وتنشأ هذه الظاهرة من رغبة الإنسان الطبيعية في المشاركة في أي حدث يخصه. ولأن الأزمات السياسية، هي أحداث تخص الشعب في المقام الأول، فمن الطبيعي أن يحرص الشعب على المشاركة فيها، إذا لم تكن مشاركة مباشرة عن طريق صنع الحدث والتحكم به، فعلى الأقل مشاركة غير مباشرة عن طريق العاطفة والوجدان. وهذا ما يفسر الإقبال الشديد على وسائل نقل الخبر، أثناء الأزمات والحروب. فقبل ثورة 2011 –على سبيل المثال- لم يكن التلفزيون منتشرًا في الريف بشكل لافت، وكان من النادر أن تجد بيتا ريفيا يوفّر هذه الوسيلة. لكن ما إن قامت ثورة فبراير، حتى انقلبت الآية، وأصبح من النادر ألا تجد منزلا في الريف لا يملك وسيلة النقل هذه.
وكأن الثورة لم تفعل شيئا، سوى أنها نبهت سكان الأرياف إلى أن هناك وسيلة إعلام مهمة اسمها التلفزيون ثم جاءت الحرب بعد ذلك، فزادت هذه الظاهرة انتشارًا، وخصوصًا مع التسهيلات الكبيرة التي وفرتها الألواح الشمسية. وهكذا أصبح بمقدورنا القول، إنه لم يعد هناك منزل في اليمن، لا يملك إمكانية المشاهدة التلفزيونية.
أريد أن أقول من خلال هذه المقدمة، أن الإعلام التلفزيوني في اليمن أصبح ذا سطوة لا يستهان بها. نعم، هذا القول ينطبق أيضًا على كل البلدان، وليس اليمن فحسب، لكن مع فارق مهم في الحالة اليمنية، وهو انعدام المنافس. ففي البلدان الأخرى هناك تفوق للإعلام المرئي، لكن مع وجود منافسين، كالصحافة مثلا، أما في اليمن فإن الساحة شبه خالية لسيطرة الإعلام التلفزيوني. ففي الوقت الذي وصلت فيه هذه الوسيلة إلى ذروة تأثيرها، لا تزال بقية الوسائل تراوح مكانها.
أحترم قناة بلقيس لا لأنها تتمسك بقدر معقول من المهنية فحسب وإنما بصفتها مشروعا طموحا، يكافح باستمرار، وبجهد ملحوظ، من أجل تجاوز الواقع الفني والتقني المتخلف الذي يعاني منه الإعلام التلفزيوني في بلادنا.
وإذا أجرينا مسحا للقنوات الأكثر مشاهدة في الريف- وسأتخد من الريف معيارا هنا لأن الريف في العادة هو آخر المناطق تأثرًا بأي ظاهرة- إذا أجرينا هذا المسح، سنجد أن قناة بلقيس تحتل المرتبة الأولى، ليس فقط من بين القنوات اليمنية، فهذا ما أصبح مفروغا منه حتى في المدن، بل على وجه الإطلاق.
ولعل ذلك يعود إلى أن سكان الريف لا يملكون "ثقافة تلفزيونية" تربطهم بقنوات غير يمنية، فيكون أكثر ما يحتاجونه هو القنوات المحلية، ومن بين هذه القنوات على وجه التحديد، قناة بلقيس.
وعندما أسافر إلى القرية، يسرني أن أشاهد البعض هناك يعرف عن إعلاميي القناة وطبيعة برامجهم ومواعيدها، أكثر مما أعرفه أنا، رغم أن كثيرًا ممن يعملون فيها من أصدقائي.
وهذا يدل على الأثر القوي الذي تركته قناة بلقيس في وجدان المشاهد اليمني، فليس معنى ذلك أنها لا تشاهد إلا في الريف، وإنما معناه أن صوتها أصبح مسموعًا في كل مكان داخل اليمن، بما في ذلك الريف النائي.
وأنا شخصيًا أحترم قناة بلقيس، لا لأنها تتمسك بقدر معقول من المهنية فحسب، وهذا أمر يصعب تماما على أي قناة في مثل الظروف التي نعيشها الآن، إلا إذا كان عند القائمين عليها من الاستنارة وحس المسؤولية ما عند القائمين على قناة بلقيس. لا أحترم القناة لهذا الأمر فحسب، وإنما بصفتها مشروعا طموحا، يكافح باستمرار، وبجهد ملحوظ، من أجل تجاوز الواقع الفني والتقني المتخلف الذي يعاني منه الإعلام التلفزيوني في بلادنا.
وعندما أشاهدها أشعر بالاعتزاز والتفاؤل، لأن هناك قناة يمنية استطاعت أن تقدم نفسها بهذه الكيفية التي تدعو للاحترام. ولذلك فإن قناة بلقيس، في رأيي، تمثل علامة تحول بارزة في مسيرة الإعلام التلفزيوني اليمني, على مختلف الأصعدة، على صعيد المهنة باحترام قداسة الخبر والكلمة، والذي لا يعني شيئا سوى احترام المشاهد واحترام النفس أولا بأول، وعلى الصعيد التقني والفني، بمحاولة تجاوز الواقع الصعب والالتحاق بالمستوى المتقدم لركب الإعلام التلفزيوني السائد.
وبمناسبة الذكرى الثانية لتأسيس القناة، يسرني أن أتقدم بالتهنئة إلى عائلة قناة بلقيس، والتهنئة لنا جميعا، لأن قناة بلقيس هي قناة كل شاب يمني يتطلع لمستقبل أفضل.