البيان وصف تمرد الانتقالي وطرده الحكومة من عدن بالفتنة، وطالب بالاستمرار بما أسماها "الأجواء الإيجابية" في حوار جدة، وهو موقف يعكس انقلاباً كاملاً عن البيان السعودي الأخير في الخامس من سبتمبر الجاري.
في بيانها الذي أصدرته الرياض منفردة، كانت قد حملت فيه الانتقالي مسؤولية أحداث عدن، ودعته للتراجع وسحب مسلحيه من العاصمة المؤقتة, تلاشت هذه اللغة في البيان الأخير، وبدأ واضحاً أن الرياض لا يختلف موقفها عن أبوظبي، مهندسة وراعية انقلاب عدن.
تحالف دعم الشرعية أم انهاؤها ؟
موقف الرياض الذي صدم البعض عقب البيان الأخير لم يكن بدعا عن مواقفها من الأحداث الأخيرة في عدن خلال الفترة الماضية، فالسعودية هي من وفرت الغطاء العسكري لتمرد الانتقالي ودفعت القوات الحكومية للانسحاب من مواقعها، وهي أيضا من توفر الغطاء السياسي للانتقالي بالدعوة إلى وقف إطلاق النار وتثبيت الأمر الواقع.
مراقبون يرون أن السعودية انتهجت سياسية تقسيم اليمن منذ تدخلها في 2015، وأنها ترفع لافتة دعم الشرعية فقط لاستخدامها مظلة قانونية لتنفيذ مخططها التفتيتي، ثم تتخلص منها بعد الانتهاء من هذه المهمة.
انكشاف سياسي
أستاذ العلوم السياسية بجامعة الحديدة فيصل الحذيفي قال إن تراكم البيانات أفضت إلى الإفصاح عن الانكشاف السياسي، لافتا إلى أن اليمنيون الآن أمام مرحلة الانكشاف السياسي، بحيث لم يعد بالإمكان التغاضي عن التجاوزات أو الأدوار السعودية الإماراتية.
وأضاف الحذيفي، خلال حديثه لبرنامج "المساء اليمني" على قناة بلقيس مساء أمس، أن القناع سقط على الإمارات، وسقط على السعودية رغم أمل اليمنيين بدور سعودي متميز بحكم الجوار الجغرافي وحكم العلاقات التاريخية بين البلدين وبحكم الضرورة الجغرافية.
مشيراً إلى أن اليمنيين اليوم لم يعودوا يراهنون على أن السعودية مختلفة عن الإمارات، واصفاً من يحاول أن يفرز بأن السعودية هي خيار اليمنيين الاستراتيجي وأن الإمارات هي الشيطان بالمضلل لنفسه.
وأردف الحذيفي إلى أن السعودية والإمارات تعدتا محاولة إسقاط الشرعية إلى إسقاط الدولة، إذ تجاوزت الدولتين إسقاط الشرعية شمالاً بجعلها طرفاً سياسياً مع الانقلاب الحوثي، واسقطت الشرعية في الجنوب وجعلتها طرفاً سياسياً مع الانقلابين الجدد.
وحول البيان السعودي الإماراتي المشترك والذي صدر مؤخراً، قال الحذيفي إن البيان استخدم لغة التهديد، وأعطى" كل من وضع يده على شيئاً فهو أحق به، فأعطى الإمارات نفوذها في الساحل والغرب، وأعطى السعودية حقها في المناطق الشرقية والشمال، وأعطى الانقلابين حقهم في أن يبقوا ممثلين للإمارات على الأرض، وأسقط الشرعية نهائياً وهي التي استدعتهم لعونه".
وأوضح الحذيفي أن السعودية ومن خلال بيانها المنفرد خرجت لتغطي جرمها الحقيقي في التآمر على اليمن، وأرادت أن تظهر من خلاله باعتبارها صاحبة الريادة والمصلحة مع السلطة الشرعية، وأنها لا يمكن أن تمارس دور الخيانة، لافتا إلى أن البيان لم يعجب الإمارات التي لها خطة واضحة مع السعودية عل الأرض، فسرعان ما اسقطت أبوظبي هذا البيان ببيان آخر مشترك، وكأن البيان السعودي المنفرد كان امتصاص الصدمة اللحظية للشعب اليمني وللسلطة الشرعية وللمراقبين الدوليين.
"بيان تخدير"
من جهته؛ عضو مجلس النواب شوقي القاضي قال إن البعض يرى البيان السعودي الإماراتي المشترك بأنه لم يأتي لمعالجة القضايا، وإنما أقرب إلى "التمييع"، حيث تجنب تسمية الأمور بحقائقها، وتحاشى أن يسمي التمرد والانقلاب، وساوى بين الشرعية والانتقالي كأنهما مكونان متساويان.
مضيفاً أن البيان-بنظر آخرين- كان عبارة عن "تخدير" في ظل تهدئة الشرعية وتهديدها أيضا من أن تحدث أي شيء، وعلى الجانب الآخر تستمر الإمارات بإرسال الأسلحة للمجلس الانتقالي، بما يعني أن هذا لا يدل على تهدئة أو حوار بقدر ما يشير إلى تصعيد لاحقاً.
حراك شعبي ورسمي
ولفت القاضي إلى أن هناك حراكاً قوياً من قبل الشرعية وتحالفاتها ومكوناتها تجاه البيان السعودي الإماراتي، حيث رفضت الشرعية ومكوناتها حتى اللحظة إصدار أي بيان يؤيد البيان المشترك، واشترطت بعودة الأمور ليس إلى ما قبل عشرة أغسطس(قبل انقلاب المجلس الانتقالي)، وإنما عودة الشرعية والرئيس والحكومة، وتعزيز مؤسسات الدولة في المحافظات المحررة بما فيها عدن باعتبارها عاصمة مؤقتة للجمهورية اليمنية.
وحول ما إذا كانت الشرعية قادرة على اتخاذ موقف ضد البيان المشترك، أوضح الحذيفي إلى أن الشرعية لديها من القوة القانونية والدستورية والدعم الدولي ما يجعلها تقلب الموازين على الجميع، لأنها في موقع شرعي.
وبمقارنة البيان المشترك للسعودية والإمارات عن البيان السعودي المنفرد، لفت القاضي إلى أن البيان المشترك للدولتين ما كان لصدر لولا التحرك الشعبي والإعلامي والنخبوي، وتحرك الجاليات في الخارج، بالتالي هذا الحراك أعطى القوة للشرعية ومؤسساتها ومكوناتها.