تقول المصادر المحلية في المحافظة ان دخول قوات حكومية مما يُعرف بـ"الحزام الأمني" إلى منطقة الوضيع مسقط رأس الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي في محافظة أبين، خلال الأيام الماضية، ونشرها العديد من حواجز التفتيش في المنطقة، من دون أن يتم تسجيل وقوع مواجهات كبيرة مع مسلحي تنظيم "القاعدة" الذين تعرضوا لقصف جوي متقطع من قبل التحالف وطائرات أميركية من دون طيار.
وفيما كانت مصادر التحالف والحكومة الشرعية تناولت التطور باعتباره تقدّماً أنهى سيطرة "القاعدة"، أوضحت مصادر محلية أن التنظيم كان له حضور وانتشار في المنطقة بالفعل، لكنها لم تكن سيطرة بالمعنى العسكري الذي يفرض معه التنظيم حضوره وسلطاته بالقوة، بقدر ما جاءت كنتيجة لغياب القوات الحكومية وكأحد العوامل المرتبطة بالنفوذ التقليدي في محافظة أبين بشكل عام، وهو ما يتعزز بعدم حصول مقاومة حقيقية لانتشار القوات الحكومية.
وتُعدّ الوضيع، إحدى مناطق أبين الواقعة إلى الشرق من عدن، واحدة من أبرز المحافظات التي تُصنّف من معاقل النفوذ لتنظيم "القاعدة"، وحضوره في اليمن عموماً، وسبق أن وُجّهت اتهامات للحكومة والتحالف الذي تتولى قيادة واجهته في جنوبي اليمن، دولة الإمارات، بإهمال هذه المحافظة وملفها الأمني، لأشهر طويلة. وبين فترة وأخرى، كانت الحكومة والتحالف يعلنان طرد مسلحي "القاعدة" من بعض المناطق، لكن التنظيم لا يزال يتمتع بتواجد بشكل أو بآخر في مناطق محدودة، أهمها مديرية المحفد، التي كانت في سنوات سابقة توصف بأنها المعقل الأول للتنظيم في اليمن.
ومع الانتشار الذي لا يجد كثيراً من العوائق، للقوات اليمنية المدعومة إماراتياً، تبرز العديد من التساؤلات حول طبيعة الوضع الحاصل هناك، إذ إن تنظيم "القاعدة" لا يبدي مقاومة كبيرة ويستخدم استراتيجية معروفة بالانسحاب أمام الحملات لتجنّب الخسائر، ثم العودة بهجمات مباغتة تستهدف التجمعات هنا وهناك. غير أن هناك من يرى أن انتشار مسلحي التنظيم ثم الانسحاب المفاجئ، قد لا يجعل من نفوذه إلا مجرد غطاء لتوسع وسيطرة القوات الموالية لأبوظبي في مناطق جنوبي وشرقي اليمن.
وكانت أبوظبي تصدّرت واجهة قيادة التحالف ضد مسلحي جماعة (الحوثيين) وحلفائهم من القوات الموالية للرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، عام 2015، ثم عقب انسحاب الأخيرين، شرعت أبوظبي بدعم تأسيس قوات محلية مؤلفة من جنوبيين، انتشرت تحت غطاء محاربة تنظيم "القاعدة"، بدءاً بالمحافظات المحيطة بعدن (لحج وأبين)، ثم حضرموت، التي سيطر التنظيم على مركزها مدينة المكلا لعام كامل، انتهى في إبريل 2016، وأخيراً محافظة شبوة النفطية الواقعة بين حضرموت وأبين، قبل أن تبدأ التحركات منذ أيام في أبين، في مناطق لم تصل إليها قوات "الحزام الأمني" من قبل.
وخلال هذه التحركات أو العمليات التي شملت العديد من المدن، كان مسلحو التنظيم ينسحبون من مناطق سيطرتهم أو انتشارهم عقب غارات أو مواجهات محدودة، وأحياناً من دون مواجهات، لكن أبوظبي وحلفاءها فرضوا الحضور والسيطرة في تلك المناطق تحت مبرر محاربة "القاعدة"، الذي ينسحب على نحو يبدو معه وكأنه لم ينهزم بقدر ما تحوّل من مكان لآخر.
ترجيح انتقال مسلحي "القاعدة" الذين كانوا ينتشرون في الوضيع إلى مديريات أخرى في أبين
وفي السياق، يبرز تساؤل حول المناطق التي ينسحب إليها مسلحو التنظيم، ففي منطقة الوضيع تحديداً، رجحت مصادر محلية انتقال مسلحي التنظيم الذين كانوا يخرجون بشكل محدود، إلى مديريات أخرى في أبين بالإضافة إلى محافظة البيضاء، المحاذية للأولى، والتي تُعتبر المعقل الأول في المرحلة الحالية لانتشار ونفوذ تنظيم "القاعدة"، بعد انحسار انتشاره في مناطق الجنوب والشرق منذ أكثر من عام.
وفي هذه الزاوية، يحمل انسحاب "القاعدة" أكثر من تفسير، وفي مقدمته أن الانتشار جاء بفعل الفراغ المتروك له، وبالتالي فإن وصول قوات حكومية يدفعه للانسحاب أمامها تجنّباً للخسائر والمعارك التي تؤثر على حاضنته الاجتماعية والقبلية، إذ تطالب الأخيرة مسلحيه بتجنيب مناطق تواجدهم الفوضى والحرب. في المقابل، تبرز الطريقة التي تتم فيها محاربة التنظيم أو التساهل مع انتشاره، كإحدى الاحتمالات التي تعكس ما يمكن وصفه بالاستثمار السياسي والعسكري للانتشار، من خلال اتخاذه غطاءً لسيطرة طرف أو آخر.