وكان وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي، أنور قرقاش، وفي سياق تبرير التحول في موقف بلاده من اعتبار الإصلاح خصماً، إلى الانفتاح على الحزب، قال إن "حزب الإصلاح اليمني أعلن أخيراً فك ارتباطه بتنظيم الإخوان الإرهابي"، من دون توضيح ذلك. وأضاف على صفحته على موقع "تويتر" أنه "أمامنا فرصة لاختبار النوايا وتغليب مصلحة اليمن ومحيطه العربي، نعمل بمرونة وهدفنا أمن المنطقة واستقرارها".
ومعروف يمنياً أن "الإصلاح" سبق أن نفى أكثر من مرة، أي ارتباط تنظيمي له بجماعة "الإخوان المسلمين"، تحت وطأة الضغوط التي يتعرض لها، والحملات التي يتبناها عدد من دول المنطقة وفي مقدمتها الإمارات ضد "الإخوان". غير أن الإعلان من قبل الحزب، عن نفي ارتباطه، لم تصدّقه أبوظبي، التي شنّت حملات ضده واتهمته في وسائل إعلام تابعة لها بشكل أو بآخر، بـ"عرقلة عمل التحالف الذي تقوده السعودية، ضد الحوثيين وحلفائهم".
وحزب "الإصلاح"، خليط من القيادات ذات التوجه الإسلامي والمحسوبين على جماعة الإخوان، بالإضافة إلى رجال أعمال وشيوخ قبائل، وتأسس في عام 1990، بعد توحيد شطري اليمن والسماح بالتعددية في البلاد. وتحالف الحزب مع حزب الرئيس الراحل علي عبدالله صالح خلال حرب صيف 1994، التي أعاد فيها الأخير فرض الوحدة بالقوة وأزاح شركاءه الجنوبيين في الحزب الاشتراكي.
ومنذ ذلك الحين، احتفظ الإصلاح، بمركزه الثاني بين القوى الحزبية في اليمن، بعد حزب المؤتمر (الحاكم سابقاً)، متخندقاً في المعارضة، وصاحب قاعدة شعبية وقبلية. وساعده في ذلك، وجود شخصيات نافذة، كانت على رأس الحزب، وتحديداً رئيس مجلس النواب الراحل، الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر، الذي كان رئيساً للحزب، وأحد أبرز المتنفذين إلى جانب صالح، حتى وفاته عام 2007.
على صعيد العلاقات مع السعودية، فبوجود الشيخ الراحل الأحمر على رأس الحزب، بالإضافة إلى شيوخ آخرين من المنضوين فيه، هي محكومة بخصوصية مرتبطة بالوضع اليمني وعلاقات الرياض الواسعة مع قوى سياسية واجتماعية، بعيداً عن التصنيف الأساسي للحزب. وهذا الأمر نابع من كون الحزب اليمني ممثلاً سياسياً لجماعة الإخوان. وكل ذلك، جعل الحزب بعيداً عن قوائم المستهدفين سعودياً على ذمة علاقتهم مع الإخوان في السنوات الأخيرة، وعلى وجه خاص، مع التحول الذي رافق الانقلاب في مصر عام 2013.
إلى ذلك، فإن أبرز ما حافظ على علاقة الرياض و"الإصلاح"، هو أن الأخير، كان الخصم الأبرز لجماعة أنصار الله (الحوثيين)، أثناء توسعها من محافظة صعدة إلى صنعاء وتحالفها مع صالح. واعتقل الحوثيون عدداً كبيراً من قيادات وناشطي الحزب، وسيطروا على مقرات الحزب ومؤسسات مرتبطة به في صنعاء، خصوصاً بعد أن أعلن الحزب مطلع إبريل/نيسان 2015، تأييده لـ"عاصفة الحزم"، بقيادة السعودية، بعد أيام من تدشين الأخيرة عملياتها العسكرية ضد الحوثيين.
تحالفت أبوظبي مع تيارات محسوبة على الحراك الجنوبي المطالب بالانفصال وآخرين في مقابل إقصاء الإصلاح
ومنذ الأشهر الأولى لـ"عاصفة الحزم"، بدأ التحالف بدعم تكوين قوات يمنية موالية للشرعية تحت مسمى "المقاومة الشعبية" بالإضافة إلى التجنيد في صفوف ما سُمي بـ"الجيش الوطني"، وكان "الإصلاح" باعتباره أكبر الأحزاب المؤيدة للشرعية تمتعاً بنفوذ قبلي وباعتبار أن أعضاءه منتشرون بأغلبية المناطق اليمنية، من أبرز المكونات التي ساهمت بفعالية بدعم وتكوينات "قوات الشرعية"، بدعم من التحالف.
بموازاة ذلك، تعاظم دور الإمارات التي أدت دوراً قيادياً في التحالف وحضوره جنوباً (أي المحافظات المحررة)، ونقلت أبوظبي معركتها ومواقفها مع الإخوان إلى اليمن، ضد حزب "الإصلاح"، الذي تعرض لعمليات إقصاء من واجهة السلطات المحلية في المحافظات الواقعة تحت نفوذ الإمارات. كما تعرض أعضاء وقيادات في الحزب، للاعتقال من قبل قوات مدعومة من أبوظبي، حيث تحالفت الأخيرة مع تيارات جنوبية محسوبة على "الحراك الجنوبي" المطالب بالانفصال وتيارات أخرى، في مقابل إقصاء "الإصلاح" ونفوذه في تلك المحافظات، إلى جانب حرب إعلامية واتهامات متبادلة، إذ وُجّهت لأبوظبي اتهامات بعرقلة "تحرير" تعز، نتيجة لمخاوفها من نفوذ حزب "الإصلاح"، وهاجمت وسائل الإعلام الإماراتية الحزب بشتى التهم، بما فيها عرقلة العمليات العسكرية التي طال أمدها ضد الحوثيين.
ومع ذلك، أفادت مصادر محلية في محافظة مأرب اليمنية لـ"العربي الجديد"، أن "الإصلاح بقي على رأس قوى الشرعية الفاعلة في المحافظة، التي تحولت إلى مدينة مركزية لقوى الشرعية شمالاً في مقابل صنعاء التي يسيطر عليها الحوثيون، كما أنها تعتبر مركزاً لقوات الشرعية، تنطلق منها بعملياتها باتجاه الأجزاء الغربية لمأرب، وشرق صنعاء، بالإضافة إلى محافظة الجوف".
في الأشهر الأخيرة، ومع الانقلاب المفاجئ في علاقات السعودية والإمارات ومصر والبحرين، ضد قطر، وما رافقها من حصار وحملات اتهامات، ألقت الأزمة بظلالها، على اليمن، من خلال رفع وتيرة الأزمة بين أبوظبي و"الإصلاح"، وتفاقمت معها حالة عدم الثقة، مع وجود ناشطين محسوبين على حزب "الإصلاح"، انتقدوا الحملة ضد الدوحة، على الرغم من أن الموقف الرسمي للحزب، ظل مؤيداً بلا تردد للتحالف بقيادة السعودية والإمارات.
في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، عقد ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، لقاءً هو الأول من نوعه، مع رئيس حزب "الإصلاح" محمد عبدالله اليدومي، والأمين العام للحزب عبدالوهاب الآنسي، وذلك في سابقة مثيرة للجدل، بالنظر إلى الموقف السعودي المتشدد تجاه الإخوان، لكن المفاجأة الكبرى، هي ظهور الرجلين في لقاء مع محمد بن زايد بضيافة محمد بن سلمان، في الرياض.
وإزاء التطور الأخير، برزت العديد من التفسيرات، إذ إن هناك من يعتبره تجسيداً لتاريخ علاقة الرياض بـ"الإصلاح"، مع وصف الأولى الحزب بمنظور يرتبط بخصوصية الملف اليمني بالنسبة إليها، ومن ناحية التوقيت بدا أن اللقاء في إطار التوجه السعودي الإماراتي، هو للمساهمة بترتيبات جديدة ليمن ما بعد مقتل صالح. وفي كل الأحوال، فإن اللقاء تأكيد بالخط العريض، على أن حرب الرياض - أبوظبي مع الإخوان، لا تشمل حزب "الإصلاح" وأنهما يعتبرانه "شريكاً في الحرب مع الحوثيين".