ الجراح، والمعاملة غير الإنسانية مقارنة بالأموال التي تحصل عليها المنظمات.
المحاولات المماثلة
فتيني علي (30عاماً) مواطن نازح من منطقة الجاح بمحافظة الحديدة لم يجد أي طريقة للابتعاد عن الأوجاع التي تعيشها أسرته إلا بالتخلص من حياته والإنتهاء من همومها، لكن الحظ أسعفه بعد أن عثر عليه أخيه وهو معلق في شجره لغرض القفز والموت شنقاً، على طريقة الانتحار.
ويقول في حديثه لـ"بلقيس": كنت أعيش في منطقة الجاح وحالي مستور قبلما توصل الحرب عندنا، لكن مع وصول الحرب والاشتباكات قررنا ننزح لأن القذائف كانت علينا، والآن نازحين في مخيمات، والله أنها مخيمات أنا اعتبرها إذلال في حقنا كبني آدم".
يتابع المتحدث قائًلاً: هذا ما جعلني أتوجع وكل يوم أموت ألف مرة بسبب القهر والألم وأنا أشوف أسرتي تنتظر للمساعدات في طوابير وفي الأخير تطلع منتهية"ولهذه التداعيات قرر "فتيني" الإنتحار حسب قوله.
محافظة حجة هي الأخرى شهدت الكثير من الحالات لمحاولات الانتحار، وتلخص حالة "صفيه.م" الكثير من الأوجاع التي عانتها بسبب الحرب وخوفها من سماع أصوات القذائف والحرب، حيث قررت النزوح إلى محافظة حجة، بمنطقة جبلية لجأت إليها خوفًا من قذائف الحرب وأصوات المدافع.
وقبل أيام تفاجأ أبناء المنطقة بوقوف فتاة على مكان شاهق ومميت، وبعد محاولات عديدة تجمع العديد من أبناء المنطقة لمحاولة تهدئة الفتاة ومنعها من الانتحار.
ويصف الناشط في المجال الإنساني "عدنان الغيلي" لحظة انقاذ صفية بأنها كانت من المعجزات، ويقول:" كان المشهد صادماً، والله أن قلبي كان يتقطع في كل لحظة، حاولنا الاقتراب منها وتم الإمساك بها وقمنا بتغطيتها بقليل من الشيلان التي كنا نلبسها، وأوصلتها إلى بيتي وعند والدتي".
وحين تحدثت "صفية" عن معاناتها قالت:" تزوجت بشخص من السعودية وبعد أن أنجبت له بدأ يتعامل معي بالضرب وهو ما جعلني اطلب الطلاق، ومن ثم تزوجت برجل آخر من الحديدة وبسبب الوضع والنزوح كان طول الأيام زعلان وصياح وضرب".
وتضيف : "والآن نزحت مع أسرتي من الحديدة وبسبب ضغوط الحياة وقبلها النزوح حُرمت من كل شيء، لا أحد يواسيني ولا أحد يخفف عني وجع الفقدان للأولاد، وزاد الجوع والوضع ما خلا لي حالي".وهذا هو السبب الذي جعلن أفكر بالإنتحار.
ودعا "الغيلي" المنظمات إلى استنفار إمكاناتها المادية والبشرية لمساعدة النازحين، والوقوف إلى جانبهم للتخفيف من حجم المعاناة التي يعيشونها، والعمل على توفير أدني المتطلبات الاساسية للعيش الكريم.