ووفقاً للمعطيات الميدانية في تلك الجبهة، منذ اندلاع المواجهات التي تتراجع حيناً وتتصاعد وتيرتها في أخرى، يتخذ مسلحو مليشيا الحوث وحلفاؤهم وضعاً دفاعياً يوصف بأنه "مستميت"، لكنه من وجهة نظر عسكرية يعكس ضعف القوات المدافعة أمام قوات الجيش الموالية للشرعية، التي تتخذ وضعاً هجومياً، وتواجه عوائق سياسية ومادية وتضاريسية
. تقول مصادر في الجيش إنها مثلت عائقاً مركّباً أمام تحقيق تقدّم، للوصول المبكر إلى العاصمة صنعاء، على الرغم من الإسناد الذي تمثله مقاتلات التحالف بغارات جوية من حين لآخر.
" ومنذ انطلاق العمليات العسكرية في هذه الجبهة، أواسط ديسمبر/ كانون الأول 2015، على طول خطوط الفصل الإداري بين محافظتي صنعاء ومأرب، لم تتوقف وسائل الإعلام التابعة للشرعية، عن الترويج إلى أن جبهة نهم هي الطريق الأقرب والأوفر كلفة إلى العاصمة.
كما لا تلبث أن تعلن تباعاً عن الاستيلاء على قرى وسلاسل جبلية عديدة، في ظل مقتل المئات من كبار قادة وأركان الألوية والكتائب والمتطوعين من الطرفين (أغلبهم من الحوثيين بسبب عامل القصف الجوي).
أما من حالفهم الحظ في النجاة من حوادث قصف وقعت بالقرب منهم، أثناء زيارات ميدانية، فقليل، ومنهم نائب الرئيس اليمني، الفريق علي محسن صالح الأحمر، بالإضافة إلى رئيس هيئة الأركان العامة السابق، الفريق محمد المقدشي، والذي بات قائماً بأعمال وزير الدفاع.
وفيما تحدثت أنباء في وقتٍ سابقٍ منذ أسابيع، عن قصف جوي طاول موقعاً تتواجد فيها قيادات من قوات الشرعية، عادة ما يدور جدل كبير في كل طرف، عقب كل حادثة من هذا النوع، سواء على مستوى غارات خاطئة أو خسائر مكلفة بالنسبة للشرعية، وتُلقى التهم هنا وهناك. ومن أبرز أسئلة هذا الجدل: لماذا تعثرت قوات الجيش الموالية للشرعية في هذه الجبهة، ولماذا استهدف قادة وضباط بارزون هذه القوات؟
في إطار الردود المثارة على هذا الجدل، يفسر البعض تعثّر قوات الجيش الموالية للشرعية، بالعامل السياسي بوصفه العامل الأساس، ويرتبط ذلك بموقف قطبَي التحالف، السعودية والإمارات، من هذه الجبهة وجبهات أخرى مشابهة لها، وهما اللتان تتحكمان في سير المعارك، تخطيطاً وتمويلاً، مع ما تمثله عوامل أخرى تخص هذه القوات ذاتها، كاصطفافها الخاطئ إزاء ما تواجهه من تحديات، والفساد المالي المتفشي في كيانها، وانعكاس ذلك على أمنها الحربي الذي جعلها مكشوفة أمام الحوثيين.
وعلى الرغم من العوامل السياسية، لا يمكن إنكار دور طبيعة الأرض التي تدور فيها المعارك، كأحد الأسباب الرئيسية التي لا جدال فيها، سواء لجهة وعورتها كمناطق جبلية قالت قوات الشرعية في الأشهر الأخيرة إنها اجتازت ما يقارب 80 في المائة من تضاريسها الصعبة، أو من الحاجة إلى معدات القتال المناسبة لها.
وهناك من يرى أن اختيار نِهم، كبوابة نحو صنعاء، لم يكن موفقاً بالأساس بسبب التضاريس وطول المساحة التي جعلت منها معركة صعبة ومكلفة، في حين كانت هناك جبهات أخرى، على غرار صرواح، غرب مأرب، وهي المنطقة المحاذية لمنطقة خولان من جهة صنعاء، وفشلت فيها قوات الشرعية بتحقيق تقدمٍ حاسم منذ أواخر العام 2015، لأسباب تُثار حولها علامات استفهام هي الأخرى، تربطها بعوامل سياسية أكثر منها عسكرية، على غرار نِهم.
ومن بين التفسيرات في السياق، من يُرجع تأخر التقدّم إلى حسابات التحالف، من أن التقدّم قد يخلق مكاسب لأطراف يُخشى من نفوذها، كحزب "التجمع اليمني للإصلاح" الذي يعد من الأطراف الفاعلة في قوات الشرعية المتواجدة في تلك المناطق.
فيما يذهب تفسير آخر إلى جدية قرار التحالف بإنهاء سيطرة الحوثيين على صنعاء من عدمها أو توقيت المعركة على الأقل. وسبق أن لمّح الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، إلى أن التأخر بالتقدّم نحو العاصمة، مرتبط بالحرص على تقليل الخسائر، بما يعطي انطباعاً بأن التقدّم في نِهم يُستخدم كورقة ضغط على الحوثيين لإجبارهم على تقديم تنازلات تُجنّب العاصمة اليمنية الحرب.
ومن المهم في السياق، الإشارة إلى أن الأحداث التي شهدتها صنعاء في ديسمبر الماضي، والتي قُتل خلالها الرئيس الراحل علي عبدالله صالح، يُفترض أن تكون قد تركت أثراً على مختلف المستويات في حسابات المعركة، سواء على صعيد انهيار تحالف الحوثي - صالح، وما ترتب عليه من وقوع الحوثيين طرفاً وحيداً في الحرب وفي السيطرة على العاصمة والخسائر التي تكبّدوها جراء ذلك، أو في ما يتعلق بالجانب السياسي المرتبط بقرار التقدّم عسكرياً نحو صنعاء، من عدمه.
ومع تداخل العامل السياسي مع العسكري، فقد ألقى الأول بظلاله على الأخير؛ ولذلك لا غرابة أن يصدر عن قيادات في الجيش الموالي للشرعية، ما يشير إلى تخاذل التحالف في دعم الجيش بالأسلحة النوعية، التي تناسب طبيعة القتال في الجبال وفي مختلف الظروف، والتوقف عن دفع رواتب المقاتلين لبضعة أشهر، ما دفعهم إلى بيع أسلحتهم، وعدم انتظامهم في الجبهة، وتراجع أدائهم القتالي، الذي كلفهم فقدان الكثير من قادتهم.
" في اتجاه مقارب، وفي إطار توقف الجيش الموالي للشرعية في عدد من الجبهات، ومنها جبهة نهم، تشير خريطة الحرب إلى أن ما يجري لا يذهب بعيداً عن التشكيل القسري لنظام الأقاليم. فمرابطة القوات على حدود هذه الأقاليم، ومنها ما سُمي "إقليم أزال"، الذي تقع ضمنه العاصمة صنعاء، وتقع جبهة نهم على نقطة في دائرة محيطه، يدفع إلى التكهن بأن خيار الحسم العسكري خيار استثنائي بعد الخيار السياسي، وأن تقاسم النفوذ بين مختلف القوى داخل هذا الإقليم، لن يكون إلا بما تمليه الإرادة السياسية لا العسكرية؛ ولذلك فإن الحسم في هذه الجبهة، بنظر مراقبين، سيظل وهماً كبيراً، ومصيدة لإنهاك مختلف قوى الصراع الداخلي، إلى أن يسقط الخيار السياسي. على أن التساؤلات المتعلقة بطريقة إدارة الحرب وتأثير السياسي في العسكري، تعود بالأذهان إلى حروب الحكومة اليمنية والحوثيين الست في صعدة بين عامي 2004 و2010، إذ تحوّلت، بنظر البعض، من حروب هدفها المعلن الدفاع عن "الدولة" ضد "التمرد"، إلى حروب لا تخلو من ابتزاز واستنزاف، لم تكن السعودية وقوى يمنية ضالعة فيها، بمنأى عن ذلك التحوّل وتبعاته.
الجدير بالذكر أن مديرية نهم تقع في الشمال الشرقي من العاصمة صنعاء وتتبع إدارياً لمحافظة صنعاء، بمساحة 1841 كيلومتراً مربعاً، ويقطنها نحو 41 ألف نسمة، وفقاً لتعداد 2004، موزعين على عُزَل (وحدات إدارية صغيرة). وفيها مرتفعات جبلية شديدة الانحدار تشرف على فرَضة نهم والتي اعتُبرت سيطرة القوات الشرعية عليها إنجازاً كبيراً في حينه. وكانت توجد في المديرية ألوية ومعسكرات تابعة للحوثيين وحلفائهم، منها اللواء 312 مدرع واللواء 314 مدرع.
ولعل من أبرز الآثار المعيشية المباشرة لإطالة أمد المواجهات في جبهة نهم، قطع طريق صنعاء - مأرب، الشريان الرئيسي لمد العاصمة ومحافظات أخرى بالمحروقات الآتية من محافظة مأرب بوصفها المحافظة النفطية التي تمد أغلب محافظات البلاد بالبنزين والغاز والديزل.
وأيضاً يُعد طريق صنعاء - مأرب المار بنهم والمقطوع حالياً بسبب العمليات العسكرية، هو الطريق الأسهل للمغتربين في السعودية القادمين من مناطق الشمال والغرب للوصول لمنفذ الوديعة الحدودي. واستُبدل بطريق آخر يمر عبر محافظتي ذمار والبيضاء مروراً بمنطقة رداع، حيث نصب الحوثيون نقاط تفتيش مشددة هناك، كما نصبوا نقاطاً للجمارك في ذمار.