كثيرا ما استفادت الأنظمة القمعية والديكتاتورية من استمرار مثل هذه الصراعات.
في اليمن، استفاد صالح من تشرذم أحزاب المعارضة ومكايداتها فترة من الزمن. وعندما توحدت هذه الأحزاب في لقاء مشترك، استطاعت ان تهز أركان العرش، وكانت معارضتها قوية ومحسوبة في نظر نظامه.
كان من المفترض ان تستمر تجربة اللقاء المشترك للمعارضة بعد العام 2011م لصالح تنمية الحياة السياسية، إلا ان التباينات والمكايدات عادت لتطفو على السطح.
النتيجة والكارثة كانت أعظم. اختطفت مليشيا خارجة من سياق التاريخ اللحظة، وعززت مكانتها الحربية والعسكرية بشكل متسارع حتى أسقطت العاصمة صنعاء في قبضتها.
لم تتوقف مليشيا الحوثي عند حد معين. راحت تسقط المناطق والمحافظات واحدة تلو الأخرى في غمرة مكايدات وتواطؤ إقليمي ودولي ووسط حمى التعبئة ضد طرف سياسي مؤثر في ثورة الربيع اليمني.
كل الأطراف التي اعتقدت بأنها كانت في مأمن ومنجى من الجائحة الحوثية ، وضعت هدفا سريعا للإجراءات القمعية، وبشكل مباشر، وليس فقط كضحية لسقوط الدولة.
المفارقة المذهلة، ان الطرف المستأثر بالسلطة والثروة، تحول أيضا فجأة إلى ضحية بعد ان كانت القوى السياسية المستضعفة، رغم تكتلها في لقاء مشترك، تشكو من تسلطه لسنوات.
السقوط كان مريعا، ولم يحظ حتى بالأسف، فكانت نهاية محتومة للمكر والأحقاد المتغلغلة في مفاصله.
سلم الرئيس السابق علي عبد الله صالح خزائن الدولة العسكرية والمالية للحوثيين، ظانا بأنه قادر على إدارة اللعبة في وقت لاحق. إلا ان الأوضاع فلتت من قبضته تماما، وحين حاول استعادة ما بقي له من مكانة وهيبة، سقط صريعا بنيران المكر والخديعة في لحظة فارقة للتاريخ.
يبدو الآن من الصعوبة العودة إلى المربع الأول. العودة ليست مستحيلة تماما، لكنها مكلفة جدا.
في السعودية، هناك ما يشبه الحالة اليمنية. يبدو ولي العهد، محمد بن سلمان، مستعجلا جدا لحصد ثمرة ديكتاتوريته المبكرة. يمضي بخطوات تشبه إجراءات مليشيا الحوثي.
خطوات حثيثة ومتسارعة لخنق خصومه، بل وقتلهم بواسطة المناشير الكهربائية، مثلما حدث مع الصحفي جمال خاشقجي في اسطنبول.
كان خاشقجي صوتا ليبراليا معروفا في بلاده وقد نالته سهام النقد اللاذع من قبل رجال المؤسسة الدينية خاصة خلال ترؤسه لصحيفة الوطن.
في السعودية، هناك ما يشبه الحالة اليمنية. يبدو ولي العهد، محمد بن سلمان، مستعجلا جدا لحصد ثمرة ديكتاتوريته المبكرة. يمضي بخطوات تشبه إجراءات مليشيا الحوثي.
في الواقع، ظلت القوى المتهمة بالليبرالية في صراع مع رجال الدين المتشددين والمعتدلين منهم. هذا من جهة، وفي صراع آخر مع الناشطين في مجال حقوق الإنسان، من جهة أخرى.
نظام الحكم كان منحازا بشكل كبير إلى رجال المؤسسة الدينية النافذة. لم يستمر الحال كثيرا خصوصا خلال مراحل عانت فيها المملكة من هجمات إرهابية.
لم تكن تلك العمليات داخل السعودية فحسب، فالعمليات خارجها وخاصة في الدول الغربية، غالبا ما كانت تأتي مشفوعة بتحليلات واتهامات للمملكة بتغذية الإرهاب فكريا.
ثمة صورة ذهنية بأن السعودية أضحت فقاسة إرهاب وبيئة حاضنة للمتطرفين فكريا. وفيما يقود بن سلمان عملية انقلابية شاملة لتغيير هذه الصورة، لكن في طريقه يجرف كل خصومه.
لا فرق بين ليبرالي أو إصلاحي معتدل ومتشدد. لقد تم وضع الجميع في أقبية السجون والمعتقلات.
حانت مرحلة الحصاد: الإستفادة من المعارك الهامشية على متن وطن يمضى سريعا نحو تكريس الاستبداد والديكتاتورية في قبضته.
لا أدري ما هو شعورهم الآن. لا شك أنهم يشعرون بالأسف، مثلما نحن الآن.