أكثر ما قد يذهل الشخص الذي يحمل عبق الماضي ودقة وتصميم الحاضر ومستوى التذوق للجمال والأناقة معاً، هي تلك الأشكال البديعة من الحلي والمجوهرات اليمنية، والتي تتحين فرص إدهاشك منذ الوهلة الأولى لرؤيتها، في أحد أزقة صنعاء القديمة.
"لم تكن هناك امرأة تتزوج من دون أن يقدموا مهرها كمية من الفضة، كنا لا نعرف شيئا اسمه الذهب، كنا لا نعرفه إلا عند الهنود الذين يسكنون عدن الجنوبية آنذاك، ولم يكن يروق لنا"، هكذا تروي لنا الحاجة صفية عقلان، البالغة من العمر 90 عاما.
وتقول إن ذلك تغير في الوقت الحالي، وأصبحت المرأة تبحث عن أشياء أخرى، وأصبح الزواج مكلفاً وباهظاً جدا. لا تزال تتذكر صفية كيف كانت تتعامل بعملة (الفرانص)، وكيف كان يجلب اليهود إليهم الفضة ويسكنون معهم.
وحتى فترة قريبة كان مهر النساء في اليمن من الحلي الفضية وعرفت حرفة الحلي والإكسسوارات الخاصة بالمرأة من أيام ملكة اليمن (بلقيس)، حيث كانت من أكثر ملكات العالم اهتماماً بالحلي والمجوهرات والأحجار الكريمة، والأهم في الأمر، أنها أيضا وصية السيدة أروى بنت أحمد الصليحي، والتي يذكر التاريخ تفصيلا حجم الحلي التي كانت تمتلكها مع وصف دقيق لكل قطعة.
جمال نادر:
لميس الرقيحي، 23عاما، واحدة من الفتيات اليمنيات، تسكن في قلب أحياء صنعاء القديمة، حيث يتواجد هناك بائعو الحلي اليمنية، وتفيد بأن المرأة كانت لا تترك مكاناً في جسمها إلا وتزينه، ابتداءً من رأسها وذراعيها ورقبتها وصدرها، حتى خصرها وقدميها.
فهناك الأساور (البليزقات)، وأخراص الأذن (المشاقر)، والقلائد (المخانق والدقق)، التي تلبسها المرأة حول عنقها، والثائم الفضية والحروز والعصبة والشميلات (الحداود)، والحجول وعقد الكهرب والجدايل وأحزمة الفضة والكروك والخلاخل والحلية (السكين)، كل تلك تظهر دقة وروعة التصميم والتشكيل والزخرفة التي يقوم بها حرفيو هذه المهنة.
منذ الحضارات اليمنية القديمة، تبوأت الحلي مكانة عظيمة، كرمز من رموز القوة والعظمة والثراء، من حضارة سبأ وحمير وقتبان وأوسان وحضرموت، وهذا ما أثبتته الحفريات الأثرية والعلمية، حيث وجدت مشغولات فضية تعود إلى عصر الحضارات القديمة، إذ احتلت اليمن مكانة عظيمة عن طريق هذه المشغولات، إضافة إلى الحرير والفضة والبخور والأحجار الكريمة، وكانت مصدرها التجاري، حيث كان يتم تصديرها إلى مختلف أرجاء العالم.
ركود وإهمال:
ما أن تدوس قدماك مدينة صنعاء القديمة، حتى تشاهد فيها العديد من محلات المجوهرات والفضة والحلي، وترى المرأة اليمنية تتنقل من محل الى آخر، بحثا عما هو جميل ويعبر عنها بالدرجة الأولى ويعبر عن ثقافتها وحضارة بلدتها وهويتها التي تحرص على عدم التخلي عنها.
عندما تكون في أزقة المدينة المعمورة بعبق التاريخ، يصعب عليك الخروج منها من دون أن تزور أيضا (سوق الملح)، لتعيش متعة التسوق الحقيقي، وكم تكون سعادتك عندما تقتني خاتم فضة مفصصا بمادة العقيق اليماني ذي الصيت الذائع.
يستخدم ما يناهز خمسة آلاف حرفي في صنعاء القديمة الفضة، والعقيق اليمني والنحاس وغيرها من الخامات في منتجاتهم. كما يعتمد صناع الحلي على السائحين الذين يزورون المواقع الأثرية في صنعاء القديمة، لترويجها أكثر، لكن الاضطرابات التي شهدها اليمن أدت إلى توقف حركة السياحة، الأمر الذي أثر سلبا في مبيعات المنتجات التقليدية بصفة عامة.
كل هذه الأنواع من الحلي تبدو أقرب إلى التلاشي مع وضع البلد الحالي، والذي أصبح طاردا لكل فرص الاستثمار والفسحة، ويبدو ذلك واضحا من حديث الشابة أنسام طه، والتي قالت إنها تشعر بغصة شديده وهي تشاهد الأجانب وأصحاب الجنسيات المختلفة، يخرجون من بلدها ويغادرونه بسبب الأوضاع الأمنية التي يعانيها اليمن وتتنهد قائله: "نحن لا نستحق ما يجري، لأننا لم نكن نصنع العنف والخوف يوما، نحن فقط صنعنا الجمال بأيدينا وصدرناه للعالم ولم نكن نهين أو نبخل على من زارنا".