وبحسب ملاك شركات أدوية وأطباء وصيادلة فإن التقديرات الأولية تشير إلى أن نحو 50% من المواطنين غير قادرين على شراء الأدوية بشكل كلي، و25% غير قادرين على شراء نصف الأدوية و20% قدراتهم تسمح بشراء أكثر من النصف، ونسبة 5% فقط قادرون على الشراء الكلي.
وتسبب انهيار الريال اليمني خلال الأسابيع الأخيرة في تضاعف معاناة المرضى، لاسيما بعد أن تجاوز مطلع سبتمبر/أيلول الجاري 620 ريالا للدولار قبل أن يتحسن قليلا خلال الأسبوع الماضي إلى نحو 575 ريالا للدولار.
نبيل القباطي، أحد سكان تعز جنوب غرب اليمن، والمصاب بالسكري والقلب، قال :" أحناج شهرياً إلى نحو 40 ألف ريال (69 دولارا) لشراء العلاج، وقد تضاعفت الأسعار خلال السنوات الثلاث الأخيرة، ولا أستطيع إيقاف العلاج، بينما تراكمت لدي الديون ولم أعد أجد حتى مالا لإطعام أسرتي".
وخلال سنوات ما قبل الحرب كانت هناك أدوية توزع مجاناً مثل الأنسولين لمرضى السكري، وكذلك علاجات الضغط وأمراض الدم الوراثي وعقاقير السرطان والفشل الكلوي، ولكنه تم لاحقا إيقاف منحها للمرضى.
ووفق مصادر في وزارة الصحة التابعة للحكومة الشرعية في عدن (جنوب)، فإن هناك أكثر من نصف مليون مصاب بداء السكري في محافظتي صنعاء والأمانة، اللتين يسيطر عليهما الحوثيون، لم يعد بمقدورهم الحصول على العلاجات المجانية.
وقال الطبيب الصيدلي، يونس عبدالله، من محافظة تعز إن أسعار الأدوية الأساسية الخاصة بالأمراض المزمنة كأدوية السكري والقلب والضغط والسرطان والفشل الكلوي ارتفعت خلال الأشهر الأخيرة بنسبة 100% إضافة إلى أنها كانت مرتفعة في السابق.
وأضاف: "الأدوية الخاصة بأمراض الضغط ارتفعت بشكل جنوني، فدواء زيستريل 5 كان سعره ألفي ريال واليوم بخمسة آلاف ريال، والألبومين وهو للحالات الطارئة ومن العلاجات المهمة قفز من 9 آلاف ريال إلى 20 ألف ريال".
وأصبحت حياة زارعي الكلى مهددة بالموت نتيجة عجزهم عن شراء الأدوية التي يجب أن ترافقهم مدى الحياة، وهي من ضمن مجموعة أدوية كانت تصرفها الحكومة مجاناً بشكل شهري، لكنها انقطعت منذ اندلاع الحرب، ويقوم المرضى بشرائها من الصيدليات على حسابهم.
وقال الطبيب الصيدلي ياسر محمد من صنعاء، إن أدوية أمراض الفشل الكلوي معدومة في السوق ولا تتوفر بشكل مستمر، وإن علبة (السيلسبت) وهو مثبط مناعة يتعاطاه زارع الكلى بشكل يومي مدى الحياة، يبلغ سعرها 30 ألف ريال (50 دولارا) حاليا، ويحتاج المريض من علبتين إلى ثلاث من هذا الدواء شهريا.
واضطر الكثير من مرضى الكلى إلى شراء بعض العلاجات من الدول التي تدعم الدواء ويباع فيها بسعر أقل، ولكن تواجههم مشكلة أخرى وهي صعوبة إيصال الأدوية في ظل إغلاق المطارات وشركات الإرسال وإذا توفر أحد المسافرين فإنه يتخوف من اصطحاب العلاجات في المطارات.
الباحث الاقتصادي نبيل عبد الواسع إن أغلب الأدوية التي تباع في السوق ليست ذات الماركات العالمية المعتمدة التي تحمل مواصفات وجودة عالية، ولكن غالبيتها أدوية مهربة ومقلدة، ويجري استيرادها منذ ما قبل الحرب اليمنية وتضاعف ذلك منذ ثلاثة أعوام، وبعضها تباع وهي منتهية الصلاحية.
وأفادت مصادر خاصة في وزارة الصحة التابعة للحكومة الشرعية، بأن هناك أكثر من 500 شركة دواء في اليمن أغلبها تم إدخالها خلال الأعوام الأخيرة من بنغلادش وباكستان والهند، لافتة إلى أن كل شركة لديها أصناف متعددة، والكثير منها لا تعترف بها الجهات المختصة بالدواء كمنظمة الغذاء والدواء الأميركية وغيرها.
وازدهرت شركات الكثير من تجار الأدوية في صنعاء وبعض المدن خلال الأعوام الأخيرة، خصوصاً تلك التي تعمل في مجال التهريب في ظل تراجع الاستيراد نتيجة إغلاق مطار صنعاء، وتحولت طريقة نقل الأدوية عبر الشحن البحري وتأخذ وقتا أطول ويتسبب ذلك في انعدام الأدوية في السوق، كما يؤدي إلى احتكار العلاجات المتوفرة لدى التجار الآخرين وبيعها بأضعاف سعرها الرسمي.
وبحسب فاعلين في قطاع الصيدلة، فإن نسبة التهريب تضاعفت خلال السنوات الأخيرة. وتشير تقديرات إلى أن ما نسبته 70% من الأدوية المتوفرة في السوق اليمنية مهربة حتى أصبحت الكثير من الصيدليات في صنعاء وبعض المدن تبيع الأدوية المقلدة والمهربة بشكل علني، ووجد المواطنون في هذا الأمر بديلا لهم خصوصا مع إصرار وكلاء الدواء باليمن على فرض أسعار باهظة.
وانعكست نتائج الأدوية المهربة بشكل سلبي، حيث قال أطباء إنهم يكتشوف بمرور الوقت أن الكثير من الحالات لا تستفيد من العلاج، وهناك من تضاعفت أمراضهم بكشل أكبر.
ونتيجة لعدم فعالية الأدوية المهربة وارتفاع أسعارها، اضطر الكثير من اليمنيين إلى التداوي بالأعشاب كبديل أمامهم. ويشير تقرير حديث صادر عن الهيئة اليمنية للأدوية والمستلزمات الطبية، إلى أن اليمنيين ينفقون على الأدوية المصنعة محلياً والمستوردة من خمسين بلداً عربياً وأجنبياً نحو 117 مليون دولار سنوياً.
ويزداد القلق لدى الكثير من اليمنيين من توقف إمدادات الغذاء والدواء عبر ميناء الحديدة المطل على البحر الأحمر على خلفية المعارك التي تدور هناك بين القوات الحكومية المدعومة من التحالف الذي تقوده السعودية من جهة، وجماعة الحوثيين من جهةٍ أخرى، وفق ما أكده نشطاء محليون.
ومنذ اندلاع الصراع يدفع المواطنون ثمنا باهظاً. وبحسب تقرير مؤشرات الاقتصاد الصادر عن مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي في اليمن، فإن نسبة الفقر قفزت خلال العام الماضي 2017 إلى 85% من إجمالي عدد السكان البالغ 27 مليون نسمة، مشيرا إلى أن أكثر من 20 مليونا يحتاجون إلى مساعدات إنسانية، بينهم أكثر من تسعة ملايين نسمة مهددون بخطر المجاعة.
العربي الجديد