وأضافت كرمان في حوار نقلته الجزيرة نت بالتزامن مع الذكرى الثامنة للثورة اليمنية أنها لم تعد تتحدث أو تتواصل حتى مع مسؤولي الحكومة الشرعية بعد أن وصلت إلى قناعة "أن لا فائدة منهم وقد ارتضوا بشكل نهائي أن يكونوا مجرد أدوات لشرعنة الاحتلال السعودي والإماراتي ويفتقرون للشجاعة والنزاهة للتمرد على وصاية الدولتين على بلادهم".
وحملت كرمان الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي وحكومته مسؤولية ما يعيشه اليمنيون اليوم من معاناة إنسانية، وذلك من خلال قبولهم بأن يكونوا مجرد وسيلة ذليلة تابعة للتحالف الإماراتي السعودي، حسب تعبيرها.
وفيما يتعلق بمغادرة الكثير من شباب ثورة فبراير وقادتها اليمن حاليا، أوضحت كرمان أن النفي والتهجير القسري للمناضلين ليس من المنطق أن يصبحا محل تشف، معتبرة أن ذلك فصل آخر من الكفاح يحسب لهم ودليل على أنهم لا يزالون في الجانب الصحيح من التاريخ.
بداية، كيف تقيمين الوضع في اليمن بعد ثماني سنوات من ثورة الشباب السلمية؟
تعرض اليمن كشأن بقية دول الربيع العربي إلى ثورة مضادة كانت نتاج تحالف المخلوع علي صالح المدعوم إماراتيا وسعوديا ومليشيا الحوثي المدعومة إيرانيا في مفارقة عجيبة، وكما هو معروف فإن دول الثورات المضادة للربيع هي المتضررة من التغيير الشامل الذي بشر به الربيع واندلعت من أجله ثوراته.
ولاحقا دخل شركاء الثورة المضادة في صراع طويل، اندلعت الحرب وقتل علي صالح وأكلت الحرب فيما أكلت شركاء الثورات المضادة حتى دخلت الرياض وأبو ظبي في مستنقع لا أول له ولا آخر، في حين تظنان أن اليمن وحده من تعرض للتنكيل الممنهج الذي أرادتاه وخططتا له.
اليمن تعرض لتدمير ممنهج من كلا الطرفين الانقلابي والتحالف العربي الذي بدا أنه دعم الانقلاب لإسقاط الثورة اليمنية وما أنتجته من عملية انتقالية، وكان على بعد أشهر من الاستفتاء على الدستور الجديد وإجراء الانتخابات المختلفة بناء عليه.
لقد اتخذت السعودية والإمارات الانقلاب لاحقا شماعة لتدمير اليمن بالقصف والحصار والحرب التي شنتها بحجة إعادة الشرعية وإسقاط الانقلاب فمضت لتنفيذ أجندتها التدميرية تحت هذه الشماعة ولاحتلال اليمن والوصاية عليه.
لكن يمكنني القول إن الثورة المضادة بدولها وعواصمها وقواها وامتداداتها في اليمن تتآكل وتمضي في طريق الهزيمة والفشل، وكل الثورات المضادة ستسقط باعتبارها حدثا طارئا سرعان ما يحكم عليه بالزوال، الغلبة في النهاية والنجاح للثورة الأم وقواها وأهدافها العظيمة.
كنت من أول من خرج مع طلاب جامعة صنعاء للتظاهر.. هل لك أن تسترجعي لنا شعور تلك اللحظات وأمنياتكم حينها؟
كنا قد وصلنا إلى قناعة راسخة أن كل سبل الإصلاح والتغيير قد وصلت إلى طريق مسدود، وأن لا حل مع نظام علي صالح الفاشل والفاسد والمستبد سوى رحيله وإسقاط نظامه.
مضينا للمطالبة بإسقاط النظام وتدشين المظاهرات والمسيرات الداعية لسقوطه ورحيله، كتبنا البيان الأول منتصف يناير/كانون الأول 2011 ومضينا في اليوم التالي في أول مسيرة لإسقاط النظام واستمرت مسيراتنا اليومية صباحا ومساء حتى عمت المظاهرات لاحقا بقية المحافظات ابتداء من محافظة تعز مع الإعلان عن رحيل حسني مبارك، لقد كان شعورا عظيما أننا نصنع التاريخ ونحدث التغيير الجذري في اليمن.
إذا ما تحدثنا عن الشباب الذين خرجتِ برفقتهم خلال الثورة.. ما هو مصيرهم الذي يعيشونه حاليا؟
نتيجة الثورات لا تقاس بالذي يحدث حاليا، الثورة ضرورة حتمية وتحقيق أهدافها نتيجة حتمية أيضا، لكن ليس في اليوم التالي ولا في العام التالي ولا حتى في العقد التالي، لكنها نتيجة تحدث حتما وستنعم أجيالنا بالحرية والكرامة والرفاه، نترك للتاريخ الحكم وسيقول كلمته لصالحنا بالتأكيد، وإننا أردنا لبلدنا الحرية والكرامة وكنا في الجانب الصحيح من التاريخ.
يقول البعض اليوم إن من أشعل فتيل الثورة غادر للاستقرار خارج اليمن.. كيف تردين على هؤلاء؟
أولا: الثورة لم تكن حصرية على الذين هم في الداخل، الجميع شارك فيها من داخل البلاد ومن خارجها، وثانيا: ليس من شروط الثورة أن يبقى الذين شاركوا فيها داخل البلاد، ولا يعد ذلك تخليا عنها أو نكوصا عن الوفاء لها، بالإمكان الاحتفاظ بالوفاء والمشاركة في مساندة قضايا الثورة والانتصار لأهدافها من أي موقع داخل أو خارج الوطن، هذا في حال المغادرة الطوعية، لكن في حال المغادرة القسرية فإن الأمر يغدو أكثر التزاما بالثورة وتضحية في سبيلها.
النفي والتهجير للمناضلين ليسا محل تشف ولا يستقيم تعيير من يجدون أنفسهم في المنفى من قيادات الثورة، ذلك فصل من فصول الكفاح ودليل على أنهم لا يزالون في الجانب الصحيح من التاريخ.
يحدث هذا في كثير من الأحيان، تتعرض الثورات لثورات مضادة في الأغلب ويتعرض قادة الثورة ومفجروها للنفي والتهجير القسري والاختطاف والإخفاء القسري وحتى الاغتيال والقتل، وهذا دليل على انتمائهم للثورة وأنهم باقون على الوعد والعهد وليس العكس، وأنهم لا يزالون في الجانب الصحيح من التاريخ، هذا بشكل عام وفي كل ثورة وفي الحالة اليمنية أكثر وضوحا، فهناك مليشيا انقلابية تحالفت مع المخلوع صالح الذي أورد بلاده المهالك خلال عقود حكمه، وهناك تحالف خارجي غادر كتحالف السعودية والإمارات، وبذلك فإن نظل خصوما ومستهدفين من قبل هذا الثنائي الذي أسميه الاحتلال الداخلي والخارجي فهذا يحسب لنا لا علينا.
تسميهما احتلالين؟
نعم السعودية والإمارات تمارسان احتلالا واضحا لأجزاء حيوية من البلاد وهيمنة ووصاية على أجزاء أخرى، وكل من يحكم البلاد بالقوة والقهر والغلبة أعده احتلالا داخليا.
أربع سنوات من الحرب تضاعفت خلالها معاناة اليمنيين الإنسانية.. من يتحمل برأيك مسؤولية ذلك؟
أطراف الثورة المضادة وقواها في الداخل والخارج، وهم معلومون للجميع، في الداخل تحالف المخلوع صالح ومليشيا الحوثي، وفي الخارج السعودية والإمارات وإيران، هؤلاء يتحملون المسؤولية الكاملة عن كل ما حل باليمن منذ عشية الانقلاب عام 2014 وحتى اليوم، ويتحملون المسؤولية التاريخية والأخلاقية والقانونية عن الخراب الكبير الذي حل باليمن بسببهم ولا يزال.
كل هذا الخراب نتيجة الثورة المضادة، بإمكاننا بسهولة المجادلة عن ذلك ودون عناء، خلال السنتين والنصف اللتين أعقبتا سقوط علي صالح حتى عشية الانقلاب شهد اليمن على صعيد الحقوق والحريات هامشا واسعا لا حدود له، وعلى الصعيد الاقتصادي ظلت الأوضاع كما هي دون أي تدهور.
كل ما حدث من احتراب لاحقا ومن تدهور اقتصادي مريع حدث بعد الثورة المضادة ونتيجة لها.
في مصر نفس الحكاية بعد الانقلاب العسكري حدث التدهور المريع للحقوق والحريات وحدث الانهيار الاقتصادي المتصاعد، كل ذاك أعقب الثورة المضادة وليس ثورة يناير.
هذا من الناحية الزمنية، ومن الناحية المنطقية والموضوعية أيضا من ارتكب الخراب ونفذه هم الثورة المضادة والأشخاص الفاعلون فيها وجهاتهم في الداخل والخارج، الثورة وقواها كانوا مجرد ضحايا لهؤلاء فكيف يكونون هم المسؤولين عن الخراب والانهيار الذي طال الوسط الاقتصادي من جهة، وهامش الحقوق والحريات من جهة أخرى.
هناك من يقول: لولا الثورات لما كانت هناك ثورات مضادة وبالتالي فالثورات هي المسؤولة عن الخراب الذي أحدثته الثورات المضادة؟
هذا المنطق المتهافت للغاية يطلب من الشعوب أن تقبل بظلم المستبدين وقهر الحكام الى الأبد وإن جلد ظهورهم وانتهك أعراضهم وصادر حقوقهم وحرياتهم.
لكن لولا فشل الحكام واستبدادهم لما كانت الثورات، فشل الأنظمة ووصولها إلى طريق مسدود هو من يصنع الثورة وليس الأشخاص هم من يفجرونها ويشعلون شرارتها حين تستكمل الثورة ظروفها الموضوعية وشروطها لن تعدم من يفجرها ويشعل شرارتها.
وماذا عن مسؤولية الرئيس والحكومة الشرعية؟
يتحملون مسؤولية كبيرة أيضا من خلال قبولهم بأن يكونوا مجرد وسيلة ذليلة تابعة للتحالف الإماراتي السعودي، لأن العلاقة بينهم علاقة عملاء وتابعين لا شركاء وحلفاء مستقلين يحققون أهداف بلادهم ومصالحها بندية ودون تابعية، قبول الرئيس أن يكون مجرد رهينة في أحد قصور الرياض ليصدر من هناك القرارات والتوجيهات التي تشرعن سياسات التحالف الاحتلالية وأجندته الضارة في اليمن خطيئة كبيرة ترقى لأن تكون خيانة لمصلحة الوطن العليا، وعدم قول كلمة لا لهذه السياسات التدميرية لليمن هو الآخر تخل عن الواجب الوطني ومشاركة في الشرعنة لاحتلال وتقديم المسوغ له، وكل مسؤول يمني قابع هناك في الرياض لا يرفض هذا العبث هو الآخر شريك في تدمير بلاده إن لم يرفض هذه السياسة التدميرية ويشرع في مقاومتها.
الحوثي كان مشاركا في الثورة على نظام صالح، وهناك من يتحدث عن رغبة مشروعة له بالبحث عن السلطة، ما هو ردك؟
شارك في الثورة من خلال تأييدها والمشاركة الرمزية في مسيراتها والتوقف عن العمل المسلح أثناء شهور الثورة التزاما بشرطها وأسلوبها، لكنه شارك في الانقلاب عليها وتقويض العملية الانتقالية التي جلبتها وأنتجتها الثورة، وكان أداة علي صالح والإمارات وإيران لتقويض الدولة اليمنية، وتقويض الشرعية التوافقية لا يمكن أن يكون حقا مشروعا لأي أحد، وأي سعي للسلطة بالقوة والقهر هو اغتصاب للحكمة واحتلال داخلي من حق الجميع أن يرفضه ويقاومه ويسقطه بكافة الوسائل المشروعة.
ما هي مصلحة الإمارات والسعودية كما تتحدثين باستمرار في إعاقتهما لثورات الربيع وثورة التغيير في اليمن؟
لا توجد أي مصلحة للشعبين الإماراتي والسعودي، ذلك ضد مصلحتهما تماما، ما الذي سيجره استعداء شعب جار وخلق القطيعة معه، تظن الدولتان أن بإمكانهما إيقاف ربيع شعبيهما من خلال التآمر على ربيع اليمن وثورته لكنه هذا ظن خائب، وكل ما يبدو أنه نجاح في إسقاط ثورات الربيع هو نجاح زائف.
هل هناك تواصل لك مع مسؤولي الشرعية في الواقع؟ وفي حال وجد حيث سبق أن التقيت بالرئيس في الرياض، ما الذي تقولينه لهم؟
توقف تواصلي معهم حين وصلت إلى قناعة أن لا فائدة منهم، وأنهم ارتضوا بشكل نهائي أن يكونوا مجرد أدوات لشرعنة الاحتلال فحسب وأنهم يفتقرون للشجاعة والنزاهة للتمرد على الوصاية السعودية الإماراتية، وأنهم لن يفعلوا شيئا لتحرير القرار اليمني المختطف بيد السعودية وتحرير أنفسهم من تلك الوصاية وسيمضون في مباركة كل ما يمليه الاحتلال عليهم.
مفهومي للشرعية يتجاوز الأشخاص إلى المهام، والاستحقاقات الشرعية هي مهام العملية الانتقالية التي لم تتحقق بعد، هي تلك المهام التي تعطلت أو توقفت بفعل الانقلاب والحرب.
حدثينا عن رؤيتك الاستشرافية لليمن بعد ثماني سنوات من الحرب؟
الحرب في اليمن ليست نتيجة لصراع وعدوان داخلي بحت أكثر مما هي نتيجة لتدخل اقليمي، أعني بذلك الدور المشؤوم لدول الثورات المضادة السعودية والإمارات وإيران التي قوضت الدولة اليمنية وأسقطت العملية الانتقالية وأحدثت كل هذه الحرب والخراب في البلاد، لولا تدخل هذه الدول لما حدث الانقلاب ولما كانت الحرب ولكنا قد استفتينا على مسودة الدستور وأجرينا الانتخابات المحلية والأقاليم والبرلمانية والرئاسية وعشنا بالفعل الدولة اليمنية الاتحادية الديمقراطية التي أشعلنا من أجلها الثورة وكما أردناها وصغناها في مؤتمر الحوار الوطني الشامل.
أقول إن اليمن ورغم كل هذا الخراب والتآمر الإقليمي سيتعافى ويتجاوز محنته، لن يمر وقت طويل حتى تتهاوى دول الثورات المضادة، وعلى الأقل تمضي بعيدا في الضعف والهزال الذي تعيشه الآن ويزداد يوما بعد يوم بعد أن تحول اليمن إلى مستنقع لقبر أوهامها وأحلامها، وسيجد اليمنيون أنفسهم مضطرين للتوافق مرة أخرى على استكمال المرحلة الانتقالية من حيث توقفت، ومعا سنبني دولة يمنية تحتكر امتلاك السلاح وتزاول السيادة على جميع ترابها الوطني.
ما هي رسالتك إلى الشباب اليمنيين والشعب بشكل عام؟
كسرت الثورة اليمنية احتكار ما كان يسمى المركز المقدس للثروة والسلطة وحررت اليمنيين من علي صالح وعائلته ونظامه البائس، وهي ماضية وفق ضرورة تاريخية ونتيجة حتمية لاستكمال بقية أهدافها، لن تتوقف آثار ونتائج ثورة فبراير حتى تسقط كل خصومها والمتآمرين عليها وأعداء التغيير داخل وخارج اليمن وحتى تنجز الدولة اليمنية الديمقراطية المدنية التي أشعل من أجلها الشباب ثورة فبراير ومضوا يقدمون التضحيات في مسيرة ممتدة من الكفاح.
كلمة أخيرة لك عن ثورة الشباب اليمنية؟
الثورة اليمنية هي أعظم حدث في التاريخ اليمني المعاصر سيكون لها ما بعدها وستنتج دولة المواطنة ودولة الحقوق والحريات والرفاه والكرامة لجميع اليمنيين، وهذا ما سيتحقق كنتيجة لهذه الثورة العظيمة.