خلال عشرات السنوات الماضية ساهم مئات الآلاف من اليمنيين في بناء المملكة العربية السعودية، هم أصحاب المهن والحرفيون وحتى رجال الأعمال وأصحاب المتاجر الوطنية، طوال عشرات السنوات كانت اليمن مخزون السعودية من العُمال واليوم تريد المملكة طرد عائلاتهم وأسرهم مع رفع الرسوم وتزايد القوانين الدافعة إلى طردهم.
صهيب المخلافي ليس الوحيد فهو نموذجا لعشرات الآلاف المغتربين اليمنيين مضطرون للمغادرة، ويقوم هذا “التحقيق الاستقصائي” بإعطاء جزء من معاناتهم ، حيث وقالوا بأنهم غادروا السعودية وخاطروا بإرجاع أسرهم ومرافقيهم الى اليمن ودول أخرى أقل تكلفة عليهم من المملكة التي صدمتهم بقرار دفع الرسوم الإجبارية وكأنه قرار ترحيل جماعي بطريقة غير مباشرة بحسب حديثهم.
وحسب مصدر دبلوماسي، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، فإن 27 ألف أسرة يمنية اضطرت للمغادرة إما إلى البلاد التي تعيش حرباً أهلية تقودها السعودية نفسها أو إلى بلدان أخرى والهجرة إلى أوروبا، وميسوري الحال وصلوا إلى تركيا.
ويبلغ عدد اليمنيين العاملين اليمنيين في السعودية، نحو 1.2 مليون، وتمثل تحويلاتهم المالية أهم مورد اقتصادي في ظل الحرب، بعد توقف إنتاج وتصدير النفط.
رسوم تعجيزية
يقول المغترب أحمد عبد الله الجعفري وهو أب لخمس أبناء بأنه يشعر بالعجز والحيرة منذ أن صدر قرار دفع الرسوم بداية شهر يوليو من العام الحالي.
ويضيف الجعفري في حديث “لليمن نت”: نحن سبعة أشخاص في الأسرة وبموجب القرار يتوجب دفع مبلغ 100 ريال سعودي عن كل مرافق وعددهم ستة (الأبناء والزوجة) حتى نهاية العام الحالي وأما خلال 2018 ستتضاعف الرسوم إلى 200 ريال عن كل فرد مرافق أي بما يعادل1200 شهريا وأما انا بمفردي سأقوم بدفع أيضا 400 ريال شهريا منذ بداية 2018 ليصبح المبلغ الإجمالي الذي سأدفعه مع اسرتي خلال العام القادم 19200 ريال سعودي أي بما يعادل 1600 شهريا.
هذا بالنسبة للعام 2018 اما إذا أرد الجعفري الاستمرار والبقاء مع عائلته في المملكة فيقول ان الرسوم ستتضاعف عليه وستصبح في العام 2019 (300 عن كل مرافق و600 عليه هو الأب) أي ما يعادل 28800 ريال خلال عام 2019.
وهكذا تتضاعف الرسوم باستمرار بزيادة 100 ريال على المرافق وم200 ريال عن العامل المقيم رسميا في المملكة ناهيك عن مصاريف تجديد الاقامة يقول الجعفري والتزامات السكن هناك وبقية المصروفات كالمدارس وغيرها.
الهجرة إلى المجهول
وتمثل العودة إلى اليمن أحدى أبرز الخيارات المطروحة بالرغم من أن البلاد تعيش حرباً أهلية طاحنة وتقف السعودية في طرف الحكومة المعترف بها دولياً.
وقال مصدر في منفذ الوديعة-المنفذ الوحيد المتبقي لليمن مع السعودية مشترطاً عدم ذكر هويته، إن عدد العائلات التي عادت إلى اليمن منذ يوليو/تموز الماضي أكثر من 22 ألف أسرة (قرابة 100 ألف يمني).
فيما كشف مصدر دبلوماسي في السفارة اليمنية بالرياض شريطة عدم كشف هويته، أن أكثر من 27 ألف عائلة غادرت السعودية وتوزعت على أربع وجهات، حيث عادت أكثر من 17 ألف أسرة متوسط دخلها المادي ضعيف عبر المنافذ البرية إلى اليمن، وهناك عائلات متوسطة الدخل أيضا غادرت إلى السودان للاستقرار هناك فيما غادرت أيضا الأسر الجيدة الدخل المادي إلى ماليزيا وتركيا، وهذه الدول الثلاث تستقبل اليمنيين دون إجراءات لجوء معقده.
والخيار المطروح بعد العودة إلى اليمن كانت تركيا، الدولة التي ما زالت تفتح حدودها لليمنيين، وكشف مصدر مسؤول في الجالية اليمنية بتركيا لـ”اليمن نت” شريطة عدم كشف هويته أن: 12 ألف أسرة في السعودية تقوم بمعاملات الانتقال إلى تركيا هربا من الرسوم حيث ينتظرون جميعهم تأشيرات الدخول من المكاتب السياحية التي قدموا عبرها بياناتهم منذ إعلان قرار الرسوم وهو الأمر الذي عقد من مسالة استخراج التأشيرة لليمنين بشكل عام هناك من السفارة التركية لدى اليمن بالرياض وفي مكتب القنصلية التركية بمدينة جدة.
وكشف أن السفارة التركية بالرياض منحت حتى الآن 1200 عائلة تأشيرة الدخول حتى الان فقط وتشترط على المقيم الذي يريد تأشيرة ألا يقل راتبه عن 15 ألف ريال سعودي.
كيف يعيش المغتربون؟
ولمعرفة كيف يعيش هؤلاء اليمنيون حاليا في هذه الدول التقينا المغترب اليمني أحمد الهجري في إسطنبول، يقول أحمد بأنه لا يدري ما الذي ستحمله الأقدار لعائلته التي غادرت المملكة هربا من قرارات دفع الرسوم وكيف سيتمكن من توزيع راتبه 400 ريال سعودي بين التزاماته لبقية عائلته في اليمن وأيضا أسرته بتركيا ومصروفاته هو في السعودية.
بينما كان يتحدث إلينا الهجري لفت انتباهنا إصرار طفله الصغير ” أكرم” ذو الستة أعوام وهو يحاول فهم اللغة التركية ويسأله والده عن معنى كلمة “الماء” بالتركية، يواصل الأب حديثه بان هذه النقطة “اللغة” تحديدا تعتبر معاناة إضافية فبعد حصوله على شقة سكنية إيجارها شهريا ب 400 دولار يقوم هذه الأيام بالترتيب لأولاده في المدارس التركية ثم العودة إلى السعودية لمواصلة عمله هناك حيث قال بأنه من الصعب جدا الحصول على عمل في مدينة إسطنبول.
وقال مهاجرون يمنيون غادروا الرياض إلى ماليزيا، انهم يعيشون هناك في حالة شتات أكبر ولا يدرون كيف قذفت بهم رياح الدهر والأيام من وطنهم ثم إلى دول المهجر وجعلتهم عاجزين عن العودة للعيش في وضع طبيعي داخل وطنهم الأم بعز نفس وحرية وكرامة.
أما الذين عادوا إلى اليمن فهم أيضا يخاطرون بأسرهم للعيش في المحافظات التي تشهد صراعا محتدما كل يوم وهو ما يجعل حياتهم أكثر عرضة للخطر، خصوصا وان هناك مئات الأسر التي تعودت الحياة في السعودية وابنائها منذ عقود يعيشون وفقا لنمط الحياة التي ألفوها.
وفي حالات أخرى يستمر اليمنيون بالهجرة إلى أوروبا، وحسب مصادر فإن هناك 50 شابا يمنيا والذين كانوا يحملون الإقامة النظامية اضطروا لمغادرة السعودية إلى تركيا ثم الانتقال بمساعدة مهربين عبر زوارق بحرية إلى دول أوروبا هي الحلقة الأكثر رعباً في المشهد إجمالا وهو الامر الذي يجعل المغترب اليمني الشاب مصطفى غانم يتخوف من القادم المجهول الذي قد يصادفه بعد ان ودع أصدقائه الخمسين وكان يعمل معهم سويا منذ سنوات في أحد المطاعم اليمنية الكبيرة بالمملكة.
هوية زائر
الحال نفسه أيضا بالنسبة للمغتربين اليمنيين الذين يحملون هوية زائر ويقومون خلال الوقت الحالي بعمل اقامات نظامية لهم وفق القرار الأخير، الأمر الذي جعل هشام الذماري يستلف أكثر من 6 الاف ريال سعودي من أجل تسديد رسوم الإقامة فقط ودفعها مقدما غير مبالغ دفع الرسوم الشهرية للعام القادم والتي يجب عليه أن يسددها دفعة واحدة وقد تصل الى أكثر من 7200 ريال سعودي.
تواصل مُعد التحقيق مع الكثير من المغتربين اليمنين لتوثيق شهادات مصورة “فيديو” عن وضعهم وكشف مخاوفهم ولكنهم جميعا اعتذروا وقالوا بأنهم قلقون على ويخافون من التعرض للأذى حيث كشف لنا المغترب (م.س.ص)، رفض الكشف عن هويته خشية الانتقام، عن تعرضه للتوقيف ثلاث مرات من قبل الشرطة والجوازات في مدينة جدة وتم تهديده بالترحيل إذا عاود الكتابة على مواقع التواصل الاجتماعي او انتقاد القرارات.
المغترب والناشط اليمني جلال الصلاحي يعرف الكثير من التفاصيل عن المغتربين اليمنيين أيضا تحدث لليمن نت حول أوضاع المغتربين في المملكة.
مدارس المملكة مغلقة في وجه اليمنيين
لا تقتصر معاناة اليمنيين عند دفع الرسوم فحسب ولكن هناك أيضا مشكلة أخرى تواجهها المئات من الأسر اليمنية التي غادرت اليمن ودخلت السعودية مع أولادها بهوية زيارة حكومية خلال فترة الحرب، وتفاجؤوا قبل أيام بقرار جديد يمنع أولادهم من التسجيل في المدارس.
حصلنا على الوثائق الخاصة بالقرار والذي ينص على إيقاف تسجيل أي طالب يمني قدم الى المملكة بفيزة زائر وذلك بناء على تعمم من وزير التعليم السعودي.
جهود حكومية محدودة
السفير اليمني لدى المملكة العربية السعودية “شائع محسن” علق على القضية عبر الهاتف بالقول إنهم “يحاولون على مستوى كل الجهات ومعهم وزارة الخارجية اليمنية والمغتربين بالوصول الى مركز القرار السعودي وعمل استثناء لليمنين من تلك الرسوم المفروضة عليهم نظرا لوضع البلد الاستثنائي”.
وقال السفير ردا على سؤال ان كان هناك تجاوب واضح من قبل السلطات السعودية بأن الحديث عن هذا الأمر سابقا لأوانه وأنهم يحاولون بذل قصارى جهدهم وفق القنوات الدبلوماسية الممكنة لكون القرارات شاملة على الجميع.
حاولنا بالمقابل التواصل مع المتحدث باسم الجوازات السعودية الرائد طلال الشلهوب لمعرفة ما إن كان هناك نية فعلية لدى السعودية لتقدير وضع المغتربين اليمنين في المملكة وأيضا داخل اليمن التي تشهد حربا مستمرة تشارك فيها السعودية ولكنه تهرب من الرد واكتفى بالقول إن تلك قرارات عليا ملزمة على الجميع وإذا كان هناك سؤال فيجب توجيهه إلى الحكومة اليمنية الشرعية والاكتفاء بردها.
السعودية تكافئ المغترب اليمني؟
من جهته يرى رئيس مركز الدراسات والاعلام الاقتصادي مصطفي نصر بأن القرارات التي اتخذتها المملكة العربية السعودية بشأن رسوم الاقامة للمرافقين سيكون لها اثار سلبية على المغترب اليمني كونها ستضاعف الاعباء على المغتربين اليمنيين الذين يواجهون ضغوط كبيرة جراء اعالتهم لأكثر من اسره بسبب الحرب في اليمن.
وقد فند مصطفى نصر القضية بالقول بانه من الناحية الاقتصادية هناك جوانب سلبية سيتضرر منها المغتربين اليمنيين والاقتصاد اليمني وهناك جوانب ايجابية لمثل هذه القرارات.
أعباء ثقيلة على المغترب
يرى نصر بأن الجوانب السلبية تتمثل في زيادة الاعباء على المغتربين اليمنيين لاسيما وان غالبيتهم من العمالة البسيطة وبمرتبات متدنية وبالتالي فإن فرض مثل هذه الرسوم الكبيرة سيضاعف من انفاقهم الشهري وسينعكس سلبا على حجم التحويلات الي اسرهم الكبيرة في اليمن. ايضا سيؤثر على الاقتصاد اليمني ككل حيث سيؤدي الي تراجع حجم التحويلات الخارجية الي اليمن، كما ان دفع الرسوم الاضافية على المرافقين من الاسرة سيأتي على حساب انفاقهم على تعليم اطفالهم وتوفير الخدمات لهم.
يضيف نصر: من حق المملكة العربية السعودية تتخذ القرارات التي تعزز من ايراداتها ولكننا نأمل أيضا ان تعفي المغتربين اليمنيين من هذا الرسوم نظرا للوضع الانساني والمعيشي الذي تشهده اليمن جراء الحرب اذ باتت تحويلات المغتربين هي المصدر الرئيس للعملة الصعبة وشريان الحياة لملايين من الاسر اليمنية.
اما بالنسبة للجوانب الايجابية بحسب حديث مصطفى نصر إلينا فإن القرار سيقلل من حجم إنفاق المغترب اليمني داخل المملكة، حيث سيتحول جزء من إنفاق المغتربين داخل المملكة الي اليمن نتيجة نقل اليمنيين المغتربين اسرهم الي داخل اليمن.
ويوضح مصطفى نصر بان مثل هذه الاجراءات وغيرها جعلت كثير من اليمنيين المغتربين يحاولون نقل اموالهم الي اليمن لذلك نشهد حالة من المضاربة بالعقارات حيث ارتفعت بنسب كبيرة في بعض المدن المستقرة مثل حضرموت واب ولكن هذه الاموال بحاجة الي خطة حكومية يمنية للاستفادة من عودة هذه الاموال وتوفير البيئة الملائمة لها واستثمارها في مشاريع مدرة للدخل وموفرة لفرص العمل.
كما أن تلك القرارات ستوقف حركة تدفق الاسر من اليمن الي السعودية وهذا يضع اليمن اما فرصة وتحدي في ذات الوقت.