في شمال اليمن وبالقرب من مديرية حرض الحدودية مع المملكة العربية السعودية، كانت " هاربة " تسكن في قرية شليله بمنطقة بني الحداد، لقد كانت سليمة من كل ما أصيبت به، وفقدت بصرها بعد ذلك بوقت قصير بسبب القهر الذي أصابها و استقر في عينيها، وصارت ترقد على سرير مهترئ مصنوع من الخشب.
قصة النزوح
تروي "هاربه" لـ "بلقيس" مأساة نزوحها ودموعها تنهمر على وجهها، وتئن طوال الحديث، تبكي والألم ينخر جسدها، والعجز يقيد جميع حواسها، عانت العجوز من قصة نزوح قاسية حين غادرت قريتها، وسارت على قدميها من قريتها حتى وصلت إلى منطقة الربوع التابعة لمديرية عبس بمحافظة حجة.
قضت العجوز الكثير من وقتها وهي تعاني من النزوح في صحاري وقفار الأماكن التهامية الحارة، كابدت الكثير من الأسقام والأمراض، حتى وصلت إلى الحالة التي رأيناها عليها بعد أن غادرت بيتها.
فقدانها للنظر
بعد مرور الكثير من الوقت بدأت العجوز المسكينة تفقد بصرها تدريجياً، وتقول:" كنت أرى كل شيء ولكن بدأ النظر عندي يضعف، والآن لم أعد أرى أية شيء"
وفي حديث لبلقيس معها عن قيامها بزيارة أي مركز طبي لتشخيص حالتها، أجابت أنه لا توجد مراكز طبية خاصة بمرضى العيون في محيط سكنها وهو ما جعلها غير قادرة على العلاج.
تواصلت بلقيس مع طبيب عيون بمحافظة الحديدة من أجل تشخيص حالتها، وبعد أن تم شرح حالتها استنتج الدكتور "محمد" أن الحالة قد تكون إما مياه بيضاء أو أنها بحاجة إلى عملية وتدخل جراحي سريع يمكن أن ينقذها ويساعدها لحل مشكلتها التي تعاني منها.
كسر فخذها
قد تتراكم على هاربة كل أوجاع الدنيا ولكنها راضية بقضاء الله، هذا هو حالها الذي تبدو عليه وهي تستمر في شرح قصتها قائلةً "بعد أن أصبت بالعمى كنت أحاول التنفيس عن نفسي والتحرك من مكان إلى آخر ويكون قريب من خيمتي التي نزحت إليها، وفي أحد الأيام سقطت فكسرت رجلي في منطقة الفخذ ".
وتضييف :" كنت أخدم نفسي في كل ما أحتاج إليه، هذا وأنا عمياء بسبب تشتت أسرتنا، كما لا يوجد لدي أحد يساعدني، وبعد أن كسرت رجلي، أخذني فاعلو خير وابنتي التي نزحت هي وزوجها بمنطقة الربوع، وضعوا لي الجبس عليها ولكن لم تشفَ".
ومع استمرار معاناة فقدانها لبصرها والتي كانت تطرق وقتها كل أماكن فاعلي الخير من أجل انقاذها، استمرت معاناتها حتى كسرت رجلها فصارت مقعدة لا تستطيع الحركة ولا حتى قضاء حاجتها.
سوء التعامل
نتيجة لإصابتها بالعمى والتي ترافق مع مرحلة نزوحها وإصابتها، وهو ما جعلها مقعدة طوال 3 أشهر حسب توجيه الطبيب المداوي لها التابع لأحدى المنظمات، وبعد هذه الفترة ذهبت من أجل إبعاد الجبس مع رجلها لكن تفاجأت بردة فعل الطبيب بأحد المستشفيات بمركز محافظة حجة، وقالت: " بعد أن مر شهرين من الوقت تم تحويلي إلى مستشفى بمحافظة حجة، وعند رؤية الدكتور للجبس عمل على إعادتي إلى "الربوع"، وكل ما اعطاه لي هو قليل من الحبوب المهدئة للألم فقط ".
ونقلت بالحرف الواحد أن الطبيب قال لها :" إرجعي عند اللي عالجك أول مرة "، وهو ما يعني أن عملية تجبير فخذها لم تكن بالطريقة الصحيحة، لتظل معاناتها تتضاعف، ولعلها في حديثها ل "بلقيس" تتمنى أن تجد من يمد لها يد العون والمساعدة ليجعلها ترى الحياة مرة أخرى وتستطيع بعدها السير على أقدامها للقيام بمهامها تجاه نفسها.
تبقى "هاربة" واحدة من ملايين القصص للتشتت والقهر والمرض والنزوح والعجز التي لا تتمنى معها شيئا في هذه الحياة غير أن ترى بعينيها وتسير على قدميها، ليكتب لها التحرر من قيودها التي حبستها في مكانها.