النتيجة المتوقعة لهذا الوضع، هو استمرار الحرب لوقت طويل، أو البحث عن تسوية تعيد إنتاج نسخة من 5 نوفمبر، في حال وافق الحوثي على إنهاء ارتباطه بايران وقبول تبعيته للسعودية مقابل احتفاظه بنصيب أكبر من السلطة يشاركه الإصلاح الجزء الأخر منها. ليس هذا طموح الإصلاح لكنه سيرضخ في النهاية. وهذا خيار سعودي على أية حال إذا لم يكن مطروحا في الوقت الحالي سيبقى مرهونا بترتيب نفوذها شرق اليمن، وتصاعد التناقضات بينها وبين الإمارات ليصبح واقعا كونه الخيار الوحيد المتوفر.
بالطبع المأزق الذي تصنعه السعودية لنفسها في اليمن، يصلح لأشياء كثيرة، ليس بينها التأليب على السعودية وتوقع النتائج المرجوة طالما أن الحوثي بمشروعه الطائفي والسلالي لا يزال يخيم على حياة اليمنيين كالشبح صابغا لياليهم بالألأم وأيامهم بالسواد. مهما يكن لدينا من معطيات. لا معنى للحديث عن تكالب التحالف ومخططاته دون أن يكون هناك إستراتيجية واضحة تحكم النشاط، تأخذ على عاتقها كل الاعتبارات التي لا يمكن القفز فوقها.
العدو الأول هو الحوثي، وبقائه في صدارة المشهد هو ما يجعلنا جميعا مستلبين ومشتتين ولا نعرف ما الذي يمكن عمله.
بدأت السياسات السعودية اتجاه الحرب في اليمن تتكشف للناس. هذا جيد. لكنه في الوقت الحالي لا يعني الكثير طالما بقت هذه المعادلة الصعبة قائمة.
ليست هذه هي القضية الرئيسية للناس رضينا بذلك أو لم نرضى. الناس تعيش أوضاع صعبة، وتعرف أن الحوثي عدوها الأول لهذا تذهب إلى الحدود وتقبل أن تقاتل كمرتزقة، ليس لأنها مرتزقة فعلا ولكن لأنه لا يوجد شيء آخر يمكن عمله. لا تزال القضية الرئيسية هي هزيمة الحوثي واستعادة الدولة. غير أنه لا يوجد من يعمل لأجل ذلك. وعندما يقال هذا، فهو لا يعني أننا نطالب الناس بأن تتغافل عن الدور السعودي.
عن نفسي لا زلت أعتقد أنه لا يوجد من أضر باليمن على مدى قرابة قرن من الزمن كما فعلت السعودية، منذ الثلاثينات عندما استولت على أجزاء واسعة من الأراضي اليمنية مرورا بوقوفها إلى جانب الملكيين ودعمهم لمحاربة الجمهورية الوليدة ثم تدجينها بعد ذلك من خلال عقد مصالحة بين الملكيين والجناح الجمهوري اليميني، ومواصلة تصفية القوى الوطنية من خلال دعم مراكز النفوذ القبلية ومصادرة القرار اليمني السيادي، وكذلك تصدير الوهابية وتعميد نهبها للأراضي اليمنية.... في الحقيقة القائمة تطول.
المأزق الذي تصنعه السعودية لنفسها في اليمن، يصلح لأشياء كثيرة، ليس بينها التأليب على السعودية وتوقع النتائج المرجوة طالما أن الحوثي بمشروعه الطائفي والسلالي لا يزال يخيم على حياة اليمنيين كالشبح صابغا لياليهم بالألأم وأيامهم بالسواد.
أما ما قامت به السعودية من 2011 إلى اليوم فيكاد يؤثر على مستقبل البلاد لخمسين سنة قادمة، ابتداء باحتواء الثورة ثم دعم جماعة الحوثي للاستيلاء على العاصمة، ثم بعد تدخلها (وهنا فقط نجد أن السعودية كانت قد وضعتها الأحداث على أعتاب إمكانية تغيير الصورة المرسومة لها في الذهن اليمني) رأينا كيف قصفت المنشأت والمساكن المدنية وكيف تلاعبت بالحكومة وعبثت بمعية الامارات بالبلد من خلال دعم الجماعات والإسهام في تمزيق البلد.
إذن لا يمكننا بأي حال التغافل عن المعركة الرئيسية إذا ما أردنا أن يكون لتعبيراتنا الأخرى قدرا من الصدق والنزاهة. هذه التعبيرات يجب أن تكون مرتبطة في الأساس بمتطلبات هذه المعركة، ومنطلقة من ضرورة الدفاع عن المجتمع كهدف آخر. لأنه لا يمكن هزيمة الحوثي بمجتمع مفكك وعرضة للاستقطابات والتلاعب.
هناك اختلالات كبيرة في عملية تشكيل الحكومة القائمة وفي طبيعة أدائها، هذا صحيح، ويبدو أن الحزب الاشتراكي مهتم بهذه النقطة. لكن الناس تسمع ولا تتفاعل. وان تفاعلت فلماما. ليست هذه هي القضية. ربما في وقت آخر وفي ظروف مختلفة.
كشف التقرير الأخير لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة عن انتهاكات مروعة في سجون عدن، حيث معتقلين تعرضوا للاغتصاب. خبر كهذا يكفي لإشعال ثورة. الناس قرأت ذلك وتعرف ما هو أفضع منه. تعرف أن الإمارات تدير سجون سرية، وإنها تقف وراء الاغتيالات في عدن، وأنها تعرقل عمل الحكومة الشرعية وتقود بأقذر الأعمال التي يمكن تخيلها. ومع ذلك لم تتحرك.
في مقالة سابقة كنت قد أشرت أيضا إلى حدود تحرك الشارع في الجنوب، وحدود غضبه الذي انصب على الحكومة ثم تطور ليشمل التحالف، لكنه مع ذلك لم يقترب من هادي، وبالمجمل لم يتصاعد.
أحوال الناس في تعز ليست بأفضل مما هي عليه أحوال الناس في الجنوب. بل أسوأ بما لا يقارن. وتعز خلال السبعة الأعوام الأخيرة تنام في الشارع ومستعدة للاحتجاج لأي سبب. مع ذلك الناس لم تخرج احتجاجا على انهيار سعر العملة.
صحيح أن هذا يحلينا إلى موضوع الأزمة الثورية، عندما تتجمد الحركة. لكن في الأساس تحيلنا إلى وجود تعقيدات مركبة، عدم وجود برنامج واضح يتوائم مع حاجة الناس الفعلية. إذن هنا يجدر بنا التوقف وإعادة ترتيب الأولويات وبناء مثل هذا البرنامج.