توقف قلب الرجل بعد معاناة شديدة مع أمراض مستعصية شلت قدراته خلال السنوات الأخيرة من عمره، التي أمضاها في العاصمة صنعاء، وسط الأنواء السياسية ودوي المدافع وأزيز الطائرات.
انخرط علي صالح عباد، المعروف حركياً باسم "مقبل"، في حركة القوميين العرب التي كانت تشغل فضاء عدن في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، على الرغم من كونه ينحدر من عائلة كبار ملاك الأراضي في دلتا أبين الخصبة، ومع ذلك أصبح أحد أبرز قيادات الجبهة القومية وهي التنظيم الذي تطور بعد الاستقلال ليصبح الحزب الاشتراكي اليمني الحاكم في جنوب الوطن حتى الثاني والعشرين من مايو 1990.
في مرحلة مفصلية من حياته السياسية وجد عباد نفسه أقرب ما يكون إلى الرئيس الجنوبي الأسبق علي سالم ربيع علي وإلى إصلاحاته السياسية التي دفع ثمنها غالياً فيما دفع عباد نفسه 5 أعوام من عمره في السجن.
لم يمض وقت طويل منذ استأنف عباد نشاطه السياسي بعد خمس سنوات عجاف، حتى وجد نفسه في خضم موجة أخرى أكثر شراسة ودموية من الصراع السياسي بين فرقاء اليسار الجنوبي.
إنها أحداث الثالث عشر من يناير 1986، التي شهدتها العاصمة عدن آنذاك، وتسببت في مقتل أكثر من 20 ألف إنسان، وعلى إثرها غادر عباد عدن رفقة المئات من أنصار الرئيس الجنوبي الأسبق علي ناصر محمد ليستقر في صنعاء حتى فارق الحياة.
صمد هذا القائد السياسي الشجاع في صيف 94 وتجاوز اختبار تلك الحرب العبثية بامتياز، لينهض بمهمة إعادة إحياء حزبه الاشتراكي اليمني ويتولى قيادته كأمين عام، فيما كان المنتصرون في الحرب يمعنون في تجريد الحزب من إمكانياته، واستطاع أن يستأنف نشاط هذا الحزب بالحد الأدنى من التأثير، في ظروف محفوفة بالمخاطر وفي بيئة سياسية أحادية بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.
حدث ذلك بعد أن تعرض الاشتراكي اليمني لهزيمة قاتلة على يد الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، في دورة صراع على السلطة لم تتعاف البلاد بعدها، بالقدر الذي عانى منه الاشتراكي من علل أقعدته عن النهوض وأوقعته فريسة سهلة لاستقطابات المؤثرين الجدد في صنعاء.
منذ العام 2015 استبد بفقيد الوطن الكبير المرض، وفتكت به أمراض مستعصية، فكان آخر رقود له في مستشفى الثورة العام بصنعاء أوائل يناير الماضي، إلا أن اشتداد المرض على جسده المنهك قد آذن بنهاية رحلته المجيدة على درب الكفاح من أجل الاستقلال والوحدة.