وفي الأخير لا بد ان يقدم الطرف الآخر بعض التنازلات ليكتمل المهرجان الترامبي.
غير ان المنطقة المشتعلة اصلاً تصبح اكثر ضبابية، اذا بالفعل ما شنت الولايات المتحدة حرباً على ايران.
في الواقع، لن يغير شيء الاعتراض الاوروبي على موقف ترامب؛ كما ان طهران مهما صعدت نبرة التحدي في خطابها السياسي، لن تورط نفسها بمواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة.
خطوة ترامب كانت مسبوقة بتهديدات اسرائيلية عن اعتزامها توجية ضربة عسكرية على ايران. ويعتبر اقوى تهديد اسرائيلي منذ انقطعت العلاقة بينها وطهران بعد ثورة الخميني الاسلامية.
بالتأكيد لم يأت هذا التصعيد، دون موافقة امريكية؛ يمكن لاسرائيل شن عملية عسكرية خاطفة لكنها لا تخوض حرباً طويلة.
اليوم هناك تهديدات موجهة لايران وحلفائها بأنه اذا تعرضت اسرائيل لهجوم من سوريا سيكون ثمنها حياة الرئيس السوري بشار الاسد، وهي رسالة لموسكو ايضاً. كما انها تحد من خطورة التواجد العسكري الايراني في سوريا.
اذا تعرضت ايران لهجوم مباشر من اسرائيل سيكون النظام في موقف محرج يتطلب الرد لتبرير خطاب سياسي طالما اتسم بالتحدي
وإذا ردت طهران، سترد دون ان يكلفها ذلك الدخول في حرب شاملة مع امريكا.
لعل خطوة ترامب تعزز خطاب المتشددين في النظام الايراني؛ او الطرف الذي كان رافضاً للتوقيع على الاتفاقية النووية مع ايران. اذ اصبح من الملزم لهذا البلد تقديم تنازلات جديدة لطموحاته العسكرية والسياسية. وبالتالي سيتضمن تصور تسوية جديدة لملفات شائكة في المنطقة خصوصا سوريا واليمن.
وباعتقادي، لا يريد ترامب الوصول الى مرحلة توجيه ضربة على ايران، تحرزاً من امكانية استهداف طهران بعض مصالحها في المنطقة؛ عدا ان هذا بمثابة انتحار. لن يقوم به النظام، الا اذا شعر أنه عرضة لحرب شاملة تعتزم تدميره.
في لغة السياسة، الاستعداد لتقديم تنازلات صغيرة، مدخلاً لتنازلات كبيرة؛ الا ما تأتي في سياق تفاهم على مصالح مشتركة. وفي الواقع لا تستطيع طهران تقديم تنازلات على الطريقة اليابانية؛ والتي تخلت عن سياستها العسكرية وطموحها التوسعي المستفز لمحيطها، وركزت في تنمية اقتصادها وتحديث مجتمعها.
تمتاز اليابان كجزيرة او مجموعة جزر، بطوق عزلة طبيعي، جعلها محمية من الغزو كما حمت الآخرين من غزواتها. وإذا لم تتحول اليابان قوة بحرية عظيمة لن تفكر بغزو احد. وهو الاستثناء الذي حدث في القرن العشرين، عندما بالتهام اجزاء واسعة من شرق اسيا.
تقع ايران في ممر حساس ظل عرضة دائماً للغزاة،. فطبيعة ايران التوسعية تعود لعقدة تعرضها الطويل للغزو، لكنها مدفوعة ايضاً بجذورها الامبراطورية.
وبالنسبة لهذا الماضي المعقد؛ تراكم في الوعي الايراني الى منطق سياسي يقوم على فكرة: إن لم تغزُ، تُغزى.