في زيارته إلى العاصمة صنعاء قادما من العاصمة المؤقتة عدن.. علق طه عبدالرحمن الفقي، على المرضى النفسيين الذين ينتشرون في الشوارع بصورة ملفتة وغير مألوفة، قائلاً: هالني المشهد للغاية، مضيفاً: بدءا من محافظة ذمار وحتى صنعاء لاحظت انتشار كبير للمرضى النفسيين، فيما في عدن التي كانت تغرق في نفس المشكلة تقلصت كثيرا هذه الظاهرة.
كان الليل يسدل ستاره وهي تحث خطاها بوهن تسأل واقفين ومارين في الشارع ياعيالي هل حصلتوا ولد عنده حالة نفسية وتسرد أوصافه وجميع من تسأله يهز رأسه لا.. انهكها التعب، جلست على الرصيف تجول بنظرها في الأفق لعلها تلمح ولدها دون جدوى.
قالت ابني اسمه خالد عبدالوهاب النصاري، كان قبل الحرب مهندس_ تقصد اخصائي مساحة وطرق _ مع شركة تصلح الشوارع.. الشركة فلست وبسبب عدم وجود عمل، اضطر لفسخ خطوبته من البنت التي تقدم لها، ومع الوقت وتأزم الوضع أُصيب بحالة نفسية.
توقفت عن الكلام ورفعت يدها لتمسح دمعات نزلت من عينيها.. ثم واصلت حديثها لموقع"بلقيس"، ابني خالد قبل الحرب كان سمعي وبصري يعتني بي لأني مصابة بالسكري، وجاءت الحرب وخلت ابني بالشوارع مجنون.
"عائد من الجبهة"
وللطفلة رويدا حسين نازحة من محافظة عمران، حكاية من نوع آخر فهي تصحو مع أمها باكرا لتتوجها كل يوم نحو شوارع صنعاء بحثاً عن أخيها الذي عاد من إحدى جبهات القتال مع الحوثيين.
مريض نفسي وخرج منذ حوالي عام من حيث تقيم أسرته النازحة ولم يعد، ولم يقتصر الأثر النفسي على حاملي مسئولية أسرهم أو شباب بل امتد ليشمل الأطفال.
الطفل محمد علي قناف _ قدم نازحاً من محافظة حجة مع أسرته، مشهد العودة بأخيه الأكبر أشلاء من جبهة الحرب مع الحوثيين، سبب له صدمة نفسية.
ورغم انتقال أسرته إلى صنعاء لم يزل المشهد يلاحقه ليترك أسرته ويفر نحو مكبات مخلفات القمامة ليختبئ فيها ويأكل منها، حد قول والدته لـ "موقع بلقيس".
" الكبت والفقر"
وفي تصريح خاص لـ "موقع بلقيس نت" قال الناشط المجتمعي والتربوي بلال عليان، إن حالات الإضطراب النفسي والمرضي النفسيين في الجغرافيا التي تسيطر عليه جماعة الحوثي إنتشرت إنتشارا ملفتا ومخيفا في فترة الحرب ووصل المؤشر إلى مرحلة الخطر.
ويضيف عليان كوني تربوي معايش للوضع ألخص أسباب ذلك كالتالي: إنقطاع الرواتب وعدم وجود مصادر دخل آخرى، يليها الكبت لكل من يعاني ظروف اقتصادية قاهرة وعدم السماح له للمطالبة بالراتب وإدراج ذلك تحت مسمى الخيانة للوطن وحدث هذا معي شخصياً، وايضا عدم السماح للراغبين في توقيف مهنتهم والبحث على مصدر رزق يعول به اسرته وفرض الإقامة الجبرية عليهم والزامهم الدوام بالقوة أو فرض خيار أصعب وهو الفصل من الوظيفة وحرمانه من حقوقه.
"الضرر النفسي ليس انتهاك"
ومن جهتها المحامية أماني محمود تذكر أن حالات التنكيل والاعتقالات والاخفاء القسري والترهيب المتواصل من قبل جماعة الحوثي للمقيميين في الجغرافيا التي تسيطر عليها، أفرز وضع كئيب ومرعب أحدث صدمات نفسية غالبية من تعرض للقمع والسجن والاخفاء القسري وحتى ذوي بعض ممن عايشوا حالات العنف التي تعرض لها أقاربهم.
وتشير أماني إلى أنها تعرف حالات كثيرة لمعتقلين أُفرج عنهم من سجون الحوثيين وهم في وحالة انهيار نفسي بعضهم تجاوزه وآخرين ظل ملازم لهم تطور إلى مرض نفسي ومنهم من فقد عقله.
وحد تأكيدها، للأسف الشديد إن نتائج الانتهاكات والأضرار المجمتعية غير المباشرة الناجمة عن الحرب لا تعتبر انتهاك في العُرف السائد، وهذا أحد العوامل المساعدة على استمرار بواعث الأزمات النفسية، ناهيك عن غياب الوعي وسط المجتمع اليمني بحقوقه.
ويذكر "ع_ز_ث" موظف ومختص سابق بالمصحة النفسية بصنعاء، بأنه كان في زيارة لاحد زملاء بالمصحة مطلع العام الجاري 2019، وصعق مما شاهده من ارتفاع في اعداد المرضى النفسيين ومن حالة العجز عن مواجهة الاحتياجات.
وبحسب تأكيده في تصريح خاص لـ"بلقيس"، امكانات المصحة كانت متواضعة للغاية وهذا في الظروف العادية، وفي هكذا وضع فإنها ستكون عاجزة عن القيام بدورها.
"الاعلام متهم غير مباشر"
وعما إذا كان الاعلام يساهم في صناعة الأزمات النفسية، توكد الدكتورة سامية عبدالمجيد الأغبري في تصريح خاص لـ "موقع بلقيس نت" بأن الاعلام لا يساهم في صناعة الأزمات النفسية بصورة مباشرة.
وتستدرك ان نقل الاحداث والصور المؤلمة في وسائل الاعلام وخاصة المرئية دون مراعاة تاثيراتها النفسية والسلوكية على الجمهور يعد مخالفا لاخلاقيات مهنة الاعلام.
" أطفال في المصحات النفسية"
تقول جميلة غالب محمود_ كبيرة الاخصائيين النفسيين في مستشفى الأمل للأمراض النفسية_صنعاء، لدينا أكثر من 15 حالة أطفال زارتنا وهي في صدمات نفسية مباشرة أو غير مباشرة، كما أني عايشت حالات أطفال في محافظة عمران جراء القصف الجوي.
وتقدر مؤسسة "التنمية والإرشاد الأسري" عدد المتضررين نفسياً من الحرب بنحو خمسة ملايين و455 ألفاً و348 شخصاً.
وكشفت دراسة صادرة عن منظمة "يمن" لإغاثة الأطفال حول الآثار النفسية للحرب على الأطفال أن 58.2% من الأطفال اليمنيين ممن شملتهم الدراسة ينتابهم الخوف الشديد، في حين يعاني 37% قلقاً دائماًواضطراباً نفسياً.
وأفادت الدراسة التي استهدفت عينة من الأطفال في محافظات أمانة العاصمة وعدن وتعز وأبين، بأن 36.4% من العائلات أفادوا بأن أطفالهم لا يشعرون بالأمان، و32.7% قالوا إنهم يعانون مشاكل في النوم بسبب الخوف من أصوات الغارات الجوية ومضادات الطيران.
وفيما يخص الحلول يقول أمين عام "منظمة أساس للتوعية والتنمية الإنسانية" برهان عبدالله عبدالوهاب الصهيبي، فيما ضحايا الانتهاك والضرر النفسي يتوجب على الدولة أن توفر لهم حياة كريمة، وتحيلهم إلى المؤسسة المختصة بالدولة لتقديم دعم نفسي وإذا ما استطاعت يتم الاستعانة بالمنظمات المجتمعية والدولية في ذات الشأن لتقديم ذلك الدعم.
ويجزم الصهيبي بأنه في ظل الواقع المعاش من المستحيل قيام المنظمات بهذا الدور وبالذات بصنعاء وما جاورها بسبب منع الحوثيين أي نشاط لا يخدمهم.