سمعت يومها "أم حمودي " أصوات الطائرات والانفجارات تنال من الكثير من المناطق والبيوت المجاورة لها، حاجز الصوت للطائرات مفتوح ويكسر لحظة الصمت القاتلة، سماع الانفجارات كاد يقتلها ألف مرة، شقت طريقها نحو طفلها الوحيد بعد أن فقدت زوجها بخطى متعجلة خوفاً عليه من أيام قادمة قد تزداد مرارة وقسوة، لقد مر عليها شريط الذكريات بسرعة البرق.
تتسائل وتجيب ماذا حدث ومن يحق له ان ينال من سكون هذا الليل دون رحمة مسبقة.
تقول "أم حمودي":" مشيت باتجاه ابني واقتربت منه و ضعت يدي على رأسه، وبدأت أسأل نفسي، كيف هي الحرب، انفجرت دون أن نعلم بها، تركت ابني وبدأت أسأل أقرباء زوجي وغيرهم ممن يسكنون في القرب منا، الكثير منهم لا يعلم شيء"، وتجيب من يحق له أن ينتهك راحة نومنا ويرعبنا وأطفالنا، إنه عدوان تذكرت فيه أهل غزة حسب قول "أم حمودي".
قليل من الحرب
تتحدث "أم حمودي " وكلها ألم ووجع يحيط بها، لم تستطع الحديث حتى نادت على ابنها الصغير "تعال جنبي حمودي"، وهو اسم لفت انتباهنا لحظة الحديث معها، إنها تحبه كثيرًا وتمتنع عن الحديث أو كلام في ظل غياب طفلها، الذي له من العمر 11 ربيعًا وقليل من الحرب، إنه يعرف كل تفاصيل الحياة، كان في استقبالنا لحظة الوصول وهو من كان يرشدنا وقت التصوير.
لحظات تلسع فيها الشمسُ اجسادنا بحرها الشديد، درجة الحرارة مرتفعة حد الغليان، الأرض يخال لك أنها قيعان من النفط وأمواج من السراب، يتحدث الطفل الصغير "حمودي" بعد انتهاء حديث أمه وهو يشير لنا ناحية خيمهم، التي لا تكاد تتسع إلا لشخص واحد، إنها حالة من المعاناة والوجع.
ويقول "حمودي":" كنت ألعب وأنا في بيتنا قبل ما ننزح، هذه الأيام أصحى الصباح، أبكر أبحث في أي مكان واشتغل، واشار لنا ناحية مزرعة قريبة منهم".
رحلة النزوح والضياع
تتحدث أم حمودي عن رحلة النزوح لها وهي تحاول أن تنظر ناحية ابنها لتستمد منه قوة البقاء لتستمر بالحديث لموقع "بلقيس" وتقول:" كنا نسكن في مكاننا الأول ونعيش بكرامة، أول نزوح لنا ناحية منطقة "الشعاب"، والله كنا نعاني ولا نحصل ولا حتى على القليل من الطعام، ولكن وجود الجيران خفف عنا الكثير، وكنا نتعب ونتبهذل لكن عادنا كنا نحصل على أكل وشرب".
بعدها سقطت منها دمعة الألم والوجع حين ذكرت أفراد أسرتها الذين فقدتهم، لقد حاولت الصمود ولكنها ابكت قلوبنا معها، حين الهروب لم تجد لها أي سبب للبقاء، فقذائف العدوان وصلت بقربها حسب قولها، حملت ابنها وداست الأرض بأقدامها ناحية قبلتها الأخيرة مديرية "عبس".
وتضيف وهي تتحدث عن اسرتها الذين فقدتهم :" والله كنت أحصل منهم حق خبز ومصاريف وأشياء أخرى، الآن احنا في هذا المكان والله كل شيء يحاربنا ولا حتى المنظمات ما وصلت عندنا".
وأضافت أما الآن " والله ما عاد حصلنا ولا شيء"، حتى المنظمات ودورها في تقديم المعونات، لم تعد تتذكره إلا لحظة وصولها وتوثيق حالتها من قبل منظمات الغذاء العالمي وغيرها، وأشارت إلى أنها حصلت على حقيبة من أوعية للماء مع قليل من المنظفات التي لم تكن بحاجة إليها.
الوضع المعيشي الصعب
وحين زارت كاميرا بلقيس المكان وجدته يتكون من 3 خيم كل واحدة منها تتسع لشخص واحد فقط، الماء به الكثير من الطحالب وبقايا تراب وجميع عوامل التعرية في منطقة شبه ساحلية، إنهم يعانون الكثير من الصعاب وأوجاع النزوح ومرارة العيش على سفح جبل لا يعرف فيه متى تنتهي هذه الحرب القذرة التي شردت الملايين.
وفي أوقات الحر والظهيرة بالذات شجرة واحدة بعيدانها اليابسة تضع عليها "أم حمودي" ملابسها وملابس ابنها، تعرضها للشمس حتى صارت شبه بالية، إنها تضعها حتى تجود عليهم ظلال خيوط تلك الملابس بقليل من الماء البارد عله يروي ضمأهم، لم تجد لها لا برادة ماء، ولا وسيلة من وسائل التبريد التقليدية بسبب انعدام الكثير من الأشياء عليهم.
أما أوقات الرياح والأمطار فأنهم يتعرضون للغرق، عششهم تغرق ويسيل بداخلها الماء وكأنه لا غطاء عليها، ولأنها مبنية من القش والأعواد اليابسة، ومغطاة بقليل من الملابس البالية، لا تستطيع تحمل شيء من عوامل التعرية ومتغيرات الطبيعة بالمناطق التهامية.
لقد ركل "حمودي" قنينة ماء فارغة يٌرى عليها آثار تعرضها للشمس، وذهب ناحية إحدى العشش ليبتعد عن حرارة الشمس، إنه كان يشعر بكل لحظة نستفسر فيها عن وضعهم، و ينظر ناحية المدينة وعينه لا ترى شيئًا سوى البحث وراء السلام والأمن والأمان.