ولدت الحرب في الأساس متشابكة. ومع استمرارها أصبحت شديدة التعقيد. لكن بالمجمل يمكن القول أن هناك ثلاثة مستويات تتحكم بمجريات هذه الحرب:
المستوى الأول: هو الحرب على الإرهاب وصراع الدول القوية على تأمين مصالحها واقتسام النفوذ في الشرق الأوسط. وهذا المستوى كان قد تفعل في وقت مبكر من مطلع الألفية وعلى نحو أشد وضوحا بعد أحداث 11 سبتمبر في أمريكا.
لكن بعد الثورات العربية مطلع العام 2011 اكتسب هذا المستوى أبعادا أخرى, فالحروب الأهلية أدخلت فاعلين جدد لديهم مشاريعهم.
المستوى الثاني: الحرب الإقليمية. ولهذه الحرب بعدين. الأول ما يتعلق بالمنطقة ككل من حرب بين إيران والسعودية ذات صبغة طائفية وتتخذ من دول الشرق الأوسط مسرحا لها.
البعد الثاني موقف الدول الخليجية من ثورات الربيع العربي وهذا هو البعد الحاسم والذي يفسر لماذا طالت الحرب في اليمن بهذا الشكل وما رافقها من سوء للأوضاع على كافة الأصعدة.
فالسعودية والإمارات كانتا من بين الدول التي استشعرت خطورة الثورات على أنظمتها وفزعتا جدا لذلك، لهذا قامت الدولتين بحشد كل إمكانياتها في سبيل إفشال هذه الثورات ومساعدة الثورات المضادة, على نحو متناقض مع سياساتها أحيانا.
مثلا في سوريا دعمت السعودية في البداية الثورة ثم الجماعات المتطرفة، وعندما ظهرت فزاعة الإخوان المسلمين وتغير الموقف الدولي من الثورات عادت لدعم بشار الأسد.
نفس الأمر حدث في اليمن وبشكل أكثر دراماتيكية وترابط, فالسعودية ناورت وأفرغت الثورة من مضمونها من خلال ما سمي بالمبادرة الخليجية، ثم بعد أن وصلت البلد لمأزق، بدلا ممن دعم الحكومة التي جاءت بها المبادرة، قامت بدعم جماعة الحوثي في البداية للتقدم نحو صنعاء بينما الإمارات ظلت على تنسيق متواصل مع صالح ورجالات حزبه.
وفي ظل هذا التوجه الجديد كان هناك أشياء كثيرة متعذرة على الفهم لدى صناع السياسة الخارجية في دولتي الإمارات والسعودية.
تبدو الحكومة الشرعية وكأنها تؤدي دور وظيفي يخدم سياسات التحالف أكثر مما يهمه مصالح اليمنيين، فدورها يقتصر على توفير الغطاء الشرعي للتدخل الخارجي دون أن تقوم ولو بالحد الأدنى من وظيفتها.
كانوا يعتقدون أنهم يحاربون الثورة. وعندما صحوا على سقوط صنعاء وإعلان ايران عن سيطرتها على العاصمة العربية الرابعة, فزعت السعودية وقامت بتشكيل تحالف دولي لمحاربة الحوثي وصالح لكن مع بقاء الارتباك فهي ظلت متوجسة من حزب الإصلاح الذي يوصف انه ذراع الإخوان المسلمين في اليمن بينما الإمارات ظل تنسيقها مع صالح وعائلته قائما وبدأت تبني لها اذرع على الأرض تهيئ له الانفكاك عن الحوثي.
لكن هذا كان على حساب مقتل صالح كما رأينا في نهاية الأمر. في هذا المستوى لا يزال العداء لثورة فبراير قائما عند الدولتين وما انهيار العملة اليمنية وسوء الأوضاع الإنسانية إلا دليلا واحدا من بين أدلة كثيرة توضح رغبة الدولتين في انهاك القوى الشعبية وإغراق البلاد في االجوع والفوضى.
وهناك قطر التي تظهر وكأنها داعمة للثورات، فهي بدورها تستغل وصول التعقيدات في اليمن إلى هذا المستوى وتستثمر علاقاتها ببعض الأجنحة في حزب الإصلاح للمناورة وتخفيف الضغوط المفروضة عليها من قبل الامارات والسعودية ودول أخرى على خلفية مواقفها الخارجية ومحاولة بناء نفوذ مستقل لها عبر استثمار الثورات، ثم بعد ذلك استثمار الفوضى والتعقيدات. وزاد من تعقيد الوضع عودة قطر إلى ما يسمى بمحور الممانعة الذي تقوده ايران.
المستوى الثالث: هناك حرب أهلية وصراع تفجر بأبعاد طائفية وعصبوية ثم آخذ شكل سلالي متصاعد في المعسكر المضاد لثورة فبراير.
بينما هناك أكثر من طرف يقاتل على الضفة الأخرى, منها من يريد أن يعود بالبلد إلى ما قبل العام 90 أي الانفصال ومنها من يقاتل في صفوف الحكومة الشرعية وهناك قطاعات شعبية واسعة لا تزال تبحث لها عن وطأة قدم.
بينما هناك أكثر من طرف يقاتل على الضفة الأخرى, منها من يريد أن يعود بالبلد إلى ما قبل العام 90 أي الانفصال ومنها من يقاتل في صفوف الحكومة الشرعية وهناك قطاعات شعبية واسعة لا تزال تبحث لها عن وطأة قدم.
تبدو الحكومة الشرعية وكأنها تؤدي دور وظيفي يخدم سياسات التحالف أكثر مما يهمه مصالح اليمنيين، فدورها يقتصر على توفير الغطاء الشرعي للتدخل الخارجي دون أن تقوم ولو بالحد الأدنى من وظيفتها. لهذا يبدو الحديث عن إصلاح وضع الحكومة حديث في الهواء.
أذن يبقى الوضع مرهونا بقدرة القطاعات الشعبية على تنظيم نفسها بعيدا عن التحالف والشرعية والتصدي باستقلالية للمهمات المطروحة.
ربما حان الوقت لشن سلسلة من الحروب المزدوجة والمنظمة والمترافقة مع ضغوط شعبية، ضد المليشيات الحوثية، ثم ضد مصالح التحالف الذي يستمر في تمزيق البلد والعبث بوحدتها وبسيادتها، وليس أخيرا ضد الجماعات المتطرفة.
ربما حان الوقت لشن سلسلة من الحروب المزدوجة والمنظمة والمترافقة مع ضغوط شعبية، ضد المليشيات الحوثية، ثم ضد مصالح التحالف الذي يستمر في تمزيق البلد والعبث بوحدتها وبسيادتها، وليس أخيرا ضد الجماعات المتطرفة.
بمعنى آخر تغيير قواعد اللعبة لصالح حلحلة الوضع وفقا لمسار التطلعات اليمنية سواء في الشمال أو في الجنوب.
هنا منبع الأمل الوحيد وهنا يجب علينا التوقف والحديث طويلا وقبل ذلك وبعده مراقبة تفتح النضالات المحلية، سواء في مناطق سيطرة الحوثي أو في المناطق التي يحاول التحالف التأسيس لمصالح خاصة به كما يحدث في المهرة بالنسبة للسعودية وفي سقطرى بالنسبة للأمارات.
ثم بناء إستراتيجية شعبية لمواجهة الجماعات المتطرفة التي تظل تضعف كل محاولة جادة للتحرك.