وبحسب ما تشير إليه هذه الوقائع فإن الإنتهازية السياسية لعبت دوراً في تجيير وظيفة الدولة وإمكانياتها وإرادتها لصالح هذا الإنقلاب، على وقع الضغط الهائل الذي مارسته دول الإقليم والقوى الدولية النافذة الأمر الذي وفر غطاء مفتوحاً للانقلابيين تجلى أكثر ما تجلى في الحياد المراوغ للمؤسستين العسكرية والأمنية.
الـ 21 من سبتمبر، المحطة الأكثرُ سواداً في تاريخ اليمن.. في هذا التاريخ استجمعت قوى الثورةِ المضادة الداخلية والخارجية كل إمكانياتها لنسف مكتسبات التغيير التي حملها شباب ثورة الحادي عشر من فبراير المجيدة فوق هاماتهم وعلى أجسادهم التي مزقتها الرصاص خلال العشرات من المسيرات السلمية في العاصمة ومدن البلاد.
اجتمع طرفا الانقلاب، الحوثيون والمؤتمر الشعبي العام بقيادة علي عبد الله صالح، في ذلك التاريخ من عام ألفين وأربعة عشر لأول ولآخر مرة لينجزوا الانحراف الأكثر دموية في مسار التاريخ اليمني المعاصر.
انجز الطرفان مهمتهما بنصف نجاح، ثم تفرقا بعد ثلاثة أعوام عجاف من الحرب كانت المواجهة بينهما إحدى الحلقات المميتة لهذه الحرب والتي كتبت النهاية السوداء المناسبة لأحد أبرز زعماء هذا الانقلاب.
خلال الثلاثة الأعوام الأولى من عمر التغيير، كان العالم يشهد بكفاءة اليمنيين وبإنجازهم السياسي الفريد في الانتقال السلمي ضمن بيئة ملغمة بالتناقضات ومتخمة بالسلاح، وبقي هذا الأمر على حاله إلى أن بدأت غرفة العمليات الإقليمية مهمتها بدء من مصر فليبيا ثم اليمن، وقبل أن يغير العالم الغربي قناعاته مدفوعاً بمخاوف استقلال شعوب المنطقة عبر ديمقراطية تضمن استعادة هويتها واستقلاليتها السياسية والاقتصادية.
احتل شعار حيادية القوات المسلحة في مواجهة التقدم المسلح للحوثيين وحلف الانقلاب العسكري والحزبي والقبلي، المساحة الأبرز في مواقف السلطة السياسية التي كانت توزع أدوارها بين تسهيل لمهمة الحوثيين ولعب دور الحكم بينهم وبين خصومهم، عبر ما عرفت باللجان الرئاسية.
لم يكن ذلك سوى إحدى التجليات الواضحة للإملاءات الإقليمية ولتأثير المال السياسي الذي تدفق من الدول المناهضة للربيع العربي، ليحدث المعجزة التي انتظرتها هذه الدول بفارغ الصبر.
تقدم الحوثيون بدء من دماج بعد أن نفذوا فيها أول عملية تهجير قسرية شاملة لسكان بلدة بأكملها، وواصلوا حروبهم باتجاه صنعاء مروراً بحاشد وعمران، مستخدمين أسلحة الدولة وإمكانيات الجيش وخبراته القتالية، ودخلوا صنعاء دخولاً استعراضياً انفتحت لهم معه كل الأبواب المغلقة، وصُمم لهم اتفاقٌ ممهور بتوقيع رئيس الجمهورية وقادة الأحزاب ليكون الغطاء القانوني لانقلاب مكتمل الأركان، وليكون كذلك مفتاح صنعاء الذي قُدم لميلشيا مسلحة وطائفية على طبق من ذهب.
كانت المؤامرة هي مقدمة انقلاب 21 سبتمبر أما نتائجه فقد كشفت حجم التورط الإقليمي في هذه المؤامرة، والثمن المهول الذي يدفع اليوم لاحتواء تداعيات السطو المسلح على الدولة اليمنية، والذي تحول إلى نجاح غير متوقع لإيران في مقابل الحسابات الكارثة لجيران اليمن والتي لا تزال على حالها حتى اللحظة.