وهناك في الواقع مظاهر كثيرة بات اليمنيون يتخوفون من انتشارها ويقولون أنها قد تؤدي إلى تثبيت التشيع في البلاد خصوصاً بعد أن أصبح الحوثيون يجاهرون بها في مناطق سيطرتهم ويمررون من خلالها أفكار دخيلة على المجتمع اليمني كما يصفونها.
تغيير الهوية
ومن أبرز المناسبات التي يعمل الحوثيون من خلالها على إقامة طقوس تشيعية هي يوم الغدير والمولد النبوي ويوم القدس ويوم عاشوراء أو ما يطلق عليه بمذبحة كربلاء، وقد انتشرت خلال الفترات الماضية مقاطع مصورة لأنصار الجماعة وهم يضربون على رؤسهم ويصرخون بالبكاء، وتلك المظاهر ليست حتى جزء من الهوية الزيدية المنتشرة في بعض مناطق شمال اليمن بل وتتناقض معها وهو ما يؤكد اتجاه الحوثيين نحو تشييع المجتمع وفق الفكر الاثنى عشري.
ويرجع الباحث في شؤون الجماعات الدينية نبيل البكيري أسباب تصاعد هذه المظاهر إلى إطالة أمد الحرب في اليمن والتي قال بأنها ساهمت في وصول المشهد التشيعي ومكنت جماعة الحوثي من نشر أفكارها وتجنيدها من خلال المؤسسات التربوية والمناهج والعمل المجتمعي.
ويضيف البكيري في حديثه لـ"بلقيس" " نحن أمام إشكالية خطيرة في المناطق التي لا تزال تحت سيطرة مليشيا الحوثي وهي مناطق يعاد تشكيل هويتها وسلوكايتها وذهنيتها وثقافتها وفقاً لمنظومة عصبوية وطائفية وبناء على نموذج المظلومية التاريخية التي تنتج أفكار متطرفة.
ولكن المشكلة الأخطر وفقاً للبكيري هي ترك المدارس التعليمية تحت سيطرة وإدارة المليشيا والتي تقوم من خلالها على إعادة تشكيل عقول جيل بأكمله وهو ما يعني أن المستقبل سيكون أكثر سوداوية وستصعب معه مواجهة الجماعة التي لا تزال تسيطر على عدد من المحافظات اليمنية.
ويضاف إلى ذلك تمسك الحوثيون بالمساجد، ومراكز تحفيظ القرآن طبقاً للباحث اليمني في الشأن الإيراني "عدنان هاشم" والذي أفاد بأن الجماعة لا تستهدف الشباب أو كبار السن بل أكثر ما تركز عليه هو الجيل الناشئ والنساء وهناك مجالس بالعاصمة صنعاء أصبحت تحتشد فيها عشرات النساء اللواتي يحملن فكر المليشيا ويقدمن المحاضرات الطائفية ويحاولن استمالة النساء الأخريات إلى صفوف المليشيا.
وقد قام الحوثيون في المدارس بوضع معلمين ومشرفين تابعين لهم من أجل القيام بالمهمة إضافة إلى محاضرات المساجد وخطب الجمعة التي تغلب عليها الخطابات الحربية والطائفية بحسب حديث عدنان هشام.
ويلفت هاشم إلى أن هناك مجموعة من المسلسلات التاريخية - معظمها إيرانية مدبلجة - تقوم الجماعة ببثها عبر قنواتها وتمرر من خلالها أفكارها وتجعل من الجلسات واللقاءات مكاناً لمشاهدتها، وحتى طالت يدها إلى الفن الشعبي وقامت بإصدار عدد من الزوامل والشيلات والتي تحمل نفس أفكارها.
ممارسات جديدة
المشاهد التي أصبحت تقام اليوم في عاصمة اليمنيين - صنعاء - لم تكن مألوفة حتى وقت قريب وذلك وحده يكفي لأن يعترف تحالف دعم الشرعية في اليمن - السعودية والإمارات - بالهزيمة أمام مشروع إيران في اليمن ويعمل على إعادة تقييم ادائه بدلاً من الإنشغال بمحاربة قوى التغيير السلمي وبناء تماثيل بوذا في الشوارع وحفلات الترفيه" بهذا بادرنا الصحفي اليمني محمد الأحمدي عندما سألناه عن انطباعه من ممارسات الحوثيين.
ولم تكتفي الجماعة بإقامة الفعاليات فحسب ولكنها قامت بحسب مصادر في وزارة الثقافة بالحكومة اليمنية الشرعية بإغلاق دور الكتب والنشر في صنعاء وأبقت على ملازمها فقط والتي تروج من خلالها إلى أفكار غريبة ومناهضة للنظام الجمهوري.
وذهبت الجماعة وفقاً للمصادر ذاتها إلى استبدال الأساتذة في المدارس والأكاديميون في الجامعات بأشخاص يتبعونها وقامت أيضاً بمحاربة علماء اليمن وأئمة المساجد الذين لم يتفقوا مع أفكارها وهو الأمر الذي جعل الكثير منهم يغادر اليمن إلى دول أخرى.
مواقف رافضة
وحول موقف الحوثيين من هذه المخاوف التي يتحدث عنها اليمنيون اليوم تواصل موقع "بلقيس" مع بعض مسؤول في وازرة الأوقاف التابعة لمليشيا الحوثي بصنعاء وأوضح بأن ذلك مجرد تشويه لدورهم في الحفاظ على الهوية الإسلامية وحرصهم على الاحتفاء بالمناسبات الدينية.
وحول تحشيد النساء وإقامة المحاظرات في مجالس خاصة لفت المصدر في حديثه لـ "بلقيس" نت بعد أن طلب التحفظ عن إسمه بأن النساء في ظل الحرب يقع على عاتقهن مسؤولية كبيرة وأن الإهتمام بتثقيفهن يعد واجب وطني ومسؤولية طبيعية حد تعبيره.
ويرى الباحث اليمني ثابت الأحمدي بأن محاولة فرض التشيع التي يمارسها الحوثيون اليوم ليست بالجديدة وقال بأن الأئمة الأوائل من الجماعة حاولوا تشييع المجتمع اليمني منذ عقود طويلة وتحديداً خلال مرحلة الإمام يحيى حسين الرسي ثم أحمد بن سليمان وعبدالله بن حمزة وكذلك المتوكل على الله إسماعيل، وغيرهم الذين مثلوا قساوسة للنظرية الهادوية.
وطبقاً لحديث ثابت الأحمدي مع "بلقيس" فقد حاول هؤلاء الأئمة استخدام قوة الدولة مراراً ولكنهم لم يفلحوا وظلت نظرياتهم قيداً على الكيان الإمامي فقط، ومن استطاعوا التأثير عليه من العامة من الناس.
وبحسب المتحدث ذاته فإنه عندما يتم استقراء جغرافية الرفض والمقاومة لفكرة (التشييع) باليمن سيتم الإكتشاف بأنها قامت في الجغرافية التي يدعي الكيان الإمامي أنه وصي عليها، ابتداءً من الإمام الهمداني صاحب الإكليل، مروراً بنشوان بن سعيد الحميري، ثم ابن الأمير الصنعاني، فالشوكاني الذي قاوم ظلمهم وعنصريتهم، وأيضا الوريث والزبيري ومعهم بقية اليمنيون اليوم الذين يرفضون أفكار الجماعة المليشاوية القائمة على فكرة ولاية الفقيه الايرانية.