ليس ذلك فحسب، يرى مراقبون ان ثورة 11 فبراير 2011 لم تكن إلا تتويجا وامتدادا لحالة الثوران التي فجرها الحراك الجنوبي السلمي في 2007م، كحركات احتجاجية اجتماعية سلمية، ترفض الظلم.
في الواقع، لم تكن الفعاليات في محافظات الشمال، بعيدة في يوم من الأيام عن قضايا الشارع الجنوبي. حين تصدت قوات الأمن للمظاهرات في المنصورة بالقمع المفرط وسقط أول شهيد في الثورة.
خرجت مظاهرات في عدة محافظات وفي مقدمتها تعز للتنديد بالحادثة. كثير من النخب الجنوبية، كانت تجأر بالشكوى من عدم الانتفاضة الحقوقية في مناطق الشمال ضد نظام صالح.
وصل الحال ببعض هؤلاء في ذروة احتجاجات الشارع الجنوبي إلى توجيه اتهامات قاسية للشماليين باعتبارهم خانعين ولديهم قابلية للظلم.
شيئا فشيئا، بدأت بوصلة الشارع الجنوبي تنحرف إلى دعوات عنصرية ومزاج انفصالي نزق لم يكن خاليا من العنف ضد المواطنين والعمال من أبناء المناطق الشمالية.
ولم يتغير هذا المزاج، رغم توحد مطالب الشارع اليمني كله في ثورة 11 فبراير. دفعت ساحة تعز النصيب الأكبر من الضحايا برصاص قوات صالح.
لكن كلما قربت ساعة الخلاص، تمازجت مواقف بعض فصائل الحراك الجنوبي مع ذات المواقف التي تبنتها مليشيا الحوثي. كان الحراك أوضح موقفا تجاه فبراير.
وصفت الثورة بعديد أوصاف منها: حالة ثورية لم تكتمل، بارقة أمل انطفأت، ثورة مسلوبة، ثورة فاشلة. هذه الأوصاف جاءت عقب اعلان اللواء علي محسن الأحمر انضمامه للثورة.
وبنفس التقدير الذي تبنته مليشيا الحوثي، رأت النخب الجنوبية بأن الثورة آلت إلى القوى التقليدية والمتنفذة والتي خرج الشعب ثائرا عليها.
لم يشفع لفبراير الثورة ان أتت برئيس جنوبي لأول مرة، وكذلك رئيس حكومة من الجنوب، وذلك في دلالة رمزية لا تخلو من دلالة. وقفت كثير من النخب الجنوبية مكتوفة الأيدي تجاه عمليات الانقلاب التي اقادتها مليشيا الحوثي في مناطق الشمال ضد الرئيس هادي.
كان الاعتقاد السائد لدى الكثيرين بأن المحافظات الجنوبية، ستظل في منجى من الجائحة الحوثية. وحين تحركت طلائع أولى قوات صالح تجاه عدن، تصدت مظاهرات تعز لتلك القوات، وسقط قتلى وجرحى.
دخلت تعز في خط المواجهة مع مليشيا الحوثي وقوات صالح، ولازالت تدفع الثمن حتى اللحظة للمرة الثانية منذ العام 2011م. آلاف القتلى والجرحى والأطراف المبتورة، فضلا عن تعرض المدينة لحصار خانق من جانب المليشيا.
القوات المدعومة بآليات عسكرية ثقيلة من الإمارات وغارات التحالف، توقفت في أطراف تعز بعد تحرير عدن. لاحقا توجهت هذه القوات نحو الساحل الغربي للمدينة.
وبدعم من الإمارات، تشكل المجلس الانتقالي الجنوبي كسلطة موازية للحكومة الشرعية في عدن والمحافظات الجنوبية. أطلق المجلس في البداية عدة تحذيرات ضد حكومة بن دغر وأتهمها بالفشل والإفلاس وهدد رئيسها بالعقاب "بشكل لا يتمناه أحد".
كرر رئيس المجلس عيدروس الزبيدي في خطاباته الاتهامات للحكومة للفشل، ونصب نفسه وصيا على المحافظات الجنوبية، قائلا أنه سيأخذ زمام المبادرة.
وقبل أسبوعين، قادت القوات الموالية للمجلس الانتقالي أول محاولة انقلابية في عدن ضد القوات التابعة للشرعية، وسقط على إثرها قتلى وجرحى من الطرفين.
رغم تدخل قوات التحالف في إعادة الأوضاع المضطربة بعدن إلى ما قبل المحاولة الانقلابية الفاشلة، لا زالت الأيادي قابضة على الزناد، والوضع قابل للتفجر في أي لحظة.
ما يزيد الوضع تعقيدا، استضافة المجلس الانتقالي نجل شقيق صالح العميد طارق محمد عبد الله صالح والذي فر إلى عدن بعد المواجهة المحدودة التي قادها مع عمه في صنعاء ضد مليشيا الحوثي.
تؤكد مصادر محلية انه جرى تشكيل معسكر جديد خاص به في منطقة بئر أحمد من قوات ما كان يعرف بالحرس الجمهوري والقوات الخاصة.
وظهر طارق صالح خلال الأيام الماضية إلى جانب رئيس المجلس الانتقالي عيدروس الزبيدي في جبهة مريس بمحافظة الضالع.
مثل هذه الخطوات، مثيرة للتساؤلات، عن سر الحنين إلى عهد صالح، رغم الاتهامات العالقة في الذهنية الجنوبية على مدى سنوات بقمع قواته لإحتجاجاتهم السلمية وتعميق مأساتهم.
لا تبدو المهمة، بعيدة عن سيناريو الثورة المضادة. يقول الباحث والناشط الحقوقي، محمد الأحمدي، ان من مظاهر الثورة المضادة في المناطق المحررة جنوبا، إضعاف السلطة الشرعية التي جاءت بها ثورة فبراير وتقويض صلاحياتها وتشويهها.
كما هي أيضا تصفية المؤسسات العسكرية التابعة للشرعية، والتضييق على الحريات والناشطين ومصادرة الحقوق وبناء نظام أمني بوليسي قمعي لا يخضع للقانون ويمارس التعذيب وينشئ سجونا سرية.
ويشير الأحمدي إلى عمليات اغتيال قادة ورموز المجتمع والذين كان لهم دورا حاسما في حشد المجتمع لمقاومة اجتياح مليشيا الحوثي وصالح للجنوب، حسب تعبيره.
موضحا المفارقة: استضافة ضباط وقوات تابعة للرئيس المخلوع صالح.
من الواضح ان هذا المخطط تقف ورائه دولة الإمارات، لكن ما هو موقف الشارع الجنوبي من كل هذا العبث الذي يجري باسمه؟