انطلاقاً من هذه الأسئلة تحدثنا مع عينة من الصحفيات والإعلاميات اليمنيات بحثاً عن إجابات تجسد واقعهن اليوم.
تركة ثقيلة
تقول الاعلامية والناشطة وداد البدود إن مقتل الاعلامية جميلة جميل في صنعاء وإخلاء الجميع مسئولية المتابعة للكشف عن مصيرها أسوأ انتهاك أورثته الحرب للاعلامية اليمنية، فجثتها ما زالت حتى الآن بالثلاجة ومُنع فتح ملف قضيتها، بل إنه حين قررت مع عدة زميلات متابعة قضيتها تلقين تهديدات بالقتل فلزمن الصمت خوفاً من أن تتكرر مأساة جميلة.
وتضيف البدوي في تصريح خاص لموقع "بلقيس"، بسبب الحرب تأثرت الإعلامية اليمنية تأثراً كبيراً بشكلٍ مباشر بفقدان عملها ومصدر عيشها، وبشكل غير مباشر أصبحت غير قادرة على العمل مع جهة محسوبة على طرف ما والتخلي على مبادئ واخلاقيات العمل والمهنة وعافته كثير إعلاميات وفضلن البقاء في منازلهن يعشن الحرمان والفقر، وعلى الطرف الأخر آخريات عن قناعة أو بدواعي الحصول على المال لتوفير احتياجتهن قبلن العمل في هذه الأجواء وصرن محل تهكم هذا الطرف وجمهوره أو ذاك وجمهوره، وهذا يترتب عليه مخاطر قد لا تستشعرها الاعلامية حالياً إلا أنها قد تدفع ثمنها مستقبلاً.
أما الإعلاميات اللآي حاولن التعبير على أرائهن طالهن حملات تشهير وشتائم عبر شبكات التواصل الاجتماعي وتهديد ومضايقات ومنهن من اضطررن إلى لزوم الصمت وحتى اغلاق حساباتهن وآخريات رفضن الصمت وهؤلاء تحولت حياتهن إلى جحيم، حد تأكيد البدوي.
قلق الأقارب
ذوي وأقارب الإعلامية اليمنية ايضا صار يسكنهم خوف وقلق من مصير يتربص بمن كانت تمثل لهم مصدر فخر بعملها إعلامية، وهذا حال الصحفية برديس معوضة متزوجة ولديها ولدين وبنت.
تقول برديس لموقع "بلقيس" قبل الحرب كان زوجي يتحمل كثير من أعمال البيت لاتمكن من ممارسة العمل الصحفي وكان يشجعني على الدوام، ومع ازدياد حالات الاعتداء على الاعلاميات أحسست أن شيء يقلقه وعندما سألته وبكل حب أخبرني أنه قلق لأجلي من تزايد المخاطر التي تحدق بالصحفيين_ ات، وأضاف بأسلوب فيه كثير من الرعب قائلاً: يا برديس إني أخاف أن يمسك مكروه فبدونك الحياة مستحيلة، لن استطع تحمل خبر اختطافك أو تعرضك لاعتداء، اعتبري فترة الحرب إجازة لك.
"أعدك أعوضك عما كنتٍ تحصلين عليه من عملك وأساعدك بعمل البيت وتربية أطفالنا على الدوام، أريدك أن تكوني بخير فحتى أطفالنا الصغار صاروا يقلقون عند خروجك من البيت وتأخرك لبعض الوقت" كانت تتحدث برديس بفخر عن موقف زوجها وكيف أيدها على قرار رفضها العمل في وسائل إعلام موجهة.
وكان أخر ما قالته برديس" في زمن الحرب: الحقول الشائكة تطوق الاعلامية اليمنية".
إحباط أكبر
وفي حديثها لموقع "بلقيس" تقول الصحفية عبير محسن، إن أسباب إحباط الإعلامية اليمنية في زمن الحرب أكبر، إذ أنها وفي الظروف الطبيعية تحارب كي تواصل مسيرتها المهنية، فكيف سيكون حالها في هذه الأوضاع غير العادية، فقد طالت إختطافات بعض العاملات في الحقل الإعلامي والإخفاء القسري ولا يمكنني الجزم بأن الاعلامية في الشمال تعاني أكثر من الاعلامية في الجنوب أو العكس فإن مما للا شك فيه أن كلا الوسطين ملوثين بالنزعة المتطرفة المنحازة لأحد الجهات.
وتذكر محسن وهي صحفية عمرها الصحفي بعمر زمن الحرب التي اشتعلت باليمن، بأن الصراع الدائر في اليمن حرب إعلامي أكثر من كونه حرب بالجبهات ما جعل الوسط الإعلامي غير ملائم للعمل المهني الذي يعنى بالحياد ويهتم بايصال الحقيقة دون تأثر أو إنحياز لأحد الأطراف المتنازعة وهذا ما جعل اعلاميين ومثلهم اعلاميات يرفضون الواقع الاعلامي المعاش ويفقدون وظائفهم إما من تلقاء أنفسهم أو من رؤساء الأعمال الذين يزيحون كل من لا يتفق معهم، وهذا شيء محبط جداً على الأصعدة المهنية والمعنوية والأهم المادية إذ أن التوقف عن العمل يعني توقف الإمداد المالي الذي قد يعيل أسرة أو على الأقل الإعلامية.
يخدم أجندات
وتتفق الدكتورة سامية عبدالمجيد الأغبري استاذ مساعد بكلية اعلام جامعة صنعاء، مع الصحفية محسن، وحسب الدكتورة سامية مؤسف للغاية الوضع الذي وصل إليه واقع النسبة العظمى في حقل الاعلام اليمني، فقد صار متحيزاً لطرف من أطراف الصراع ويخدم أجندات أصحاب النفوذ وتجار الحروب في الداخل والخارج.
وتختم الدكتورة الأغبري تصريحها لموقع "بلقيس" قائلة وتبعا لذلك استخدم الاعلام لزيادة التوتر الاجتماعي وحدة الصراع والاستقطاب لخدمة طرف ما استخداما ممنهجا وسيئا.
التهميش هو الأصعب
ومن واقع تجربة مريرة تقول الصحفية فيروز اليريمي بالنسبة لتأثير الصراع الحاصل في اليمن فقد أثر جداً على العمل الاعلامي بشكل عام وعلى وضع الاعلاميات تحديداً في البلاد، وكما هو واضح أصبح لكل طرف في الصراع جيش اعلاميين وكلاً يرى انه على حق، فإن لم تكن معي فأنت ضدي.
وتضيف اليريمي في حديثها لموقع " بلقيس" اثرت هذه الحرب جداً على وضع الاعلاميين والاعلاميات بشكل واضح، فلو تحدثنا عن الاعلام الرسمي في اليمن للاسف فهو يعتبر كالتركة، وتتغير لغة الاعلام حسب توجيهات السلطة الحاكمة، أما بالنسبة لوضع الاعلاميات اليمنيات للاسف منتهك، ولا تملك حق الحديث بما يدور في ضميرها بكل حرية وشفافية، فإذا كانت موجودة ضمن حدود طرف معين عليها أن تعادي ذلك الطرف الآخر وتغض البصر عن اخطاء السلطة الواقعة.
أما بالنسبة للاجور المالية فتحدد بنسبة تمجيد وتهليل القيادة وإلا فلتمت جوعاً، علماً أن نسبة كبيرة من الاعلاميات في الداخل اعتزلن قسراً ممارسة العمل الاعلامي فبالنهاية لا توجد حرية تعبير وكذلك لا تستطيع مغادرة البلاد بحكم العادات والتقاليد، والخلاصة الوضع ما بين المطرقة والسندان.
وفيما يخص من غادرن اليمن، تؤكد اليريمي بأن الاعلاميات في الخارج لا يختلف وضعهن عن الداخل، ولكن الأصعب في الخارج هو التهميش والتخلي فلا تستطع الاستمرار بالغربة ولا تستطيع العودة للبلاد.
وتوضح اليريمي بأن حجم الانتهاكات التي طالت الاعلاميات اليمنيات كبير جداً.
وبلغة مشوبة بالحرقة تقول اليريمي شخصياً تعرضت لمضايقات ومراقبة ومطاردة بالسيارات ورسائل تهديد وتهم تخوين وطابور خامس، وتم تفتيش منزلي عدة مرات بسبب توجهي ضد جميع من يعبث بوطني، وبعد استشهاد الرئيس السابق توقفت عن ممارسة عملي وذلك بسبب عدم وجود حرية أو حماية.. مضيفة بأن الواقع مكتظ بالتخوين والتقسيم في الداخل والخارج.
حرب وشتات
الاعلامية سامية العنسي_ إذاعة صنعاء، في حديثها لموقع "بلقيس" قالت في ظل تراكمات من الغبن والتجاهل وانتقاص الحق والمكانة وغض الطرف عن أهمية الوجود المهني للاعلامية اليمنية إلى جانب زميلها وتأثيرها الإيجابي في رفد مفردات الرسالة الإعلامية واكتمال غايتها فقد نال كل هذا الوجع من وضعها الأدبي والمادي والمجتمعي في زمن السلام فكيف تُرى سيكون وضعها في زمن الحرب والشتات.
وتضيف العنسي إن الاعلامية اليمنية تعاني تبعات مواقفها.. في زمن الانقسام والاختلاف والخلاف الدامي لاسيما إذا رفضت كغيرها كل مايجافي قيم الاعلام وأمانة الكلمة.
وحد قول الاعلامية سامية العنسي قد تحول الإعلام باليمن إلى اللا إعلام.. ومن إعلام الوطن والقضايا والقيم إلى إعلام التمجيد والتطبيل وتعزيز رسالة الانتماء الحزبي والمذهبي على حساب ثوابت وطن وهوية أمة، وفي هكذا وضع لاشك أن اوضاع الاعلامية اليمنية زادت تدنيا ومأساوية خاصةً مع انقطاع الرواتب والشلل العام الذي اصاب حركة الناس والحياة والعمل في مقتل وجعل اعباء المعيشة وعوز الحاجة تضطر البعض من الاعلاميات الى الانحياز والتعصب لجهات اعلامية تخدم اجندات معينة على حساب قضايا واوجاعهم وكرامة وطن وثوابته.. او ان يضطر البعض منهن الى اتخاذ موقف الحيادية في رفض مثل هذه الرسائل الاعلامية والتوقف عن اي نشاط او عمل اعلامي.
لتعيش الإعلامية في أسوأ الاوضاع التي نالت من مكانتها والكثير من حقوقها في وقت نالت الحرب ايضا من مهنة الإعلام كرسالة وقيمة وفضيلة مثلما نالت ايضا من مكانة مواطن ووطن وكرامة شعب وأمة.
تساؤل
وعن دور نقابة الصحفيين اليمنيين تجاه الاعلامية في زمن الحرب تجيب الاعلامية وداد البدوي وبحسرة النقابة هي الآخرى تنتهك الاعلاميات بتجاهلها لوضعهن.. النقابة اختزلت حقوق الاعلاميات في 3 أسماء وهن اعلاميات قريبات من الأمين العام السابق، ويسري نفس الحال في التعامل مع الصحفيين إذ لا تهتم النقا إلا بأصدقاء أعضاء مجلسها فقط.. للأسف نقابة الصحفيين خذلتنا وتستثمر في الانتهاكات.
وتتسأل البدوي اين صندوق دعم الصحفيين اليمنيين في مرحلة الحرب والذي أعلن الأمين العام السابق عنه وأنه بدعم من اتحاد الصحفيين الدوليين.
ختم تصريحها بالقول نحن ننتقد نقابة الصحفيين ليس بقصد التشهير بل للتحفيز لأننا نخشى أن يستغل طرف غير شرعي غيابها ويستحوذ عليها وبذلك نكون فقدنا نقابتنا التي نأمل أن تغطي مظلتها الجميع دون تمييز.
وتتفق معها الاعلامية فيروز اليريمي، وبسؤال حزين تتسأل اليريمي اين هي نقابة الصحفيين اليمنيين من هذا كله، ولماذا اسمي للأسف ليس مسجلاً بالرغم من كوني مذيعة منذ أكثر من 10 سنوات، النقابة أغلبنا نسمع عنها لكنها غير موجودة ولا نلمس تأثيرها، فقد واجهت وأواجه كل مشاكلي بنفسي.
فيما تقول الاعلامية سامية العنسي كيف يمكن لي أن اتحدث عن دور نقابة الصحفيين في زمن الحرب والانقسام والتشرذم، ولم استشعر بدور هذه النقابة وأثرها وادوارها الفاعلة تجاه قضايا ومشاكل ومظلومية الاعلاميات في زمن السلام.
وتضيف النقابة مع الاسف لم ترتق بدورها ومهامها لكل منتسبي الاعلام بكل وسائله بقدر ما اهتمت وانشغلت بمنتسبي الاعلام المقروء من باب تفعيل مهامها لا انطلاقا من إيمانها بواجباتها تجاه تبني قضايا الا
علاميين ومشاكلهم والتعبير عن مواقفهم وموءآزرتهم حيثما يكونون
المساحة الوحيدة
وحيال ماذا قدمت نقابة الصحفيين للاعلامية اليمنية في زمن الحرب يقول عضو مجلس النقابة الصحفي والناشط نبيل الاسيدي: للأسف الشديد الزميلات الاعلاميات هن الاكثر خساره في هذه الحرب، فقد فقدت الكثير منهن أعمالهن وتقلصت فرص العمل لديهن بالاضافه إلى ما افرزته الحرب من تضييق على الحريات الشخصية المتعلقة بالمرأة العاملة بشكل عام والاعلامية بشكل خاص.