موقع "بلقيس" جال بعدد من شوارع صنعاء ورصد قصص من نوع مغاير تكشف عن هوية نزلاء الأرصفة الجدد.
رسالة
كان يجلس على أحد الأرصفة بالعاصمة صنعاء وبيده كرتون وقلم، حالته رثة للغاية وكأنه يكتب شيء ما، وضع القلم وتنهد بحسرة ثم أخذ يقرأ.
كانت رسالة إلى زعيم مليشيا الحوثي "اعتذر هنا عن إيراد ألفاظ التبجيل والتقديس، وكان من أبرز ما جاء فيها" أنا أحد المجندين مع أنصار الله قضيت في جبهة تعز _ سوفتيل، سنتين متواصلتين وقاتلت بشراسة، بعدها نقلوني إلى الحوبان، وكان المشرف علينا يسرق مخصصاتنا وتصايحت معه وبعد أيام طلب مني العودة إلى صنعاء لاستلام حقوقي واعطاني توجيها بالصرف، وفي صنعاء طلبوا مني السلاح وجلسوا يماطلونني أسبوع ثم قالوا لي أنت موقف بتوجيه من المشرف عليك لأنك تطاولت عليه.
وختم رسالته هذه بشرح وضعه البائس وتشرده وعدم قدرته على العودة إلى أسرته في محافظة المحويت لأنها لم تكن موافقة على قتاله مع الحوثيين، وطلب من عبدالملك الحوثي النظر إلى حالته ورفض الحوثيين بصنعاء التعامل معه ووصفه بالمخبر".
رسالة هذا المقاتل الحوثي الذي أوقفه المشرف لأنه رفع صوته مطالباً بحقوقه، حوت كثير من الاستعطاف والتوسل ولكن كمن يحرث في بحر.
شباب يمنيين عاطلين عن العمل استقطبهم الحوثيين للقتال معهم استغلالاً لحالتهم المادية وكانت نهايتهم الاستغناء عنهم لمطالبتهم بحقوق، وغيرهم تم الاستغناء عنهم لدخولهم في مشادات كلامية مع المشرفين عليهم، وفي المقابل صار على هؤلاء الشباب القيام بدور المخبر المجاني، فتجد أعداد منهم يتوزعون وينامون على أرصفة العاصمة صنعاء ينقلون ما يدور حولهم ودون مقابل.
يقول أحد هؤلاء الشباب الذين كانت نهاية خدمتهم التشرد على الأرصفة، أنا مُجبر على البقاء والنوم بالرصيف ودون مقابل غير وجبة غداء باليوم "رز مع طبيخ خضار وكدم".
يضيف وهو يزم شفتيه إذا لم أفعل ذلك سيكون مصيري السجن وقد يكون أبشع أي "إعدام" لأنه خائن في نظر الحوثيين لكونه رفع صوته وطالب مساواته بمشرف من آل البيت يعيش في نعيم فيما هو لم يكن يجد وجبة واحدة باليوم في جبهة القتال إلا بشق الأنفس.
قتلة الصماد
شاب آخر كان بإحدى جبهات مليشيا الحوثي بالحديدة تحدث بين زملاءه أنه سمع معلومات تفيد أن الصماد لم يقتله التحالف بل تمت تصفيته من قِبل قيادات حوثية من آل البيت_ كما يدعون، لأن الصماد كان سنحاني وأكد في خطابات عدة بأنه من دعاة السلام، وهذا يخالف توجه ونهج الحوثيين العقائدي.
وفي منتصف الليل تم استدعاء الشاب إلى مقر المنطقة الأمنية وإدخاله السجن وتعذيبه ما يقارب 4 أشهر، بعدها أرجعوه إلى صنعاء لاستلام مستحقات وعند وصوله أخبروه بأنه موقف وممنوع من مغادرة صنعاء.
مقاتل حوثي أخر اعترض على إهمال زميله الجريح وإرغامه من قبل المشرف المنحدر من بيت المتوكل على البقاء بالجبهة رغم حالته الصحية الحرجة، أُحيل هذا الشخص إلى التحقيق وتعرض للتعذيب بدواعي تطاوله على المشرف وتوجيهات القيادة العليا للحوثي، ثم منحوه توجيه بصرف مبلغ 50 ألف ريال وانتقل مع طقم نقل الجرحى من جبهة إلى صنعاء، وفي البدء طلبوا سلاحه بحجة الحفاظ عليه وأخذوا التوجيه وبعد متابعة عدة أيام أبلغوه أنه موقف وممنوع من مغادرة صنعاء حتى تصل التوجيهات بشأنه.
قصص متشابهة
حالات مماثلة كثيرة تعج بها صنعاء، وحسب تأكيد إحدى هذه الحالات التي كافئها الحوثيين بالنكران وفرض التشرد عليهم والبقاء على الأرصفة، فإنهم أفضل حالاً من آخرين كان مصيرهم البقاء بالسجن والتعذيب والإخفاء، وبعضهم لقى حتفه بالسجن ولم يجرؤ أحد على الحديث عنه، وفي المقابل يقولون إنهم قُتلوا في المعارك، وهكذا ينتهي مصيرهم.
وتُعد قضية الاعلامي أنور الركن، الذي جرى استقطابه للعمل في الإعلام الحربي ثم آل به المصير معتقلاً تحت التعذيب بسجن مدينة الصالح بتعز التابع للحوثيين وهو أحد أسوأ المعتقلات، تُعد هذه القضية دليل يجب التوقف عليه للغوص في تفاصيل انتهاكات وتنكيل بشع يمارسه الحوثيين.
وكان إكتشاف اعتقال الإعلامي أنور الركن من قبل شقيقه بالصدفة وبعد اختفاء غامض لأشهر، ومن ثم استلام أسرته جسد وروح منهكة لم تصمد سوى الوقت الذي نُقل فيه إلى المستشفى ليفارق الحياة يحمل لغز رحيله وتفاصيل اعتقاله.