عاشوراء يوم تقدسه الجماعات الشيعية، وهو من المناسبات التي أسست لها مليشيات الحوثي في أوساط اليمنيين وفتحت قاعاتها ومواقعها للحسينيات على خطى إيران.
أمسيات حسينية بكائية نظمت في أحياء صنعاء ومناطق أخرى من العاصمة وبقية المدن بنفقات مالية مهولة.
من يرفض هذه الحسينيات أو من يرفض أداء القسم في نهاية الفعاليات يعتبره الحوثيون من أعداء الله.
تسيطر مليشيات الحوثي على معظم المحافظات الشمالية ذات الكثافة السكانية، وتعمل على تأسيس دولة شيعية على الحدود السعودية، فيما تفشل السعودية بتأمين حدودها.
منذ عام ونصف لجأت السعودية لتجنيد شباب يمنيين للدفاع عن حدودها، لكن تحشد الحوثي للآلاف اليمنيين تحت لافتة الطائفية مكرهين أو مرغبين سيجعل خط الحدود السعودي خطاً مفتوحاً للنار.
فبعد خمس سنوات من الحرب، أصبح الحوثي أكثر فاعلية، وبات يفرض قواعد الحرب ويشن هجماته بطائراته المسيرة والصواريخ الباليستية المطورة على المطارات والمنشآت النفطية في العمق السعودي.
أكثر قساوة من الحرب
الكاتب والباحث نبيل البكيري يرى أن الحشود الحسينية التي تقيمها مليشيا الحوثي في صنعاء نتيجة طبيعية لتوقف المعارك منذ فترة طويلة وعودة اليمنيين للصراع البيني فيما بينهم في المناطق المحررة ، وترك الحوثي يعبث ويعيد صياغة المجتمع وإعادة ثقافته بطبعة جديدة مخابراتية هجينة بين زيدية وإثناعشرية التي تمثلها جماعة الحوثي اليوم.
وأضاف البكيري، خلال حديثه لبرنامج "المساء اليمني" على قناة بلقيس مساء أمس، إلى أن هذا المشهد هو "الأكثر قساوةً من الحرب نفسها بالنظر إلى أنها تترك ندوبات على جدار الوطن، وتعمل على إعادة فرز المجتمع طائفياً وعقائدياً، وترسيخ هذا الانقسام بفعل هذه الثقافة الوافدة الجديدة التي لم يشهد المجتمع اليمني مثلها سابقاً.
وأردف البكيري إلى أن اليمنيين أمام حالة جديدة من الصراع يتمثل بالأدوات الثقافية والتعليمية التي هي الأكثر خطراً على الإطلاق، لافتا إلى أن مليشيا الحوثي تسعى لإعادة صياغة هوية جديدة للنشأ والأطفال في المدارس بالمناطق الخاضعة لسيطرتها.
وأوضح البكيري إلى أن هذا العمل الذي يجري على قدما وساق سيمثل إشكالية كبيرة في إعادة زعزعة الهوية الوطنية، وتفكيكها وتفخيخها من الداخل بصراعات تاريخية طائفية قديمة لا علاقة للأجيال بها.
وعن مخاطر هذه الثقافة على مستقبل اليمن، قال البكيري إن التنظيم( جماعة الحوثي )الذي كان سرياً تحول إلى تنظيم جماهيري عريض يعبر عن نفسه ويحمل ملامح دولة طائفية مذهبية قامعة للحقوق والحريات ولا تؤمن بوطنية اليمنيين وبالمشتركات الوطنية، وبالتالي-بنظر البكيري- أن خطورة هذا التوجه من أنه سيمثل أهم وأحظر الألغام التي ستكون في طريق أي توجه نحو المستقبل تجاه اليمنيين، وأهم عقبات استعادة الدولة واستعادة اليمن الواحد فكراً وثقافةً.
خطر التعليم
المحلل السياسي عبدالعزيز الهداشي قال إن الحوثي منذ ظهوره وبدايته منتصف التسعينيات لم يخف هذا الأمر( ثقافته الطائفية )، بل جاهر به، لافتا إلى أن كل الظروف مواتية للحوثي حالياً، منوهاً إلى أن الخطر يكمن في استغلال الحوثي للمدارس والمراكز الصيفية الذي كثف فيها من حشد الطلاب وإقامة المراكز، حيث بلغ عدد الملتحقين بهذه المراكز أكثر من 300 ألف طفل، وبالتالي تكمن الكارثة هنا وليس في الاحتفالات والمظاهرات التي يقيمها، يقول الهداشي.
مردفاً إلى أن الخطورة تكمن في التعليم، وفي حال استمر الوضع الجامد ولم يحدث هناك أي حسم عسكري، سنشاهد خلال سنتين وقد تضاعفت الطائفية في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، بحسب الهداشي.
وحول تساؤل: ما إذا كان الحوثي سينجح في تغيير هوية اليمنيين الجمهورية وتحويلهم إلى اماميين، قال الهداشي "إن الحوثي قد نجح في ذلك إلى حد كبير وسيستمر في هذا النجاح طالما لم يكن هناك حسم عسكري".
وبخصوص ما إذا كان الذي يقوم به الحوثيون يدخل ضمن نطاق الحرية الفكرية، قال البكيري إن الحرية الفكرية تكون في إطار وجود نظام وواقع سياسي وتعددية سياسية، لافتا إلى أن الحديث عن حرية فكرية تحت تهديد السلاح وفرض رؤية ووجهة نظر مذهبية طائفية شيء مضحك.
من جهته؛ المحلل السياسي فارس البيل قال إن الحشود الطائفية التي يخرجها الحوثي في صنعاء "رمزية تؤكد طبيعة المشروع الإيراني الذي يريد أن يصل لمرحة تمكين المشروع الشيعي بشكل واضح".
وأضاف البيل إلى أن جماعة الحوثي تسير بخطى ممنهجة بشكل كامل لمرحلة تغيير الهوية وسحب كثير من المفاهيم والقيم بعد تهديمها لصالح الفكر الأيديولوجي الذي تحمله، لافتا إلى أن ما وصلت إليه الحالة في صنعاء هي إشارة كبيرة على أننا نحارب بشكل خطأ، بحسب البيل.
مشيرا إلى أن الحكومة لا تعني بالخطر الأكبر وهو مواجهة هذا الفكر وهذه القيم التي تُغرس بهذا الشكل وهذا التجييش الفكري والطائفي، وهذا التجريف الممنهج للهوية وللثقافة والقيم اليمنية بشكل كامل، مستغربا صمت الحكومة والأحزاب السياسية والنخب والمثقفين عن هذه المشكلة وعمق الفادحة الكبيرة التي سنعاني منها كثيرا بعد أن تضع الحرب أوزارها.