عمل الشرعبي خلال سنوات غربته على بسطته الخاصة بأحد شوارع الرياض ببيع أنواع قليلة من الخضار مكتفياً بالقليل من الربح حتى ألقت الأجهزة الأمنية القبض عليه وأودعته سجناً خاصاً بالمجهولين استعدادا للترحيل.
تلقى ورفقائه داخل السجن ألواناً شتى من المعاملة اللاإنسانية والمهينة.
ازدحام شديد داخل غرف مكتظة بالموقوفين شديدة الحرارة ولا تمتلك وسائل التهوية ، وحرمان من الماء والطعام وتكبيل اليدين والقدمين بالسلاسل والكلبشات وربط المحتجزين ببعضهم بالسلاسل خلال عملية الترحيل، بحسب وصف الشرعبي لـ " بلقيس " .
يطلق الشرعبي تنهيدة طويلة ويضيف : الحرارة الشديدة في الزنزانة تجعل المحتجز يكاد يموت من العطش لكن طلبه الماء أو الطعام يقابل بصنوف من الشتم والألفاظ المهينة من قبل حراسة السجن الذين لا يتوقفون عن الإمعان في إذلال الموقوفين.
ويؤكد إن الجندي السعودي يستطيع إهانتك أو ضربك وشتمك كيفما يشاء من دون رقيب ولا حسيب ولا تستطيع الرد عليه ولو بكلمة فالسلطات السعودية تصدق كل ما يقوله الجندي ولو كان افتراء وكذب.
الرشوة أو الترحيل
لم تكن هذه المرة الأولى التي يحتجز فيها الشرعبي وتصادر محتويات بسطته فقد تم احتجازه مرتين سابقتين وأفرج عنه ولم يرحل لدفعه 2500 ريال سعودي كرشوة لأحد الضباط عبر وسيط محلي لكنه هذه المرة رفض تسليم 3000 ريال رشوة بسبب تشديد الأوضاع التي بسببها قد يتم احتجازه خلال أسبوع واحد من الإفراج عنه.
وبحسب الشرعبي فان الأجهزة الأمنية وبعض المواطنين صاروا خلال السنوات الأخيرة أكثر عداء لليمنيين وتغيرت معاملتهم كثيرا وينظرون لليمني كمصدر خطر على بلادهم أو كأنه ينتمي لمليشيات الحوثي ولم يعد إلا القليل من الناس يتعاملون بطريقة حسنة ويقدرون الظروف التي تمر بها اليمن والأسباب التي دفعت أبنائها إلى الهجرة.
عمل الشرعبي في بسطة لبيع الخضار بسعر أقل من سعر المحلات جعل بعض مواطنين المملكة يغضون الطرف عن وجود الشرعبي وغيره من اليمنيين المجهولين كايدي عاملة رخيصة لكن التشديد الأمني جعلهم يتخفون أغلب أيام الأسبوع في مساكنهم ويخسرون ما جمعوه خلال أيام عملهم القليلة مما أهدر سنوات غربتهم وجعلها في مهب الريح.
ويعيش اليمنيون المغتربون وخاصة المجهولون شظف العيش والغربة ويقتصدون في نفقات كل شيء حتى المأكل والمشرب والمسكن.
يقول الشرعبي نذهب للأكل في المطاعم ذات الأسعار الأقل أو التي تقدم لحقة الأرز مجانية ونسكن مجموعات في عزب متواضعة لعلنا نستطيع توفير المال ولا تذهب غربتنا هباء ودون جدوى.
ولا تختلف معاناة المغترب اليمني الحاصل على الفيزة عن معاناة المجهولين فالكفيل يمتص جهده وعرقه وماله وتكبله الدولة بقيود رسوم الإقامة والعمل والضرائب وتحوله إلى آلة تدر لها المال .
سنوات مهدورة
وبحسب البيانات الرسمية لوزارة الداخلية بالمملكة العربية السعودية فالشرعبي واحد من بين 860 ألف مغترب يمني يعيش بطريقة غير شرعية يعملون في مهن يدوية متنوعة ، ويعاني هؤلاء المجهولون أوضاع معيشية صعبة وعدم استقرار ، ويكافحون بجد من اجل إعانة أسرهم ولكن على الرغم من أن المملكة التي تقود التحالف لدعم الشرعية تعلم يقيناً ما سببته الحرب على معيشة الناس في اليمن إلا أنها لم تقدم لهم أي تسهيلات ، ولم تعف المغترب اليمني من الرسوم والجبايات التي شرعنتها في قوانين العمل.
لم تحقق غربة السنوات الخمس التي تبددت بعيدا عن الأهل والوطن والتخفي عن عيون الشرطة وكابوس الترحيل حلم الشرعبي في جمع المال الكافي للزواج وبناء منزلا صغيرا لبدء حياته الجديدة ، وعاد إلى بلده خالي الوفاض ، يفكر بمبررات يسوقها إلى أهله وأبناء منطقته حول غربته وأمواله التي يفترض أن يجمعها خلال هجرته .
يقول الشرعبي بصوت يختلط بالحسرة والألم كرهت الغربة وكل معاناتها ورحلت هذه المرة وأنا لا أنوي العودة مطلقا إلى السعودية لكني ما أن وصلت إلى اليمن ورأيت أوضاع البؤس والفقر التي يعيشها الناس وطوابير من المتسولين تغرق الشوارع والطرقات احترت في أمري ولا ادري ماذا أفعل؟