تلك المناطق كانت قبل أن تلطخها الحرب قرى وديعة هادئة تلامس قلوب ساكنيها حتى أصبحوا فجأة يرقبون المكان كل يوم، لعلهم يحظون بمعجزة تعيد لهم أمل الحياة في مساكنهم التي أكلت عليها الحرب سنوات من الدمار والقصف.
هناك في بيت بسيط كان يسكن الشيخ الكفيف "عمر" هو وزوجته الخمسينية والتي لم يكن له أحد غيرها، كانت حياته بين كيس قمح وملحقات الحياة الأساسية تأخذها زوجته من إحدى المنظمات التي تزورها، و بقليل من قوته المتبقية يحاول الصمود أمام ضائقات الحياة المغلقة بحصار مطبق فرضته الحرب في تلك المناطق.
كان يجوب الحاج الكفيف "عمر" كعادته بعصاه القرية النائية لقضاء الوقت وزيارة من تبقوا في المكان، يحاول أن يقضي على الأيام الثقيلة على قلبه بالفكاهة والتجوال المستمر.
النزوح الموجع
ظل الحاج "عمر" مع زوجته في بني حسن منذ البدايات الأولى لحياتهم، كان أعمى ولا يجد من يسانده إلا زوجته التي رفضت النزوح في بدايات الحرب وبقيت معه لا تخاف إلا عليه.
بعد أن غادر كل جيرانهم ظل "عمر" وزوجته وقليل ممن فضلوا البقاء في بيوتهم، لم يجدوا أحد يأويهم إلا منازلهم العتيقة ذو الأبواب الخشبية المتواضعة، ومع مرور أكثر من أربع سنوات من الحرب، واقتراب الحرب من منازلهم قرروا الهرب والنجاة.
في صباح أحد الأيام سمع الكفيف عمر أصوات الرصاص والرشاشات على مقربة من منزله وانتفض فجأة معلناً رحلة المغادرة النهائية للمنزل، حاول جاهداً أن يحمل ما تبقى له من أشياء، لكن لا شيء له من مال يمكن أن يعطيه لصاحب سيارة النقل، الظروف أجبرته على النزوح دون أي شيئ، انعدمت الحياة وصارت مقرونة في قوت يومهم ولا شيء غير ذلك، ومن الممكن أن يكون وجبة واحدة في اليوم فقط.
رحلة قاسية
قال الحاج "عمر" بأنه استمر بالسير وزوجته لثلاثة أيام متواصلة مشياً على الأقدام من منطقة بني حسن حتى وصوله إلى عبس.
وأضاف عمر لـ "بلقيس" وهو يحمل كيساً على ظهره" مشيت لمدة 3 أيام، وأنا والله لا أجد حتى ريال في جيبي، وكلما حاولت مع أحد ليحمل أثاث منزلي، يطلب مني مبلغ من 70 إلى 80 ألف ريال، وأنا أعمى لا أجد ولا أرى شيئًا".
يتابع " لا أولاد لي فيسندوني ولا قريب لدي فيأويني، لا أملك شيء من هذه الحياة إلا الله هو ربي ومعيني".
لا يطلب الكفيف عمر الكثير غير ما يملكه له في بيته من أسرة وفراش ووسائد وقليل من الخشب وقنينة الماء الفارغة كي يجلب بها الماء في مخيم النزوح الذي يبحث عنه للاستقرار فيه.
إلى المجهول
تقول زوجة الكفيف عمر:"نزوحنا من بيوتنا، من أجل البحث عن الأمن والأمان، نريد أن نستقر في مكان إن شاء الله تحت شجرة أهم شيء نرتاح من سماع أصوات الحرب اللي فوق روؤسنا".
لا شيء للحاج عمر ليتكأ عليه، إلا صبر زوجته وعيونها التي تبصر بها الطريق، وكذلك عصاه التي يتلمس بها مسار قدميه خلف زوجته، إنه يضع يده على كتفها ويمشون سوياً، يتجهون نحو الأرض التي يرون فيها الأمان ولا شيء غير ذلك.