متطلبات العيد
ومع استهلال تباشير العيد يتردد الجميع على الأسواق لشراء الملابس والأضاحي وغيرها من لوازم العيد, لكن أغلبهم يعودون لا يحملون شيئاً.
السيد محمود ( 58عاماً) يقف عابس الوجه مكتوف الأيدي بعد أن عجز عن شراء أضحية العيد الذي يطلق عليه "عيد اللحمة" يقول لبلقيس: "أنا لا أستطيع شراء اللحم لأولادي طوال العام, آملاً أن أشتريه كأضحية بالعيد, لكن الأسعار جنونية, تصل سعر الأضحية إلى150 ألف ريال, ها أنا أقف على قارعة الطريق لا أدري ما علي فعله ".
حال محمود هو حال الملايين من أرباب الأسر اليمنية الذين وجدوا أنفسهم غير قادرين على إدخال الفرح إلى بيوتهم حتى في الأعياد بفعل الحرب والفساد المنتشر, فالسيدة منى سالم تشكو أيضاً من عدم مقدرتها على مواجهة تكاليف متطلبات العيد, فهي تعول خمسة أولاد, وزوجها يقبع في أحد المعتقلات الحوثية.
وتقول منى لموقع بلقيس " أريد أن أعوض أطفالي عن اليتم الذي يعانونه من الحرمان من أبيهم, فهم بأمس الحاجة للإحساس بالعيد وللبس الملابس الجديدة والتنزه في الحدائق وأماكن التسلية والألعاب وزيارة أقاربهم, لكن التفكير بذلك يوقظ مضجعي فأنا غير قادرة على توفير ذلك بعد انقطاع راتبي و نفاذ مدخراتي".
وتتابع حديثها لبلقيس: " الجميع يتردد على مراكز ملابس الأطفال لشراء ملابس العيد, لكن أغلبهم يخرجون من تلك المراكز لا يحملون شيئاً, فالأسعار مرتفعة, وأقل سعر لملابس طفل واحد هو ستة آلاف ريال, غير شامل سعر الملابس الداخلية وغيرها من اللوازم, ويصل سعر الحذاء إلى خمسة آلاف ريال رغم رداءة نوعيته".
وتقول الباحثة الاقتصادية غادة سعيد لبلقيس: "أسواق الملابس باتت تفتقر للجودة المقترنة بضعف القوة الشرائية, الأمر الذي ينعكس سلباً على الأسر التي تهدر أموالها في اقتناء سلع رديئة سرعان ما تتهالك, وتؤكد أن غياب الرقابة واتساع فرص الفساد والممارسات الغير قانونية المتمثلة بفرض ضرائب وجمارك وإتاوات غير قانونية يزيد من مفاقمة الأوضاع الاقتصادية والمعيشية للمواطنين.
تسول الفرح
تحت وطأة الشمس الحارقة يتجول الطفل محمد أحمد الذي لم يتجاوز عمره 10 أعوام مع مجموعة من قرناءه في الأسواق على عتبات أبواب مراكز بيع الملابس, يطالبون مرتاديها من الرجال والنساء بشراء كسوة العيد لهم, فلم تعد مهمة توفير ملابس العيد تطارد الآباء فقط, بل باتت تهاجم الأطفال أيضاً, فمحمد هو واحد من بين عشرات الأطفال الذين يتسولون الفرحة من فاعلي الخير بحسب قوله.
يقول محمد لبلقيس: " أبي لا يستطيع شراء ملابس العيد لي ولأخوتي, فهو يعمل جاهداً لتوفير متطلباتنا اليومية من الماء والغذاء, وأنا أتأمل من فاعلي الخير أن يشتروا لنا ملابس جديدة, فهي فرحتنا بالعيد".
ويستمرون في ذلك لساعات طويلة دون أن يتسلل اليأس إليهم, آملين أن يجدو من يدخل الفرحة إلى قلوبهم ويتابع حديثه:" إلى الآن لم يستجيب أحد لتوسلي, لكن البعض يعطيني القليل من النقود وأنا أجمعها عند أمي لعلي أتمكن من شراء ملابس جديدة قبل وصول العيد".
يحن الكثير من الأشخاص لرؤية أهاليهم في الأرياف متمنيين أن تعود تلك الأيام التي يمارسون فيها طقوس الاعياد بين أوساط بيئتهم التي نشأوا فيها, إلا أن ظروف الحرب تقف حائلاً أمامهم.
بعبرات خانقة يقول أنيس لبلقيس:"يقتلني الشوق لرؤية والدي ووالدتي, وأحن لقضاء العيد أنا وأطفالي في قريتي بين أهلي وأقاربي, لكن الحرب قطعت السبيل إليهم, ما عدت أستطيع تحمل تكاليف السفر وخطورته, ولا أدري إلى متى سيظل هذا الوضع يسرق منا العيد وفرحته".