بدأت الحكاية مع الإعلام، حيث عمدت المليشيا مع بداية سيطرتها على البلاد إلى إغلاق كافة وسائل الاعلام التي لا تتبعها، لتصبح هي الجهة الوحيدة التي توجه الخطاب الإعلامي للجمهور في مناطق سيطرتها.
أما العملية الأخطر فكانت في مجال التعليم، إذ عملت وزارة التربية والتعليم التي يديرها شقيق زعيم المليشيا، على فرض تعديلات في المناهج، بما يتناسب مع رؤيتها الدينية والسياسية، أضيفت الكثير من المواد ذات الصبغة الطائفية في المدارس والمراكز التعليمية.
في هذا الصيف كثف الحوثيون جهودهم في إطار ما يسمونه "الحرب الفكرية والثقافية"، لتفتتح الجماعة مئات المراكز الصيفية، والتي تظهر المواد الإعلامية الصادرة منها أنها باتت إحدى دوائر التعبئة الطائفية، ومراكز إعداد لجبهات القتال.
تعمل مليشيا الحوثي على تفخيخ الفضاء العام بخطاب عنف مصبوغ بصبغة طائفية تستدعي صراعات الماضي، وتكرس المفاهيم الطبقية، وتسخر لذلك الإعلام والمراكز التعليمية والمساجد، في ظل تغاضي الجهات الرسمية والمجتمع الدولي عن مخاطر هذا التفخيخ لحاضر ومستقبل البلد.
طول أمد الحرب يعطي الحوثيين مساحة أكبر لتجريف الثقافة الوطنية، وتدمير مكونات الهوية اليمنية، وفكرة الدولة الحديثة، وأمام هذه المخاطر لا يبدو أن الحكومة الشرعية واجهزتها المختصة معنية بالآثار المستقبلية لما يحدث.
قد يتجاوز اليمنيون الحرب العسكرية في أي فرصة، لكن الفكر الذي تعمل المليشيا جاهدة على زرعه سيكون قد فرخ معوقات تهدد المستقبل إذا لم يتنبه اليمنيون اليوم لحجم الكارثة.
عملية اجتثاث
عضو مجلس النواب شوقي القاضي قال إن مليشيا الحوثي "تجتث" أصالة وعراقة الشعب اليمني والأطفال اليمنيين من خلال اعتماده على منهج لا يقوم على أصول علمية ولا على أصول مذهبية، بل تقوم على منهج أقرب إلى الاجتثاث والعبث.
القاضي أوضح خلال لقائه أمس الخميس في برنامج "المساء اليمني" على قناة بلقيس أن ما تسمى المراكز الصيفية التي تقيمها مليشيا الحوثي هي عبارة عن معسكرات تجنيد للأطفال لاستخدامهم كوقود للمعارك.
لا يمكن الجلوس مع الحوثيين-بنظر القاضي- في أي حوار يمني-يمني، أو حوارا عربيا حوثي، أو حتى حوار دولي حوثي، بل لا بد من الجلوس مع إيران؛ لأن مليشيا الحوثي ليست كيان منفصل، ولا كيان منسق، ولا كيان تربطه علاقة، بل هي(المليشيا الحوثية) عبارة عن كيان مصنوع استخباراتيا، بمعنى هي كيان استخباراتي لإيران، بحسب القاضي.
خلاف فكري
ومن جهته؛ الكاتب والباحث ثابت الأحمدي وصف الخلاف مع جماعة الحوثي بأنه خلاف فكري ثقافي قبل أن يكون خلافا سياسيا وعسكريا.
وقال الأحمدي إن الحوثيين يقتلون اليمنيين ويستعدون كل من سواهم مستندين إلى نظرية تاريخية صلبة وضعها إمامهم الهادي منذ مئات السنين، وبالتالي يقتلون اليمنيين من منظور ديني ومنظور عقائدي.
ولفت الأحمدي إلى أن الاشكالية التي يعانيها اليمنيين اليوم هي في بطون الكتب قبل أن تكون سلاحا ماديا على أرض الواقع.
وبخصوص المراكز الصيفية التي أقامتها مليشيا الحوثي في مناطق سيطرتها، أوضح الأحمدي إلى أن هذه المراكز عبارة عن معسكرات صيفية، وهي واحدة من الآليات التي يحشدون بها من أجل مواجهة الجماهير بعد استنفاذهم لكل شبابهم المؤدلج الذي تم بناءه خلال السنوات والعقود الماضية في الجبهات، وبالتالي لجأت المليشيا إلى الاهتمام بالمراكز الصيفية والدفع بأبناء القبائل وطلاب المدارس إلى هذه المراكز من أجل الزج بهم إلى الجبهات.
تجريف الوعي
"الأمر خطير وكارثة، وربما يفوق الدمار الذي لحق باليمن في بنيته التحتية وما أزهقت من أرواح، لأنها عبارة عن كارثة عقدية فكرية تربوية دينية يتعرض فيها الجيل لاجتثاث هويته الإسلامية"، يصف شوقي القاضي المآل الذي ينتظر اليمنيين من خلال استمرار المليشيا في فتح المراكز الصيفية وتعبئة الأطفال.
وبهذا، تكمل مليشيا الحوثي مهمتها في تمزيق النسيج الاجتماعي وإعاقة فرص السلام، وتحفر في الجسد اليمني جرحاً لن يندمل قبل سنوات طويلة.
وكانت مليشيا الحوثي أعلنت، بداية الشهر الجاري، تدشين مراكز صيفية في العاصمة صنعاء والمحافظات الخاضعة لسيطرتها، بعد خطاب متلفز لزعيمها عبدالملك الحوثي، حث فيه الأهالي إلى إلحاق أبنائهم في المراكز الصيفية التي فتحت أبوابها، وسخرت المليشيا وسائلها ومنابرها الإعلامية والمساجد لحث الأهالي على ضرورة إلحاق أطفالهم بهذه المراكز الصيفية الطائفية، وسط تحذيرات من خطورتها على الأجيال والمجتمع اليمني مستقبلاً.