لم يكن مفاجئاً لأسرة محمود حصوله على هذا المعدل على الرغم من أنها تعلم أن مستواه التعليمي ضعيفا جدا ولم يحضر إلا دروس قليلة في مدرسة يتغيب معلميها غالبا لعدم صرف مرتباتهم ، وباركت الأسرة بسخرية لابنها على جهده الكبير الذي بذله طوال العام للحصول على معدل التسعينيات .
وبحسب والد محمود فقد صارت صفوف النقل أصعب وأثقل على الطالب من المرحلة العامة والاختبارات الوزارية ، فالنجاح والتفوق فيها مضمون إذا حضر الطالب الامتحان .
ويتفق معه التربوي عبدالجليل أحمد الذي يرى أن معدلات السبعين والثمانين كانت في السابق تمثل انجازا كبيرا يحصل عليه الطالب بعد جهد ومثابرة وسهر ليالي طويلة ، وكانت الأسرة تعيش حالة طوارئ وخاصة خلال فترة الاختبارات عندما يكون لها طالب بالثانوية العامة أو ثالث إعدادي ، وتحاول توفير جو هادئ ومناسب للمذاكرة والتركيز. أما حاليا فان الطالب يدخل قاعة الاختبار وقد لا يعلم ما هو المقرر الدراسي في المادة.
ويرى مراقبون تربويون أن العملية التعليمية تدهور في السنوات الأخيرة وخاصة سنوات الحرب بشكل كامل وتلاشى اهتمام المدرسة والأسرة بالتعليم وصار الطالب يعتمد على الغش بشكل رئيسي ولا يبذل جهد بالدراسة واستذكار الدروس أو يولي اهتماما بالتحصيل العلمي مما أوجد جيل غير مبالي واتكالي ومخرجات أمية لا تستطيع الكتابة والقراءة .
شهادة زور
معدلات الثانوية العامة أشبه بشهادة زور تعطي الطالب أكثر مما يستحق ولا تقدم تقييم حقيقي لمستويات الطلاب ولهذا لم يعد للمعدلات العالية قيمة .. بحسب التربوي سليمان القاضي الذي يتسائل، كيف يمكن لهذه المخرجات أن تبني وطن ويكون منها الطبيب والمهندس والأكاديمي وغيره.
يقول القاضي لـ " بلقيس " الغش والمعدلات المزيفة قتلت روح التنافس والمثابرة في أوساط الطلاب وأضعفت العملية التعليمية ، وسيكون لهذا عواقب وخيمة على مستقبل البلد فالغش في المعدلات غش للبلد ومستقبله.
وفيما ينتظر 474 ألفا و247 طالبا وطالبة في المرحلتين الأساسية والثانوية في عشر محافظات خاضعة لسيطرة الحوثيين نتائجهم فقد أعلنت وزارة التربية والتعليم في حكومة الشرعية بالخامس من أغسطس الحالي نتائج طلاب الثانوية العامة لـ65532 طالبا وطالبة تقدموا هذا العام للامتحانات نجح منهم 58345 بنسبة 89.03% فيما رسب 7187 طالبا وطالبة وبنسبة 10.97% .
وفي حين نشر أولياء وأقارب بعض الطلاب على مواقع التواصل الاجتماعي نتائج بمعدلات مرتفعة قابلها البعض بسخرية من هذه المعدلات والمستوى التعليمي الهابط للحاصلين عليها واعتبروها دليل على تدهور العملية التعليمية .
ظلم المجتهدين
أسامة الذبحاني واحد من مئات الطلاب الذين حصلوا هذا العام على معدلات تجاوزت التسعين على الرغم انه لم يحضر إلى المدرسة إلا أيام قلائل ومستواه التعليمي متدني جدا ، حتى انه يسخر من معدله حين الحديث مع زملائه وأسرته .
ويعرف والد أسامة أن مستوى ابنه ضعيف وخطه رديء جدا بالإضافة إلى الأخطاء الإملائية التي لا يخلو منها سطر واحد مما يكتبه لكنه يرى أن هذا صار الوضع العام للطلاب وخاصة في السنوات الأخيرة التي شهدت انقطاع المرتبات وغياب المدرس وانتشار ظاهرة الغش بشكل مكثف .
لكن محمد ياسين بذل جهداً كبيراً طوال العام في الدراسة والمذاكرة ورفض الغش داخل قاعات الامتحان وتمكن من الحصول على معدل 91% إلا انه لم يشعر بفرحة تفوقه لان زملائه المتغيبين والمهملين حصلوا على معدلات أعلى منه .
ويؤكد التربوي عبدالجليل أحمد لـ " بلقيس " انه ليس غريباً انتشار المعدلات العالية، ففي كثير من لجان الامتحانات تجمع مبالغ مالية للملاحظين وتدخل إجابات نموذجية إلى قاعة الامتحانات من قبل المدرسين المختصين وتمرر على الطلاب ولولا رداءة الخط لحصل الجميع على معدل 100% وهذا يجعل الطالب المتفوق يشعر بالغبن.
المعدلات الخيالية ظلمت الطلاب المجتهدين والمتفوقين وتساووا بالفاشلين والمهملين وجعل فرحتهم بمعدلاتهم تموت ، فالفاشل يحصل على معدل أعلى من المجتهد بالإضافة إلى أن الناس لم تعد تعطي للمعدلات العالية التي صارت في متناول الجميع اهتماما يذكر.