الصحفي عندما يكتفي بنقل المعلومات فقط, أو بتعبير أوضح عندما لا يكون مثقفا في المجال الذي يكتب عنه مادته الصحفية، غير واعيا لوظيفته والاهم ليس صاحب انحياز نهائي للمجتمع, فإنه يتحول إلى مخبر بذلك المعنى الذي نعرفه, أراد ذلك أو لم يرد. أي يصبح عدو للمجتمع وفي أحايين كثيرة مرتكب جريمة بحق نفسه. على أية حال ليست سهلة مهنة الصحافة.
مهنة الصحافة تعد من أكثر المهن التي تقع تحت سطوة وهيمنة الطبقات المسيطرة. أما تطورها فلا يزال خاضع للتشويش ولمصالح هذه الطبقات. بينما مشروعية وجودها في الأساس قائم على كونها مهنة لخدمة المجتمع والدفاع عنه في مواجهة هذه الطبقات.
ما يؤكد على هذا, هو أن تقنيات الصحافة التي تقترب من مهام الدفاع عن المجتمع تتطور ببطء شديد, يرافق هذا التطور تكريس ممنهج للميوعة في أوساط من يعملون في هذه المهنة. وهناك تقنيات خاصة بالطبقات المسيطرة تتطور بشكل ملفت.
في ظل انحطاط الصحافة خصوصا في البلدان المضطربة, حيث أصبحت في الأغلب تستخدم للتطبيل والتعمية وخداع المجتمع, أعتقد انه لم يعد كافيا التفكير بسد تلك الهوة التي تتسع بين مهنة الصحافة وبين هدفها.
لهذا لا يزال المقصود بالمهنية الصحفيه هو الاكتفاء بنقل المعلومات بحيادية. بل أن هذا يعد أقصى درجات المهنية. بينما المطلوب كشف مصالح المجتمع التي تجعل من هذه المعلومات مهمة. كشف طبيعة الضرر ومن المسئول عن حدوثه وما هي الاعتبارات القانونية والدستورية والأخلاقية التي تجعل هذا الطرف او ذاك مسئولا عن هذا الضرر.
مثلا لدينا مئات الجرائم الإرهابية التي تظل تحدث ما بين وقت وآخر. لكني حتى الآن لم أصادف مادة صحفية واحدة تنقل هذه الجرائم بأبعادها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والاختلالات التي تقف خلف حدوثها. وما هي ممكنات مواجهة مثل هذه الجرائم.
في ظل انحطاط الصحافة خصوصا في البلدان المضطربة, حيث أصبحت في الأغلب تستخدم للتطبيل والتعمية وخداع المجتمع, أعتقد انه لم يعد كافيا التفكير بسد تلك الهوة التي تتسع بين مهنة الصحافة وبين هدفها.
ربما أصبح المطلوب التفكير بسد تلك الهوة وفي ذات الوقت بناء تخصص جديد مهمته الأساسية كشف زيف وألاعيب الصحافة الرائجة ونقد وتحليل طبيعتها. أو بمعنى آخر تأسيس صحافة الصحافة كمقدمة لتخلق نماذج جديدة.
فكما ترون لا يتعلق الامر باختلالات في وظيفة الصحافة وحسب, بل في طبيعتها, حيث يبدو وكأن صحافتنا معزولة عن السياق التاريخي القائم. فهي تعاني من اغتراب مزمن, غارقة في اليومي وما هو سطحي, بينما يفترض أن الكتابات النظرية التي تتصدى لمشاكل الحاضر وتعيد قراءة التاريخ, هي الاكثر أهمية.
الصحافة التي تحمل هموم المجتمع وتنطلق من حاجاته سوف تستشعر واجبها في كل مجال من المجالات. لكن بدلا من العمل على فتح ثغرات في جدار القتامة وضدا على الانحطاط الذي هو بمثابة نتيجة طبيعية للثورة المضادة ولتعقد الصراع وتداخله, نرى كيف ان صحافتنا تعزز من حالة الانحطاط وكيف تبرع في تصدير الاحباط للناس اما بالاستلاب الممزوج بالعجز أو بالسماح بتفشي صحافة رخيصة دون أية مقاومة.
وهكذا أصبح من المتعذر الحديث عن صحافة الحد الأدنى. لأن العمل الجيد يظل محدود للغاية والقائمين عليه غير واعين لوظيفتهم غير مهتمين بالارتقاء به. فقط أصبح الاهتمام ينصب على اسقاط الواجب والحفاظ على لقمة العيش. بالمقابل تزدهر صحافة المطابخ الممولة من مراكز النفوذ المحلية والاقليمية.