ما حصل في عدن أمس، كتتمة لأحداث أول أمس، كان إتماماً لانقلاب قوى جنوبية مدعومة مباشرة من الإمارات، على حكومة أحمد عبيد بن دغر الضعيفة والمدعومة لفظياً من التحالف، بقيادة السعودية نظرياً، والإمارات فعلياً.
ولما عجزت بنادق الجنوبيين من حلفاء أبو ظبي في حسم الموقف وهزيمة قوات الحكومة يومي الأحد والإثنين، تدخلت الطائرات الإماراتية لتقصف مقر اللواء الرابع التابع للشرعية في عدن، ولتمهد طريق الانفصاليين باتجاه حسم الأوضاع لمصلحتها، في عدن وجوارها.
بذلك، ينضم الثلاثين من يناير 2018 إلى 21 سبتمبر 2014، تاريخ انقلاب الحوثيين في صنعاء، ثم إلى 21 فبراير 2015، تاريخ خروج الرئيس عبدربه منصور هادي منها إلى عدن وإلى 26 مارس 2015، موعد انطلاق حرب التحالف العربي ضد مليشيات الانقلاب. وما لا يعلنه الإماراتيون رسمياً، يقوله الجنرال السعودي المتقاعد، أنور عشقي، رمز التصريحات المستعجلة لـ"السلام" مع الاحتلال الإسرائيلي.
وكان لعشقي، أمس، تصريح بمثابة "الفتوى السياسية" حول شكل الحل المطلوب، فقال إن "الحل في اليمن يكمن في أن يكون هناك حكومة في الشمال برئاسة زعيم من الشمال وليكن أحمد علي (عبد الله) صالح، وحكومة في الجنوب ولتكن بقيادة عيدروس الزبيدي، في ظل قيادة فدرالية برئاسة عبد ربه منصور هادي، والله الموفق".
وفجر أمس، كانت الأمور تخرج إلى العلن في عدن مع سيطرة اتباع "المجلس الانتقالي الجنوبي"، المدعوم إماراتياً، على مقرّات عدة لـ"الحكومة الشرعية"، وأبرزها معسكر اللواء الرابع ــ حماية رئاسية، الذي سقط إثر قصف مقاتلات إماراتية له، ودخول المسلحين على متن عربات ومدرعات تابعة لها.
وكشف مصدر يمني حكومي لقناة "الجزيرة" أن "سقوط اللواء جاء بعد الاتفاق على هدنة برعاية قيادة التحالف العربي"، مضيفاً أن "السعودية تتفرج على ما تقوم به القوات الموالية للإمارات من إسقاط لرموز الشرعية في عدن، وأن الحكومة تعقد اجتماعاتها في قصر المعاشيق وملتزمة بوقف إطلاق النار". كما ذكر القيادي في العمليات العسكرية بمحافظة عدن، عبد الله الشعبي، لوكالة "الأناضول"، أن "قوات عسكرية وأمنية شنت هجوماً عنيفاً على المعسكر، وفرضت حصاراً عليه منذ ليلة الإثنين ـ الثلاثاء قبل سقوطه".
السعودية تتفرج:
وتابعت القوات المتقدمة هجومها، فأحرقت عناصر مسلّحة من الحزام الأمني والمجلس الانتقالي منزل قائد اللواء رابع حماية رئاسية، العميد مهران قباطي، بعد اقتحامه والعبث بمحتوياته. وأفادت مصادر يمنية أن "الأوضاع في المدينة ازدادت توتراً مع محاولة قوات المجلس العسكري التقدم نحو مقار تابعة للحكومة الشرعية.
ووقعت اشتباكات عنيفة أمس في مديرية كريتر، قلب عدن، وفي مواقع متفرقة بمنطقة خور مكسر". وفي خضمّ التطورات الميدانية، أكد مجلس الوزراء اليمني، المنعقد في قصر المعاشيق الرئاسي في عدن، على ضرورة معالجة أسباب التوتر التي أدت إلى التمرد في عدن، محمّلاً المجلس الانتقالي المسؤولية عن سقوط قتلى وجرحى في عدن.
ودعت الداخلية اليمنية التحالف لـ"التدخل سريعاً ضد ممارسات المجلس الانتقالي الجنوبي في عدن"، وقالت إنها "لن تقف مكتوفة الأيدي وستدافع عن نفسها وفق القانون".
أما هادي، فاعتبر أن "المعركة الحقيقية والرئيسية هي مع المليشيا الحوثية الإيرانية، وأي مشكلات جانبية تؤثر على مسار المعركة الرئيسية ينبغي تجاوزها والعمل بشكل كبير للحفاظ على اللحمة الوطنية"، متابعاً أنه "لا يمكن القبول بأي احتكام للسلاح لتنفيذ مشروعات سياسية، وأي تعدٍّ على الشرعية أو مؤسساتها انقلاب حقيقي سيقاومه شعبنا في كل مكان"، وذلك حسبما أوردت وكالة الأنباء اليمنية.
بدوره، أصدر التحالف العربي، بياناً ليل الإثنين، وهو بيان سعودي في الأساس، أعلن فيه أنه "سيتخذ كافة الإجراءات لإعادة الأمن إلى عدن"، فيما يشبه التهديد، إذا ما استمرت الاشتباكات، وبالفعل، تراجعت حدة المواجهات في بعض المناطق، عقب صدور البيان، وامتلأت سماء عدن، بأصوات الطائرات السعودية، التي منعت على ما يبدو، أي تقدّم نحو القصر الرئاسي، الذي يتواجد فيه رئيس الحكومة، ولكنه، وبحكم تساقط المعسكرات الموالية للشرعية، كان قد أصبح في حكم السقوط بالفعل.
الطائرات الإماراتية هي التي حسمت الموقف الميداني:
بالنسبة لمسؤولي الشرعية، لم يكن هناك من شكٍ لدى الكثير من مسؤولين في أن "ما حصل ما كان ليحصل، لو أراد التحالف منع حدوثه، وهو الذي تدخل بعشرات الآلاف من الغارات الجوية، تحت مبرّر دعم الشرعية، ض مليشيا الحوثي وحلفائها".
واعتبروا أنه "ما من شكٍ بأن ما جرى في عدن، بدعم غير محدود، من الإمارات، الدولة التي تتولى واجهة حضور التحالف ونفوذه في المناطق الجنوبية لليمن، فيما الموقف السعودي، الذي ظلّ يراوح في المنطقة الضبابية، ويطلق دعواته لجميع الأطراف، بوقف التصعيد والحوار، لم يكن ليرقى، إلى موقف حازمٍ، بإعلان دعم الشرعية، بقدر ما وقف في المنطقة الوسط مخاطباً الأطراف، من دون اعتماد وصف الشرعية لما يحدث بعمل انقلابي وتمرد مسلح يستهدف الشرعية، في آخر معاقلها. وحتى على مستوى البيان الصادر عن التحالف، الذي أعلن أنه سيتخذ كافة الإجراءات قال إنها لإعادة الأمن إلى عدن، فهو لم يحدد بصراحة، ما إذا كان سيدعم الحكومة الشرعية أم لا".
في عدن، يبدو الانطباع السائد لدى المؤيد والمعارض لـ"المجلس الانتقالي الجنوبي"، أنه، ومن خلفه الإمارات، بات صاحب الكلمة الأقوى وأن الهدف قد تحقق تقريباً، بكسر شوكة "الشرعية"، وإسقاط أهم معسكرات الحماية الرئاسية، وبالتالي فإن بقاء الحكومة من عدمه، لم يعد سوى مسألة وقتٍ وتفاوض.
والواضح أن أبوظبي، باتت هي من يفرض شروطها، على أي تغيير سيقدم عليه هادي، ولطالما ناور الأخير، وتحدى النفوذ الإماراتي، بالإطاحة بمسؤولين ومحافظين من المحسوبين على أبوظبي، إلا أن الأخيرة، وبعد أن تمكن حلفاؤها من فرض الأمر في عدن، ستضمن الكثير من المكاسب، ما لم يكن هناك خطة سعودية مغايرة، تخلط الأوراق على الإمارات مجدداً، وترد على الانقلاب، وهو ما لم تظهر له مؤشرات قوية، حتى مساء أمس الثلاثاء في عدن، فالتحالف الذي تمثله الإمارات، على الأرض، لم يدعم سوى "الانقلاب"، على الشرعية.
ويقرأ اليمنيون الموقف السعودي، من زوايا متباينة، إذ ساد اعتقاد لدى الكثير من اليمنيين في عدن وفي محافظات مختلفة من البلاد، بأن الرياض، تواطأت بشكل أو بآخر، مع التصعيد في عدن، من خلال عدم اتخاذها موقفاً حازماً خلال الأيام الماضية، بدعم الشرعية، بما أدى إلى استمرار انقلاب "المجلس الانتقالي الجنوبي"، المدعوم إماراتياً، وإضعاف موقف الشرعية.
وتبدو الرياض أمام مأزق حرج، قد يكون بمثابة مفترق طرق يؤدي لإنهاء التحالف بين أبوظبي والرياض، إذ إن الكثير من اليمنيين، ينظرون إلى صمت السعودية، إزاء ما يدور جنوباً، على أنه تواطؤ لتقسيم البلاد، وخروج على الأهداف المعلنة لتحالف "عاصفة الحزم" و"إعادة الأمل"، والمتمثلة، بإعادة "الشرعية"، وإنهاء انقلاب الحوثيين، في حين أنجزت أبوظبي، انقلاباً ثانياً في عدن، على غرار انقلاب الحوثيين في صنعاء عام 2014.