يفترض أن الفكرة من هذه العملية هي إظهار أن ذلك البلد كان قد اعتنق المثُل الغربية ذات مرة، ويمكن أن يفعل ذلك مرة أخرى بمساعدة أميركا. وقد عملت خدعة ماكماستر: تخلى ترامب في نهاية المطاف عن شكوكه السابقة حول دعم المجهود الحربي هناك، وقرر رفع مستويات القوات. لكن ذلك أظهر أيضاً المحدودية المتواصلة في فهم الولايات المتحدة للبلدان التي سعت إلى إعادة تشكيلها لتكون على صورتها. كانت الصورة المذكورة تمثل نخبة كابول الحضرية -وهي نخبة لم تكن تمثيلية، حتى في ذلك الوقت، للجمهور الأفغاني الأوسع. لم تكن كل النساء الأفغانيات يتجولن بالتنانير القصيرة قبل أن يفرض نظام طالبان ارتداء البرقع.
ومع ذلك، تلتقط الصورة شيئاً أصبح مفقوداً في العقود الأخيرة -وليس فقط في أفغانستان منذ صعود طالبان، وإنما في الكثير من أنحاء العالم الإسلامي أيضاً: حرية الاختيار.
لم تكن كل امرأة أفغانية ترتدي تنورة قصيرة في السبعينيات، ولكن النساء كن يستطعن أن يفعلن ذلك بدون خوف من التعرض لهجوم بالأسيد أو للعقاب بالجَلد. وثمة من تلك الحقبة صور أخرى تصور الفرص التعليمية والمهنية المتاحة للمرأة الأفغانية. لكنها الملابس هي التي تحصل دائماً على أكبر قدر من الاهتمام. وهناك صور من المملكة العربية السعودية من الستينيات والسبعينيات، والتي يتم تداولها هي الأخرى في هذه الأيام في منطقة الشرق الأوسط، وتُظهر رجالاً ونساء بلباس البحر بجانب بركة وعلى شاطئ منتجع شهير. ويبدو معظم الذين يظهرون في هذه الصور من الأجانب -بعض من موظفي شركة للطيران أثناء عطلة في جدة. لكن السعوديين أيضاً رعوا هذه الشواطئ. وحتى لو هز البعض رؤوسهم بعدم الموافقة، فقد كان خيار الذهاب إلى الشاطئ بدون خوف من التعرض للعنف موجوداً
لم تكن كل امرأة أفغانية ترتدي تنورة قصيرة في السبعينيات، ولكن النساء كن يستطعن أن يفعلن ذلك بدون خوف من التعرض لهجوم بالأسيد أو للعقاب بالجَلد
.
بالإضافة إلى التنانير والشواطئ، كانت الستينيات والسبعينيات أيضاً زمناً للنقاشات الفكرية القوية والجريئة حول دور الدين في المجتمع. وقد احتدمت المناظرات بين اليساريين والعلمانيين، والرأسماليين، الماركسيين والإسلاميين في جميع أنحاء المنطقة، من مصر إلى باكستان. وسوف يشجب الإسلاميون المتشددون تلك العقود التي اتسمت بحضور قدر أكبر من الفكر التقدمي والثقافة المتنوعة، باعتبارها واردات غربية منحطة، والآثار المتبقية للنفوذ الاستعماري. ولكن، إذا كان البعض من تلك الممارسات محاكاة بالتأكيد، فإن الكثير منها كان أصلياً أيضاً. وكانت إحدى النسويات الأكثر شهرة في العالم العربي في أوائل القرن العشرين هي نظيرة زين الدين، من لبنان، والتي لم تكن لها أي صلة بالحركة النسوية الغربية في ذلك الوقت.
مع ذلك، أصبحت المساحة المتاحة للنقاش وحرية الاختيار تزداد ضيقاً على مدى العقود القليلة الماضية. وتقدم دولة باكستان حكاية صارخة وتحذيرية للبلدان الأخرى حول الكيفية التي يتم بها إضفاء الشرعية على التعصب. وليس الأمر أن البلد يفقد ماضيه الأكثر تنوعاً والنابض بالحيوية عندما تستولي مجموعة مثل طالبان على مقاليد السلطة بالقوة، وإنما يمكن لحدوث تآكل بطيء في الأعراف والمعايير التقدمية، وتحول بطيء في الاعتقاد، أن يكونا مدمرين بالمقدار نفسه.
في كانون الثاني (يناير) من العام 2011، قتل حاكم ولاية البنجاب، سلمان تاسير، على يد حارسه الشخصي لأنه حاول مساعدة امرأة مسيحية شابة كانت متهمة بالتجديف. وقد حكم على قاتل تاسير بالموت، ولكنه حظي باحتفال الأبطال من عشرات الآلاف من الناس الذين حضروا جنازته، وتم تشييد مسجد باسمه في إسلام أباد.
اغتيال تاسير -فضلاً عن اغتيال أول وزير اتحادي مسيحي باكستاني، شهباز بهاتي، بعد شهرين فقط من مقتل تاسير- أحدثا صدمة عند فرحناز أصفهاني، وهي صديقة لكلا الرجلين. وكانت أصفهاني، الصحفية السابقة، في ذلك الوقت عضواً في البرلمان الباكستاني وتعمل في لجنة حقوق الإنسان. ومعاً، حاولت المجموعة الصغيرة مراراً وتكراراً إثارة قضية حقوق الأقليات. وفي البرلمان، تمتعت أصفهاني بوصول إلى المعلومات أكثر من الجمهور العام، وصدمها مدى العنف اليومي ضد الأقليات -وحقيقة أن أياً من زملائها لم يكن على استعداد لمناقشة هذه القضية.
دفع اغتيال صديقيها أصفهاني إلى كتابة "تطهير أرض الطاهرين". ويتعقب الكتاب الذي نشر العام الماضي الموت البطيء لحقوق الأقليات والتعددية في باكستان، وما الذي يعنيه ذلك بالنسبة لمستقبل الديمقراطية. وكانت النتيجة سرداً شاملاً، وإنما بالغ الدقة، عن الكيفية التي تهاوت بها الأمور. وباعتبارها عضواً في أقلية هي نفسها، الطائفة الشيعة، كانت أصفهاني حريصة في كتابها على تجنب الجدل والرأي الشخصي من خلال تقديم عمل شامل وقائم على البحث المنهجي. لكنها واجهت هي وزوجها، السفير الباكستاني السابق لدى الولايات المتحدة حسين هاكاني، تهديدات بالقتل بسبب عملهما، وهما يعيشان الآن في المنفى الاختياري في واشنطن.
في كتابها، تتعقب أصفهاني مسارات التفكك التي بدأت في غضون بضع سنوات من استقلال باكستان. وكان مؤسس البلاد، محمد علي جناح -وهو علماني شيعي- قد تصور بلداً حيث "أنتم أحرار، أنتم أحرار في الذهاب إلى معابدكم الخاصة، أنتم أحرار في الذهاب إلى مساجدكم أو إلى أي مكان آخر للعبادة". لكن أصفهاني تكتب أن "إعلانه الآمل بالتعددية الدينية" ظل حبراً على ورق
بالإضافة إلى التنانير والشواطئ، كانت الستينيات والسبعينيات أيضاً زمناً للنقاشات الفكرية القوية والجريئة حول دور الدين في المجتمع. وقد احتدمت المناظرات بين اليساريين والعلمانيين، والرأسماليين، الماركسيين والإسلاميين في جميع أنحاء المنطقة، من مصر إلى باكستان. وسوف يشجب الإسلاميون المتشددون تلك العقود التي اتسمت بحضور قدر أكبر من الفكر التقدمي والثقافة المتنوعة، باعتبارها واردات غربية منحطة، والآثار المتبقية للنفوذ الاستعماري. ولكن، إذا كان البعض من تلك الممارسات محاكاة بالتأكيد، فإن الكثير منها كان أصلياً أيضاً. وكانت إحدى النسويات الأكثر شهرة في العالم العربي في أوائل القرن العشرين هي نظيرة زين الدين، من لبنان، والتي لم تكن لها أي صلة بالحركة النسوية الغربية في ذلك الوقت.
مع ذلك، أصبحت المساحة المتاحة للنقاش وحرية الاختيار تزداد ضيقاً على مدى العقود القليلة الماضية. وتقدم دولة باكستان حكاية صارخة وتحذيرية للبلدان الأخرى حول الكيفية التي يتم بها إضفاء الشرعية على التعصب. وليس الأمر أن البلد يفقد ماضيه الأكثر تنوعاً والنابض بالحيوية عندما تستولي مجموعة مثل طالبان على مقاليد السلطة بالقوة، وإنما يمكن لحدوث تآكل بطيء في الأعراف والمعايير التقدمية، وتحول بطيء في الاعتقاد، أن يكونا مدمرين بالمقدار نفسه.
في كانون الثاني (يناير) من العام 2011، قتل حاكم ولاية البنجاب، سلمان تاسير، على يد حارسه الشخصي لأنه حاول مساعدة امرأة مسيحية شابة كانت متهمة بالتجديف. وقد حكم على قاتل تاسير بالموت، ولكنه حظي باحتفال الأبطال من عشرات الآلاف من الناس الذين حضروا جنازته، وتم تشييد مسجد باسمه في إسلام أباد.
اغتيال تاسير -فضلاً عن اغتيال أول وزير اتحادي مسيحي باكستاني، شهباز بهاتي، بعد شهرين فقط من مقتل تاسير- أحدثا صدمة عند فرحناز أصفهاني، وهي صديقة لكلا الرجلين. وكانت أصفهاني، الصحفية السابقة، في ذلك الوقت عضواً في البرلمان الباكستاني وتعمل في لجنة حقوق الإنسان. ومعاً، حاولت المجموعة الصغيرة مراراً وتكراراً إثارة قضية حقوق الأقليات. وفي البرلمان، تمتعت أصفهاني بوصول إلى المعلومات أكثر من الجمهور العام، وصدمها مدى العنف اليومي ضد الأقليات -وحقيقة أن أياً من زملائها لم يكن على استعداد لمناقشة هذه القضية.
دفع اغتيال صديقيها أصفهاني إلى كتابة "تطهير أرض الطاهرين". ويتعقب الكتاب الذي نشر العام الماضي الموت البطيء لحقوق الأقليات والتعددية في باكستان، وما الذي يعنيه ذلك بالنسبة لمستقبل الديمقراطية. وكانت النتيجة سرداً شاملاً، وإنما بالغ الدقة، عن الكيفية التي تهاوت بها الأمور. وباعتبارها عضواً في أقلية هي نفسها، الطائفة الشيعة، كانت أصفهاني حريصة في كتابها على تجنب الجدل والرأي الشخصي من خلال تقديم عمل شامل وقائم على البحث المنهجي. لكنها واجهت هي وزوجها، السفير الباكستاني السابق لدى الولايات المتحدة حسين هاكاني، تهديدات بالقتل بسبب عملهما، وهما يعيشان الآن في المنفى الاختياري في واشنطن.
في كتابها، تتعقب أصفهاني مسارات التفكك التي بدأت في غضون بضع سنوات من استقلال باكستان. وكان مؤسس البلاد، محمد علي جناح -وهو علماني شيعي- قد تصور بلداً حيث "أنتم أحرار، أنتم أحرار في الذهاب إلى معابدكم الخاصة، أنتم أحرار في الذهاب إلى مساجدكم أو إلى أي مكان آخر للعبادة". لكن أصفهاني تكتب أن "إعلانه الآمل بالتعددية الدينية" ظل حبراً على ورق
أصبحت المساحة المتاحة للنقاش وحرية الاختيار تزداد ضيقاً على مدى العقود القليلة الماضية. وتقدم دولة باكستان حكاية صارخة وتحذيرية للبلدان الأخرى حول الكيفية التي يتم بها إضفاء الشرعية على التعصب
.
بدأ الاتجاه نحو جعل الإسلام عقيدة مركزية للحياة في باكستان بعد فترة وجيزة من الاستقلال في العام 1947، نتيجة لمشاعر المسلمين بأنهم ضحية للهندوس والاستعمار البريطاني في الهند على حد سواء. وبحلول العام 1973، تم إعلان الإسلام كدين للدولة في باكستان. وفي العام 1974، في عهد رئيس الوزراء بوتو، التقدمي ظاهرياً، أعلن البرلمان أن أتباع الأحمدية غير مسلمين. والأحمدية حركة إسلامية بدأت في أواخر القرن التاسع عشر، هي وتلتزم بتعاليم القرآن، لكنها تعتبر مؤسسها نبياً، وهو ما يزعج المسلمين الآخرين الذين تقوم عقيدتهم على أن محمد هو خاتم الأنبياء.
وقد وجد بوتو صعوبة في إعادة تعريف القومية الباكستانية بعيداً عن الأيديولوجية الإسلامية. ولم يتمكن، كما كتبت أصفهاني، من إدارة "التوازن الدقيق بين تطبيق الأفكار الليبرالية واسترضاء المشاعر الإسلامية".
بحلول منتصف الثمانينيات، كانت أدبيات الكراهية التي تستهدف الشيعة في تكاثر. وتم تعزيز السرد القائل إنهم ليسوا مسلمين، وهي تهمة خطيرة في دولة ذات أغلبية سنية؛ حيث يشكل الشيعة حوالي 15 في المائة من السكان. وقد أذعن الدكتاتور العسكري محمد ضياء الحق لهذا السرد وغض النظر عن الهجمات السنية المسلحة على الشيعة، مما مهد الطريق أمام حملة منهجية للقضاء على الأطباء والمهندسين والمعلمين الشيعة في كراتشي وأماكن أخرى. واليوم، ما يزال الشيعة ومساجدهم أهدافاً عادية للهجمات القاتلة؛ وقد قُتل منذ العام 2003 نحو 2.558 شيعيا في أعمال عنف طائفي.
تحدد أصفهاني أربع مراحل في مسيرة فقدان باكستان لحقوق الأقليات وتصاعد التعصب. وكانت المرحلة الأولى هي "أسلمة" المجتمع، مع نقل السكان غير المسلمين إلى خارج باكستان حول وقت الاستقلال؛ تلاها صعود الهوية الإسلامية مع فقدان شرق باكستان. ثم جاءت مرحلة أسلمة القوانين في عهد ضياء الحق في الثمانينيات، وأخيراً جاء صعود العنف المتشدد، المسلح والمنظم.
في حين أن هذا التحول لم يكن مفاجئاً ولم يحدث بين عشية وضحاها، فإن أصفهاني تحدد فترة حكم ضياء باعتبارها نقطة اللاعودة. فقد عمد الحاكم العسكري إلى أسلمة قوانين البلاد وإدخال محاكم شرعية وقوانين إسلامية جديدة تعرف بقوانين "الحدود"، والتي تطبق عقوبات صارمة مستمدة من الشريعة على جرائم محددة. وكان خلال فترته حين تم تشديد القوانين المتعلقة بالتجديف، حيث أضيف السجن مدى الحياة والإعدام كعقوبات.
لم ينج أي جانب من جوانب الثقافة في باكستان من حملة الأسلمة؛ حيث أغلقت دور السينما من كراتشي إلى بيشاور، وتم دفع الفنانين إلى تحت الأرض، وأعيد تصميم المناهج الدراسية لخلق "صورة متجانسة لباكستان كدولة إسلامية، وتعليم الطلاب النظر إلى المسلمين فقط كمواطنين باكستانيين".
وما يزال إرث ضياء قائماً، راسخاً في النظام والحياة اليومية للناس. ولم يشهد الباكستانيون الذين تقل أعمارهم عن 40 سنة أي نمط حياة آخر، في حين أن الأجيال الأكبر سناً تذكرنا بماضٍ أكثر تنوعاً -حتى بينما يُغطون أيضاً على بعض أوجه القصور التي كانت ماثلة في الماضي. ولكن، ومهما كانت الطريقة التي جاء بها، فإن تعصب باكستان المتنامي قد أثر على التنوع: بين العام 1947 واليوم، هبطت نسبة الأقليات في البلاد من 25 في المائة من السكان إلى 3 في المائة فحسب.
تقول أصفهاني: "الأمر يتعلق بالتعددية التي يمكن أن تتحقق فقط عندما يكون هناك متسع لأنواع كثيرة من الناس. لا يمكن أن تكون لديك دولة تعددية وديمقراطية عندما تؤمن بنقاء دينك وحده".
كانت الصورة التي أظهرها ماكماستر لترامب تذكيراً جيداً بما كان حاضراً ذات مرة، لكنها لا توفر استراتيجية لاستعادة التعددية التي كانت ذات مرة جزءاً مقبولاً من الحياة في باكستان أو بلدان إسلامية أخرى، مثل أفغانستان أو العراق أو مصر. ويجيء كتاب أصفهاني ليكون بمثابة تذكير بأن شيئاً أكثر عمقاً بكثير من التنانير القصيرة قد فُقِد في هذه البلدان. وتشكل سياسات مكافحة الإرهاب في واشنطن، التي تساعد على كبح جماعات مثل طالبان، بداية جيدة، لكنها غالباً ما تفشل في المضي قدماً نحو استعادة المعايير والأعراف الأساسية، مثل احترام التنوع. وسوف يعتمد ذلك في نهاية المطاف على جهود السكان المحليين أنفسهم.
ربما تتمكن هذه الجهود من الاستفادة من قوة الحنين إلى الماضي. وعندما يقلِّب الناس في باكستان أو مصر أو أفغانستان ألبومات صور آبائهم وأجدادهم ويتساءلون عما حدث لبلدانهم، فإنهم سيرون التنانير أو الشقوق في الفساتين -لكنهم سيرغبون استعادة ذلك التنوع وحرية الاختيار.
بدأ الاتجاه نحو جعل الإسلام عقيدة مركزية للحياة في باكستان بعد فترة وجيزة من الاستقلال في العام 1947، نتيجة لمشاعر المسلمين بأنهم ضحية للهندوس والاستعمار البريطاني في الهند على حد سواء. وبحلول العام 1973، تم إعلان الإسلام كدين للدولة في باكستان. وفي العام 1974، في عهد رئيس الوزراء بوتو، التقدمي ظاهرياً، أعلن البرلمان أن أتباع الأحمدية غير مسلمين. والأحمدية حركة إسلامية بدأت في أواخر القرن التاسع عشر، هي وتلتزم بتعاليم القرآن، لكنها تعتبر مؤسسها نبياً، وهو ما يزعج المسلمين الآخرين الذين تقوم عقيدتهم على أن محمد هو خاتم الأنبياء.
وقد وجد بوتو صعوبة في إعادة تعريف القومية الباكستانية بعيداً عن الأيديولوجية الإسلامية. ولم يتمكن، كما كتبت أصفهاني، من إدارة "التوازن الدقيق بين تطبيق الأفكار الليبرالية واسترضاء المشاعر الإسلامية".
بحلول منتصف الثمانينيات، كانت أدبيات الكراهية التي تستهدف الشيعة في تكاثر. وتم تعزيز السرد القائل إنهم ليسوا مسلمين، وهي تهمة خطيرة في دولة ذات أغلبية سنية؛ حيث يشكل الشيعة حوالي 15 في المائة من السكان. وقد أذعن الدكتاتور العسكري محمد ضياء الحق لهذا السرد وغض النظر عن الهجمات السنية المسلحة على الشيعة، مما مهد الطريق أمام حملة منهجية للقضاء على الأطباء والمهندسين والمعلمين الشيعة في كراتشي وأماكن أخرى. واليوم، ما يزال الشيعة ومساجدهم أهدافاً عادية للهجمات القاتلة؛ وقد قُتل منذ العام 2003 نحو 2.558 شيعيا في أعمال عنف طائفي.
تحدد أصفهاني أربع مراحل في مسيرة فقدان باكستان لحقوق الأقليات وتصاعد التعصب. وكانت المرحلة الأولى هي "أسلمة" المجتمع، مع نقل السكان غير المسلمين إلى خارج باكستان حول وقت الاستقلال؛ تلاها صعود الهوية الإسلامية مع فقدان شرق باكستان. ثم جاءت مرحلة أسلمة القوانين في عهد ضياء الحق في الثمانينيات، وأخيراً جاء صعود العنف المتشدد، المسلح والمنظم.
في حين أن هذا التحول لم يكن مفاجئاً ولم يحدث بين عشية وضحاها، فإن أصفهاني تحدد فترة حكم ضياء باعتبارها نقطة اللاعودة. فقد عمد الحاكم العسكري إلى أسلمة قوانين البلاد وإدخال محاكم شرعية وقوانين إسلامية جديدة تعرف بقوانين "الحدود"، والتي تطبق عقوبات صارمة مستمدة من الشريعة على جرائم محددة. وكان خلال فترته حين تم تشديد القوانين المتعلقة بالتجديف، حيث أضيف السجن مدى الحياة والإعدام كعقوبات.
لم ينج أي جانب من جوانب الثقافة في باكستان من حملة الأسلمة؛ حيث أغلقت دور السينما من كراتشي إلى بيشاور، وتم دفع الفنانين إلى تحت الأرض، وأعيد تصميم المناهج الدراسية لخلق "صورة متجانسة لباكستان كدولة إسلامية، وتعليم الطلاب النظر إلى المسلمين فقط كمواطنين باكستانيين".
وما يزال إرث ضياء قائماً، راسخاً في النظام والحياة اليومية للناس. ولم يشهد الباكستانيون الذين تقل أعمارهم عن 40 سنة أي نمط حياة آخر، في حين أن الأجيال الأكبر سناً تذكرنا بماضٍ أكثر تنوعاً -حتى بينما يُغطون أيضاً على بعض أوجه القصور التي كانت ماثلة في الماضي. ولكن، ومهما كانت الطريقة التي جاء بها، فإن تعصب باكستان المتنامي قد أثر على التنوع: بين العام 1947 واليوم، هبطت نسبة الأقليات في البلاد من 25 في المائة من السكان إلى 3 في المائة فحسب.
تقول أصفهاني: "الأمر يتعلق بالتعددية التي يمكن أن تتحقق فقط عندما يكون هناك متسع لأنواع كثيرة من الناس. لا يمكن أن تكون لديك دولة تعددية وديمقراطية عندما تؤمن بنقاء دينك وحده".
كانت الصورة التي أظهرها ماكماستر لترامب تذكيراً جيداً بما كان حاضراً ذات مرة، لكنها لا توفر استراتيجية لاستعادة التعددية التي كانت ذات مرة جزءاً مقبولاً من الحياة في باكستان أو بلدان إسلامية أخرى، مثل أفغانستان أو العراق أو مصر. ويجيء كتاب أصفهاني ليكون بمثابة تذكير بأن شيئاً أكثر عمقاً بكثير من التنانير القصيرة قد فُقِد في هذه البلدان. وتشكل سياسات مكافحة الإرهاب في واشنطن، التي تساعد على كبح جماعات مثل طالبان، بداية جيدة، لكنها غالباً ما تفشل في المضي قدماً نحو استعادة المعايير والأعراف الأساسية، مثل احترام التنوع. وسوف يعتمد ذلك في نهاية المطاف على جهود السكان المحليين أنفسهم.
ربما تتمكن هذه الجهود من الاستفادة من قوة الحنين إلى الماضي. وعندما يقلِّب الناس في باكستان أو مصر أو أفغانستان ألبومات صور آبائهم وأجدادهم ويتساءلون عما حدث لبلدانهم، فإنهم سيرون التنانير أو الشقوق في الفساتين -لكنهم سيرغبون استعادة ذلك التنوع وحرية الاختيار.