قالت الناشطة الحائزة على جائزة نوبل للسلام، توكل كرمان، ان ثورة فبراير كانت استجابة حتمية لرفض القبح والاستغلال وتعبير صادق عن توق الشعب اليمني للحرية والحياة الكريمة
وأضافت كرمان في محاضرة لها عن الحرب وآفاق السلام في اليمن، في العاصمة السويسرية جنيف ان اليمن تعيش اليوم أوضاع بالغة السوء نتيجة الانقلاب وحرب مليشيا الحوثي والمخلوع صالح.
وأشارت إلى ان روح الثورة السلمية هي التي جعلت الناس بكافة فعالياتهم لا يقاومون مليشيا الحوثي والمخلوع صالح بشكل جاد، وان قبول الحوثيين في الثورة كان بشرط التوقف عن استخدام القوة المسلحة والعنف وكان هذا الشرط عادلا ورحيما بالجميع.
وطالبت توكل كرمان ان أي عملية سلام يجب ان تفضي إلى احتكار الدولة للسلاح ومزاولة السيادة ويجب ان تكون الانتخابات هي الطريق الوحيد للوصول إلى السلطة.
كما اعتبرت ثورة فبراير بأنها كانت الرد الحضاري المناسب والوحيد على دولة الفساد وانتهاك الحقوق والحريات وان هذه الثورة ظلت متمسكة بالخيار السلمي رغم مساحة القمع والعنف الرسمي أنذاك.
وقالت أيضا ان "ثورة فبراير كانت ضرورة ملحة ولم تكن ترفا زائدا عن الحاجة والثورة السلمية قبلت الجميع بمختلف توجهاتهم إلا أن الحوثيين طعنوها من الخلف".
وأضافت "عملت المليشيا على عرقلة المرحلة الانتقالية وتقويضها والإطاحة بالعملية السياسية والمخلوع صالح استخدم حصانته وأرصدته المالية للانتقام من الشعب اليمني".
وأوضحت ان حرب المليشيا استهدفت المدنيين والخصوم السياسيين والصحفيين واحتلت جميع مؤسسات الدولة وتسببت بارتفاع معدلات البطالة والفقر وانهيار الخدمات الأساسية.
وتابعت القول ان المليشيا لم تكتف بإغلاق المدارس وتضييع فرص التعليم أمام الأطفال بل زجت بهم إلى محرقة الموت وان الرعاة الدوليون اختاروا أن يكونوا متفرجين على عملية انقلاب دموية ولم يفرقوا بين من يقوض الاستقرار وينسف السلام وبين من يمضى لصناعته
مشيرة إلى ان أية عملية سلام يجب ان تفضي إلى احتكار الدولة للسلاح ويجب أن تضمن الحلول المقترحة لأي اتفاق سلام وضع حد للدور السياسي للمخلوع وسحب أرصدته واتخاذ إجراءات لتحقيق العدالة الانتقالية تكفل حقوق الضحايا وجبر ضررهم.
وفيما يلقي نص المحاضرة:
بسم الله الرحمن الرحيم
السيدات والسادة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
في البداية دعوني أشكر حكومة سويسرا على استضافتها لنا في قصر المؤتمرات الهام في جنيف. فخورة بجنيف عاصمة حقوق الانسان، فخوره بكم كمدافعين عن حقوق الإنسان، ومساندين لحقوق المظلومين والمستضعفين في الأرض، واراهن على دوركم هذا، كما أتوجه بالشكر للمنظمة العربية لحقوق الانسان لمساهمتها في تنظيم هذه الفعالية الهامة.
أيها الاعزاء
دعوني أحدثكم عن صوت السلام في اليمن، صوت السلام الذي سأنقله اليكم اليوم، والذي بدأ في بلدي اليمن في الـحادي عشر من فبراير 2011، من خلال ثورة شبابية شعبية سلمية، قام بها الشباب اليمني المتسلح بالإيمان والحب واليقين.
لم تكن ثوره فبراير السلمية، ترفا فائضا عن الحاجة، بل كانت ضرورة ملحة بالغة الاهمية، فاليمن كانت تسير عكس اتجاه العالم، كان دور القانون يتضاءل بدرجة مخيفة، وكانت السلطة تتصرف مثل اقطاعية جشعة لا تدرك عواقب الأمور.
قد يكون من الملائم التأكيد على أن ثورة فبراير قد جاءت في سياق الاعتراض المشروع، بل الواجب على دولة العائلة والمنطقة والجهة، فقد استحوذ شخص واحد وعائلته وحاشيته على كل شيء؛ المال العام، ومقدرات الدولة، والمناصب، والمعسكرات، والموانئ، والنفط والغاز والذهب، والآثار، والسلطة ونتج عن هذه السياسة الحمقاء فشل كبير على كل الصعد وفي مقدمتها صعيد التنمية والاستقرار.
يمكن القول إن ثورة فبراير هي استجابة حتمية لرفض القبح والاستغلال والاستكبار، وتعبير صادق عن توق شعبنا للحرية والحياة الكريمة، وتجل صادق للشجاعة والالتزام الأخلاقي الذي يمتلكه شعبنا.
الثورة هي كلمة الشعب اليمني التي طال انتظارها، والحتمية التاريخية التي لا بد منها، إنها الرد الحضاري المناسب والوحيد على دولة الفساد والمحسوبيات والرشاوى، وانتهاك الحقوق والحريات، وإهانة العدالة، وازدراء المواطنة وحكم القانون.
كانت ثوره فبراير السلمية عبقرية وعظيمة، وتتجلى هذه العبقرية والعظمة في الاداء السلمي والنضال السلمي الممهور بالتضحيات لشعب مسلح اشتهر عنه امتلاك السلاح.
دعونا شعبنا لثورة سلمية وترك السلاح في بيوتهم، وخلال تسعة أشهر من الثورة السلمية في الميادين تعرضت جموع الثوار السلميين للقتل والقمع دون هوادة، وصمدت تلك الجموع، والتزمت بالخيار السلمي كخيار استراتيجي لارجعة عنه مهما بلغت مساحة القمع والعنف الرسمي، بل وواجهت آلة القمع بالورود ، وأصوات الرصاص والقاذفات بالهتافات والاناشيد.
• تتجلى عبقرية ثورة فبراير وعظمتها أيضا في الروح السلمية التي غمرتها والمفعمة بالحب والتسامح، والتي جعلتنا ندعو ميليشيا الحوثي المحصورة في أجزاء من محافظة صعدة شمال البلاد آنذاك بالتوقف عن التمرد والعنف والانضمام إلى ثورة الشعب السلمية، وإرسال مندوبين لها للمشاركة في لجان الثورة السلمية، فتحنا لهم الساحات مقتنعين بأن الثورة السلمية تجب ماقبلها وستحل كل القضايا، وأن نظام صالح هو جذر المشكلات، واسقاطه هو الحل لجميع القضايا ومنها مشاكل صعدة والتمرد فيها.
لقد مثّل قبولنا للحوثيين في الثورة وهم الذين قتلوا خلال الحروب الست حوالي خمسين ألف جندي يمني باعترافهم، مثل ذلك أعلى درجات التسامح والقبول والنظر إلى المستقبل المشترك، كان شرطنا الوحيد لهم هو التوقف عن استخدام القوة المسلحة والعنف، وأظن أن هذا الشرط كان عادلا ورحيما بالجميع.
توافقنا على بناء دولة يمنية تزاول السيطرة والسيادة على جميع التراب الوطني، صاحبة الحق الحصري في امتلاك السلاح واستخدامه، كانت الأهداف واضحة ومكتوبة ومتوافقا عليها مع الجميع بما فيهم ممثلو ميليشيا الحوثي.
كان المجتمع الدولي حاضرا في اليمن أثناء الحراك الثوري المطالب بالتغيير، فقد رعت ثماني عشرة دولة من بينها الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن المسار السياسي، بالإضافة إلى الأمين العام للأمم المتحدة عبر ممثل له إلى اليمن كلفه بهذه المهمة.
وبعد تسعة أشهر من الثورة السلمية تم التوقيع على وثيقة نقل السلطة المتمثلة بالمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية برعاية المجتمع الدولي وضمانته ، وبدأت الفترة الانتقالية بنقل كل صلاحيات الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح لنائبه آنذاك ، الرئيس التوافقي عبد ربه منصور هادي وتشكيل حكومة توافقية.
وهنا تجلت مرة أخرى عبقرية الثورة السلمية اليمنية وعظمتها، وذلك في تسامحها الكبير المتمثل بقبول حزب المخلوع شريكا كاملا في الحكومة، واعطائه نصف الوزراء، بالإضافة إلى منصب الرئيس، في حين حصلت القوى السياسية المؤيدة للثورة على نصف عدد الوزراء ورئاسة الحكومة التوافقية.
بالإضافة إلى ذلك، تم إعطاء المخلوع علي صالح ومساعديه حصانة من المساءلة عن الجرائم السابقة، مقابل تركه العمل السياسي، وتسليم ما بحوزته من سلطات إلى السلطة الانتقالية الجديدة، لم يكن ذلك عادلا من اجل المستقبل، كان ممكنا تبرير هذا الاجراء إن ادى فعلا إلى كفالة عدم التكرار ووضع حد لأرصده المخلوع صالح، وحال دون مزاولته للانتقام وتقويضه للسلطة الانتقالية، المؤسف ان ذلك لم يحدث!!!
عبقرية ثورة فبراير السلمية وعظمتها تمثلت أيضا في كونها اتاحت الفرصة أمام جميع اليمنيين باختلاف توجهاتهم ومناطقهم للتأسيس لدولة جديدة تقوم على أسس احترام القانون والمواطنة المتساوية والحريات العامة، من خلال حوار وطني شامل بإشراف أممي وممثلين عن الدول الثمانية عشر بمن فيهم دول مجلس التعاون الخليجي ، والدول دائمة العضوية في مجلس الأمن .
تناول الحوار كل شيء، وتم التوافق على كل شيء، وخرج الجميع بوثيقة الحوار الوطني الشامل التي تضمنت كل محددات الدستور، وشكلت لجنة من الجميع لصياغة مسودة الدستور بناء على مخرجات الحوار الوطني ، وتم بالفعل كتابة مسودة الدستور والتوافق عليها ، كنا اذا على وشك العبور، وعلى موعد مع الخطوة النهائية لاستكمال عبور اليمن الجديد نحو المستقبل .
للأسف قبل الذهاب للاستفتاء على مسودة الدستور الجديد، ومن ثم اجراء انتخابات محلية ونيايبة وانتخابات الاقاليم والانتخابات الرئاسية كانت ميليشيا الحوثي والمخلوع صالح يقدمون تصريحات مشجعة على الصعيد السياسي، وعلى أرض الواقع كانوا يقتلون ويخطفون معارضيهم، وينهبون مؤسسات ومعسكرات الدولة.
المؤسف أنه في ظل كل هذا التسامح مع الميليشيا وعلي صالح وحزبه كان الاثنان في تحالف غير معلن من أول يوم للفترة الانتقالية، بل من أول يوم في الثورة السلمية التي خانها الحوثيون وطعنوها من الخلف، واستخدم المخلوع صالح حصانته وارصدته المالية التي تقدر ب سبعين مليار دولار حسب بعض التقارير الدولية ، استخدمها في الانتقام من الشعب اليمني وتدمير كل شئ !!
بدأت ميليشيا الحوثي والمخلوع صالح في عملية عرقلتها للمرحلة الانتقالية وتقويضها وفق سلسلة متصلة من الاجراءات انتهت بالانقلاب الكامل والاطاحة بالعملية السياسية وغزو عاصمة اليمنين صنعاء واحتلالها هي وبقية المدن. الحقيقة أن التفاصيل مثيرة ومحزنة في آن، لكن ليس هذا مجالها.
ايها الاعزاء
ما يثير الحزن والغضب في آن واحد، هو تحويل الفرصة إلى محنة، فالفترة الانتقالية بدلا من أن تكون جسر عبور لنقل السلطة المدنية والعسكرية والامنية من علي صالح ومساعديه إلى الرئيس هادي وحكومة الوفاق، تحولت إلى هذا الاخفاق الكبير الذي تعد الحرب اليوم أبرز سماته.
لنتحدث بصراحة، لقد أخطأ الجميع، ليس بمقدور أحد التشكيك في هذه الحقيقة، لكن هناك فرق كبير بين شخص اخطأ سياسيا، وآخر أخطأ وطنيا وارتكب الجرائم الجسيمة والخيانة العظمى، وهذا الصنف الأخير وهم ميليشيا الحوثي والمخلوع صالح قوضوا العملية الانتقالية، شطبوا السياسة، اغلقوا وسائل الإعلام التي لا تتبعهم، انقلبوا على وثيقة مؤتمر الحوار الوطني، صنعوا الدمار في المدن، والأخطر من ذلك، ما لحق النسيج الاجتماعي من تمزق على أيديهم.
لم يعد خافيا على أحد، أن علي صالح عمل على عرقلة العملية الانتقالية بكل ما يمتلكه من نفوذ ووسائل وحيل، وإزاء ذلك، صدر العديد من بيانات مجلس الأمن والعديد من القرارات ضد المعرقلين ومقوضي العملية الانتقالية،وفي مقدمتهم علي صالح وابنه.
الأكثر حزنا أن علي صالح وهو يقوض ويعرقل العملية الانتقالية كانت ميليشيا الحوثي تشق طريقها بالقوة نحو صنعاء، كل ذلك كان تحت سمع وبصر الرعاة الدوليين، الذين اعتقدوا إن اصدار قرارات وبيانات تدين ما يقوم به الحوثي وصالح كافيا لإيقافهما، وهو اعتقاد بالغ السذاجة، فصالح والحوثي لديهما رغبة سلطوية لا يمكن تفاديها ببيان يصدره مجلس الأمن أو قرار لا يتضمن آليه تنفيذه.
أظنكم تعرفون بقية القصة، فقد وضعت ميليشيا الحوثي الرئيس والحكومة رهن الاقامة الجبرية، واستحوذت على كل المؤسسات بالقوة والقهر ، ووضعت على رأس كل مؤسسة مندوبا عنها بمثابة المرشد الأعلى يكون هو المتصرف الوحيد وهو القانون الذي لا يرد، وقد قوبل هذا الانقلاب البائس برفض سياسي ومدني واسع، لم يبق حزب إلا وأدان، ولا منظمة مدنية إلا رفضت الانقلاب، الكتاب والصحفيون والمثقفون رفضوا ما حدث، وبدا أن هناك اصطفافا وطنيا كاملا مع السلطة الانتقالية، وضد الانقلاب، وفي هذه الأجواء اتخذ اقليم سبا خيار المقاومة المشروعة، أما بقية الاقاليم فاختارت الاصطفاف السلمي.
في هذه الأثناء، استطاع الرئيس أن يفلت من قبضة الحوثيين ويفر الى عدن، ويعلن من هناك أنها عاصمة مؤقتة، لكن تبعته جحافل ميليشيا الحوثي وقوات صالح التي قامت بغزو محافظات إب وتعز والضالع ولحج حتى وصلت عدن ودخلت في حرب مفتوحه مع إقليم سبأ الذي يضم البيضاء ومأرب وشبوه والجوف وهي أهم المحافظات التي تنتج النفط والغاز وتقع في خاصرة صنعاء وماحولها، فكان التحالف العربي الذي استجاب لدعوة الرئيس هادي في مساعدة اليمن في التصدي للانقلاب.
أيها الاعزاء :
اليوم تعيش اليمن أوضاعا بالغة السوء نتيجة الحرب وانهيار مؤسسات الدولة، فقد أدى القتال الدائر بين مليشيات الحوثي والرئيس المخلوع من جهة، وبين الرئيس الانتقالي الشرعي عبد ربه منصور هادي المدعوم من قبل التحالف العربي إلى ازدياد عدد الضحايا في صفوف المدنيين وخاصه في صفوف النساء والاطفال ،
اليوم وفي ظل هذه الحرب البشعة تمارس ميليشيا والمخلوع صالح كافة جرائمهم ضد الانسانية من قمع المظاهرات السلمية، الى قصف عشوائي للمدن والاحياء المكتظة بالسكان ، وتعذيب الناشطين و خصومهم السياسيين واخفاء الآلاف منهم قسريا ووضعهم في مناطق معرضة للقصف مما ادى الى قتل الكثير منهم ، وسرقة وتفجير منازلهم وتفجير المساجد والمدارس ، وقتل الصحفيين وإغلاق وسائل الإعلام ونهب محتوياتها، واحتلال مؤسسات الدولة، وتعيين أشخاص موالين لهم في مفاصل أجهزة الدولة، وبث خطاب الكراهية والعنصرية تجاه اليمنيين وتجاه العالم، الموت لامريكا .. الموت لاسرائيل .. اللعنة على اليهود.
وأدى لجوء ميليشيا الحوثي إلى زرع مئات الالاف من الألغام بطريقة عشوائية إلى التسبب في ارتفاع الضحايا والمعاقين على نحو يهدد وسيظل يهدد مستقبل عشرات آلاف الأشخاص الذين وجدوا أنفسهم أمام حرب غير عادلة ستظل آثارها ونتائجها المدمرة مستمرة.
فقد ساهمت الحرب في ارتفاع معدلات البطالة والفقر وانهيار الخدمات الأساسية بشكل كامل مثل الكهرباء والصحة والتعليم. يمكن القول إن الحرب قد أتت على كل شيء بما في ذلك عشرات آلاف الأطفال الذين تقوم ميليشيا الحوثي بتجنيدهم ويزجون بهم في المعارك والذين يشكلون اكثر من أربعين في المائة من قوامها حسب التقارير الدولية والمحلية الموثوقة، الأمر الذي يزعزع الثقة في المستقبل.
لم تكتفي الميليشيا بإغلاق المدارس ، واغلاق فرص التعليم امامهم لكن زجت بهم إلى محرقة الموت ، وتحويل الطفولة إلى ضحايا وقتله للأسف !!
كما استمرت في حصار مدينة تعز وهي أكبر مدينة يمنية مكتظة بملايين السكان ، فهي محاصره من الماء والغذاء والدواء وتعاني من القصف العشوائي اليومي المستمر دون هوادة، بدا واضحا أن تعز تتعرض للإبادة في ظل صمت عالمي، هذا تنبيه للصم والبكم والعمي عن جرائم ميليشيا الحوثي والرئيس المخلوع صالح.
وهنا لا ننسى أن نتحدث عن الضحايا المدنيين الذين يسقطون بين الحين والاخر نتيجة قصف طيران التحالف العربي الذين يطال المدنيين اثناء غاراتها على ميليشيا الحوثي والمخلوع صالح ومعظمهم من النساء والاطفال.
واذ ندين كل الإجراءات والاعتداءات التي تطال المدنيين فإننا ندعو الجميع إلى احترام القانون الانساني وتجنيب المدنيين ويلات الحرب والنزاع في اليمن.
أيها الأعزاء :
أود هنا أن ألفت نظركم إلى أمرين في غاية الأهمية، الأول أن روح الثورة السلمية هي التي جعلت الناس بكافة فعالياتهم لايقاومون ميليشيا الحوثي والمخلوع صالح، مقاومة جادة كان الناس بكافة فعالياتهم بمن فيهم السلطة الانتقالية يتمنون أن لاتذهب الأمور إلى اقتتال شامل، وأن تتوقف ميليشيا الحوثي والمخلوع صالح عن المضي في مخططاتها للاستيلاء على اليمن بقوة السلاح، وأن يحترموا الشراكة، ويدركوا أن اليمن للجميع ولن يتأتى لاحد أن يحكمه بالقوة والقهر.
لقد ظل اليمنيون يتفاخرون بثورتهم السلمية وتجربتهم الرائدة، وظل العالم يشيد معهم بالنموذج اليمني غير المسبوق حتى غزت ميليشيا الحوثي المتحالفة مع صالح والمسنودة من إيران عاصمة اليمنيين واتجهت جنوبا حتى عدن العاصمة المؤقتة لليمنيين.
أيها الاعزاء :
كان لدى اليمنيين خارطة طريق لعملية انتقال سلمية للسلطة، لكن المفارقة أن الرعاة الدوليين لم يكن لديهم خارطة رعاية ضامنة وكافية لمنع أي اختراق قد يطيح بالعملية السياسية من الأساس. طبعا هذا مع احترامنا لدورهم وجهودهم في رعاية العملية الانتقالية ، لكنّ مقتضيات الرعاية للدول الكبيرة كانت تقتضي ان تكون رعاية ملزمة وضامنه للعملية السياسية.
أيها الاعزاء :
هناك من يمارس التحايل عند الحديث عن ما حدث، تذكروا أن الانقلاب لم يحدث نتيجة لغياب الشراكة والتوافق، فقد كان لدينا رئيس توافقي من حزب الرئيس المخلوع الذي ثرنا عليه، ولدينا حكومة توافقية للطرف الانقلابي نصفها على الأقل.
تذكروا ان الانقلاب ولم يحدث الانقلاب نتيجة لغياب الحوار، فقد شارك الجميع في حوار وطني شامل ووقعوا على مخرجاته.
تذكروا ان الانقلاب لم يحدث لغياب التسامح، فقد تم منح المخلوع علي صالح ومساعديه الحصانة عن جرائمهم السابقة مقابل عدم التكرار في المستقبل، وتم منح حزبه نصف السلطة مقابل صفحة جديدة، وتم قبول ميليشيا الحوثي كطرف سياسي مقابل نزع السلاح والتخلي عن منازعة الدولة السيطرة والسيادة على الاراضي اليمنية التي استولوا عليها .
لقد حدث الانقلاب لأن هناك من قرر أن تكون اليمن ملكية خاصة به، وهذا محال أن يقبل به اليمنيون .
أيها الاعزاء
اريد ان اؤكد مرة اخرى على ان تكون العملية الانتقالية اليمنية قد شهدت اكبر رعاية عالمية لم تنلها أي عملية انتقالية أخرى في التاريخ، أتحدث عن ثماني عشرة دولة من ضمنها الدول دائمة العضوية ومن ضمنها دول الخليج العربي ، كما اتحدث عن قرارات دولية واكبت الشأن اليمني، بلغ عددها سبعة قرارات وأكثر من ثلاثين بيانا صدرت جميعا عن مجلس الأمن، بهذا المعنى يمكن القول إننا بصدد أكبر رعاية دولية لعملية انتقال، حظيت بهذا الكم من القرارات الدولية، آخرها القرار ألفان ومائتان وستة عشر والذي ضمن الفصل السابع من الميثاق.
وهذا يضعنا أمام سؤال كبير، هو على من تم الانقلاب؟ هل تم الانقلاب على الرئيس التوافقي هادي، أم على الثورة السلمية، أم على الرعاية الدولية، أم على التوافق السياسي الذي توج بالوثيقة الختامية لمؤتمر الحوار الوطني؟.
يمكن القول إن الانقلاب هو على الشرعية الدولية، وعلى الرعاة الدوليين ، بقدر ماهو انقلاب على الرئيس التوافقي، وعلى الثورة السلمية، وعلى التوافق السياسي ومخرجات الحوار الوطني .
أود ان ألفت نظركم ايضا إلى ان اليمنيين بالإضافة إلى أن روحهم السلمية التي هيمنت على الاجواء كانت سببا في أن يبتعدوا عن مواجهة ميليشيا الحوثي والمخلوع صالح والتصدي لعرقلتهما العملية الانتقالية بالقوة، ، فهناك سبب اخر يحمل ذات الاهمية وهو أنهم كانوا ينظرون إلى الرعاة الدوليين باحترام وهيبة، ولايتخيلون يوما أنهم سوف يختارون الوقوف ضد الشرعية الدولية وضد أنفسهم.
ما حدث كان مخيبا للآمال حقا، فقد اختار الرعاة الدوليون أن يكونوا متفرجين على عملية انقلاب دموية، رافعين شعارات لا معنى لها من قبيل أنهم على مسافة متساوية بين الاطراف، ، وأنهم يدعون الأطراف المختلفين إلى حل المشكلات عبر الحوار.
لقد بدا الرعاة الدوليون محايدين بين القاتل والمقتول، بين من يقوض العملية الانتقالية ، وبين من يحترمها ويرعى شروطها، بين من يقوض الاستقرار وينسف السلام في المنطقة ، وبين من يمضي لصناعة عملية سلام مستدامة، ويصر على النهج السلمي.
الحياد تواطؤ في التعبير الأكثر تهذيبا عندما يكون بين من يمارس العنف والارهاب ويستخدم القوة لتحقيق اهدافه ، وبين قوى ثورة سلمية اصرت على السلم كخيار استراتيجي، وعلى الشراكة الاقليمية والدولية القائمة على السلم والسلام .
لقد بدت القرارات الدولية وكأنها نوع من رفع العتب أو مادة مخدرة ساهمت في احجام القوى المكونة للسلطة الانتقالية والقوى الثورية عن مواجهة القوة بالقوة، كانت ثقة اليمنين بالمجتمع الدولي كبيرة، وأخشى أن اقول إن هذه الثقة تعرضت لزعزعة كبيرة، لذا على المجتمع الدولي والرعاة الدوليين أن يستعيدوا ثقة الشعب اليمني بهم وان يساعدوه في تحقيق سلام عادل ومستدام يقضي على كل مسببات الحروب والصراعات الداخلية.
أيها الاعزاء :
كثير من اليمنيين يدعمون الوصول الى اتفاق ينهي الحرب، لكنهم يطلبون وهذا من حقهم أن يكون هذا الاتفاق حقيقيا، وأن لا يكون ممرا لحروب وصراعات مستقبلية.
يجب أن تفضي اي عملية سلام إلى احتكار الدولة للسلاح، ومزاولة السيادة، وأن مؤسسات الدولة هي المنوط بها بصورة حصرية إصدار الأوامر الحكومية، وأن الانتخابات هي الطريق الوحيد للوصول إلى السلطة، وليس العنف والقوة المسلحة.
في هذا السياق الحل ليس في اتفاقات جديدة وليس في حوار جديد وليس في قرارات جديدة، الحل يكمن في آلية فاعلة وخارطة طريق واضحه للرعاية تضمن تنفيذ الاتفاقات السابقة وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، الاتفاقات السابقة منصفة ومرضية جدا للجميع.
يجب أن تضمن الحلول المقترحة لأي اتفاق سلام في اليمن سحب السلاح ووضع حد للدور السياسي للمخلوع علي صالح وتجميد ارصدته، والى انسحاب الميليشيا من كافة المناطق،
واعادة بناء وتوحيد الجيش وقوى الامن، بشكل يتم فيه مراعاة التوزيع السكاني والجغرافي،
والاستفتاء على الدستور واجراء الانتخابات المختلفة بناء عليها محلية والاقاليم والرئاسية والبرلمانية، وبذلك نعبر نحو افاق الحرية والديمقراطية والرفاه الاجتماعي والسلام المستدام ،
يحدث كل ذلك بالتزامن مع وقف اطلاق النار، ويمكن أن يسبق إجراء الانتخابات، تشكيل حكومة وحدة وطنية يشارك فيها الجميع او حكومة تعمل من أجل إجراء الانتخابات، لكن بعد أن تكون الميليشيا قد سلمت السلاح وتحولت إلى كيان سياسي ينبذ العنف.
سيتطلب الأمر كذلك اتخاذ اجراءات لتحقيق العدالة الانتقالية ولمصالحة وطنية حقيقية تكفل حقوق الضحايا وجبر ضررهم ، وعدم التكرار لهذه الجرائم ، وتمنع .. من مزاولة اي عمل سياسي، فضلا عن برنامج تنموي واسع يعيد اعمار ما دمرته الحرب ،ويكفل تحسينا واسعا لمعيشة المواطنين، واصلاحا اقتصاديا حقيقيا بالتوازي مع الانتقال السياسي .
ايها الاعزاء
رغم كل الأوجاع التي تضرب كل بقاع اليمن، علينا العمل بكل ما لدينا من حلم والتزام اخلاقي ووطني وانساني وإرادة لإنهاء الحرب.
يجب أن تتوقف الحرب، ليس هذه الحرب وحسب، بل الحروب المقبلة أيضا، وهذا لن يتم إلا إذا كان هناك دولة واحدة، وسلطة واحدة خاضعة لإرادة الشعب، واحزاب وجماعات سياسية تحقق اهدافها دون عنف وتتداول السلطة سلميا، وجيش واحد يحتكر السلاح، والا فإن الأمر لن يعدو أن يكون هدنة مؤقتة واستراحة محارب، يعقبها ماهو اشد وانكى .
في الختام ، دعونا نصلي وندعو الله أن يمنحنا جميعا القوة اللازمة لتحقيق السلام لأنفسنا ولمجتمعاتنا وعالمنا، السلام الحقيقي والمقترن بالعدالة، اذ لا سلام دون عدالة.
شكرا لكم