زمن النساء
استطاعت أم احمد أن تنقذ أسرتها من هاوية الفقر بعد انقطاع راتب زوجها نهاية العام 2016م ، عندما كانت الأسرة تمر بظروف اقتصادية صعبة ، ويتعسر عليها توفير الأشياء الضرورية، فظلت تتردد وتلح على جارتها لتعليمها صناعة العطور والبخور حتى أجادت العمل عليها، وبدأت مشروعها المنزلي بإمكانيات بسيطة تبيع منتجاته على الأقارب والأهل في صنعاء وقريتهم بمحافظة ذمار.
احتاج المشروع إلى إصرار وعزيمة، وكانت حاجة الأسرة للمال أكبر دوافع الاستمرار وتوسيع المشروع والبحث عن سوق اكبر، فبدأ عرض المنتجات على النساء في الأعراس ومحلات الكوافير بالإضافة إلى بعض محلات التجميل، وكلما ازدادت المبيعات يتحسن وضع الأسرة بشكل أفضل .. كما تقول أم احمد لـ " بلقيس ".
اعتمدت أسر الموظفين في السابق على الراتب لكن توقف صرفه جعلها تبحث عن بدائل أخرى عندما وجد أفرادها أنفسهم يقفون وجها لوجه أمام شبح الفقر والجوع، وكان للنساء دور بارز في صمود الأسرة طوال هذه السنوات ، ومنح عائلاتهن سبلاً جديدة للعيش.
ولم يكن بيد الموظف الحكومي أبو احمد عمل شيء بعد أن عجز عن إيجاد فرصة عمل ، مما جعله يمر بمرحلة من اليأس والإحباط ، لكن مشروع زوجته جاء كعملية إنقاذ ، وطوق نجاة انتشل الأسرة من الفقر ، لتخصص عائداته لتغطية احتياجات المنزل .. بحسب أبو احمد ، الذي يقول مازحا لـ " بلقيس" " إن زمن الرجال ولى وهذا زمن النساء ".
استغلال الظروف
مازلت أم احمد تشعر بالأيام الصعبة التي مرت بها وتحس بمعاناة الناس الذين لا يجدون مصدر رزق ولذا تقوم حاليا بتعليم جيرانها من النساء صناعة العطورات والبخور ، ليتمكن من عمل مشاريعهن الخاصة ودعم أسرهن.
" نعمة " امرأة أخرى مرت بنفس الظروف الصعبة، لكنها لم تستسلم وقررت أن تكون فاعلة وتساهم في مشاركة زوجها محنته، فتعلمت من جارتها تطريز أحزمة الجنابي التي تقضي معظم يومها عاكفة على عملها، لكن على الرغم من الجهد المضني وأوجاع الظهر إلا أن العائد المالي غير منصف .
تقول نعمة لـ " بلقيس " إن تطريز الحزام الواحد يحتاج لأيام، لكن من يشترون الأحزمة يبخسوا المطرزات بالسعر لأنهم يعرفون حاجتهن للمال فيما يبيعون الحزام بأكثر من 20 ألف ريال .
ابتزاز أصحاب المحلات والعمل مس كثيراً من النساء اللاتي يحاولن جاهدات مساعدة أسرهن، استغلالاً لأوضاع الناس ووفرة العاملات، كما حدث مع الهام الجند التي ذهبت إلى احد محلات تطريز الأقمشة النسائية بالفصوص اللامعة بحي الحصبة، وبدأت العمل بكل جهد ونشاط مع ثلاثة من أبنائها الصغار، إلا أنها وجدت نفسها وأبنائها يبذلون جهداً كبيراً بمقابل عائد رمزي لا يسمن ولا يغني من جوع، فمقابل تزيين قطعة القماش مابين 300 إلى 500 ريال، وتحتاج القطعة التي إيجار عملها 300 إلى العمل ليومين، بالإضافة إلى تكاليف المواصلات للمحل .. كما تؤكد الجند لـ " بلقيس "
وتقول إن صاحبة العمل تستغل النساء الفقيرات والأرامل وتعاملهن كأجيرات، وتحاسبهن حتى على كمية الفصوص اللامعة التي تُلصق بالأقمشة.
واستطاعت مؤخرا " أم ريتاج " خريجة الجامعة التي لم تتمكن من إيجاد وظيفة أن تحصل على فرصة عمل بتطريز الأقمشة بالورود، وتنجز أكثر من قماش باليوم الواحد لتجمع مبلغا ماليا لا بأس به.
تقول أم ريتاج أن امرأة تمر عليها وعلى بعض نساء الحي بداية كل أسبوع وتوزع لهن مجموعة من الأقمشة ليطرزوها ثم تعود لأخذها نهاية الأسبوع بعد أن تم الاتفاق معها على مبلغ عشرة ريالات مقابل تشكيل وخياطة الوردة الواحدة .
في سنوات الحرب استطاعت المرأة اليمنية أن تؤكد حضورها وتحافظ على تماسك أسرتها، وتكون محاربة شرسة في وجه الظروف القاسية، وتبذل جهدها ووقتها وتدلف مجالات حياة لم تكن تعرفها لتوصل أسرتها إلى بر الأمان.