أما التسمية الأخيرة للمكان الثاني "الفرن" فقد أطلقها السجناء أنفسهم على السجن الذي يقع تحت إدارة الجهاز القديم في المنطقة الواقعة فوق المستشفى الجمهوري وهو بدروم يتكون من عدد كبير من الزنازين الإنفرادية، وصالة كبيرة ينام فيها السجناء مكومين فوق بعضهم ولا يوجد فيه سوى حمام واحد وفتحة صغيرة للضوء والتهوية في الحمام نفسه، والبقاء في هذا المكان - الذي قضيت فيه الثمانية الأشهر الأخيرة من فترة اعتقالي التي تزيد عن ثلاثين شهراً- مدمراً لحياة الإنسان إذ لا يضئ سوى بعمود كهرباءوحيد حوالي 20 شمعة والتهوية بواسطة مروحة وحيدة ومتهالكة وعندما تنطفي الكهرباء تتوقف المروحة عن الدوران ويمتلئ المكان برائحة كريهة منبعثة من الحمام الوحيد وتتحد مع الحرارة الشديدة في المكان ورائحة العفونة المنبثة من الأجساد المصابة بالجروح الناجمة عن التعذيب في غرف التحقيق
بدروم يتكون من عدد كبير من الزنازين الإنفرادية، وصالة كبيرة ينام فيها السجناء مكومين فوق بعضهم ولا يوجد فيه سوى حمام واحد وفتحة صغيرة للضوء
وترى الجدران والأبواب يسيل منها العرق كالمياه الجارية، وكثيراً ما كانت أجساد السجناء تتقرح وتنتشر فيها الدمامل والجروح المتقيحة، بسبب شدة الحرارة وإنعدام النظافة وغياب الرعاية الصحية، وذات مرة أصبت أنا بمغص كلوي شديد وتوقف البول نهائيا لمدة تزيد عن ثلاثة أيام ونتيجة إلحاح السجناء على الحراس وإدارة السجن بضرورة إسعافي للمستشفى أو توفير طبيب وعلاج في السجن، سمح نائب شاويش السجن -وكان ضابط شاب من المناطق الوسطى- لطبيب كان سجين معنا وهو من أبناء الصبيحة مديرية المضاربة محافظة لحج، اسمه طه ثابت هواش، لكتابة العلاج المطلوب بشرط أن يوفر السجين المريض قيمة العلاج
للأسف بعد خروجي من السجن حاولت البحث ولعدة سنوات عن الطبيب الذي عالجني وعندما كدت أصل إليه علمت أنه قد رحل عن هذه الدنيا
وقام الطبيب بكتابة العلاج ولأن الزيارات كانت ممنوعة عليَّ أثناء فترة التحقيق التي دامت ثمانية أشهر متواصلة بما ترافق معها من تعذيب جسدي ونفسي ، تطوع أحد التجار وكان سجيناً أيضاً بدفع قيمة العلاج واسمه محمد غالب سيف الأثوري، وعندما علم مدير الجهاز قام باستدعاء الطبيب وتهديده بقطع رأسه إن هو كرر هذا العمل بكتابة علاج لسجين أخر
للأسف بعد خروجي من السجن حاولت البحث ولعدة سنوات عن هذا الطبيب الإنسان وعندما كدت أصل إليه علمت أنه قد رحل عن هذه الدنيا واختاره الله إلى جواره ولا أملك إلا أن ادعو له بالرحمة والمغفرة .
كان طه ثابت هواش. رحمه الله واسكنه فسيح جناته ، مساعد طبيب بارع وحاذق في مهنته، تخرج من المعهد الصحي بعدن وانتقل للعمل كمساعد طبيب في منطقة الزريقة الشمالية المحاددة لمنطقة المضاربة ورأس العارة الجنوبية، وجمعتني به صداقة حميمية في السجن وكان يتحسس ألآمي وجروحي التي أعود بها فجر كل ليلة من غرفة التعذيب.
كان طه ثابت هواش. رحمه الله واسكنه فسيح جناته ، مساعد طبيب بارع وحاذق في مهنته، تخرج من المعهد الصحي بعدن وانتقل للعمل كمساعد طبيب في منطقة الزريقة الشمالية المحاددة لمنطقة المضاربة ورأس العارة الجنوبية، وجمعتني به صداقة حميمية في السجن وكان يتحسس ألآمي وجروحي التي أعود بها فجر كل ليلة من غرفة التعذيب.