جاء ذلك خلال محاضرة لها في مركز "بروكنجز" بعنوان" اليمن.. من الحرب إلى المجاعة"
وأضافت كرمان أن المبادرة الخليجية مكنت الرئيس الأسبق صالح من الإستمرار في السياسة وتقويض العملية الانتقالية، وممارسة كل صنوف الإنتهاكات.
ولفتت كرمان إلى أن الرئيس صالح عمل بالتعاون مع السعودية والإمارات على تمكين الحوثي من إسقاط العاصمة صنعاء.
وأشارات إلى أن ما يجري في اليمن الآن هي حرب لتقويض الشرعية وليس لاستعادتها، وأن التحالف أتخذ المرجعيات الشرعية كغطاء لتنفيذ أجندته في البلاد.
وشددت على أن حرب التحالف في اليمن تمضي في طريق تقويض وجود يمن موحد بدليل منع التحالف الحكومة من السيطرة على مواردها ورعايته لمليشيا تناهض السلطة الشرعية.
وتابعت كرمان: يعمل التحالف على إبقاء المؤسسات المدنية مشلولة وعاجزة عن القيام بمهامها.
وعن دور الإمارات في اليمن قالت كرمان بان أبو ظبي هي من ترعى شبكات الاغتيالات في المناطق المحررة عبر شركات أمنية.
وبشان الكارثة الإنسانية قالت كرمان بأنه على مدى أربع سنوات حصدت الأوبئة أرواح الآلاف من اليمنيين إلى جانب القذائف المباشرة كما صادرت مليشيا الحوثي ميزانية المؤسسات الخدمية وهو ما تسبب في إنهيار العملة الوطنية والتي جرى استخدامها كأداة حرب بتعمد.
واستطردت كرمان: لم يقدم التحالف المساعدة المطلوبة لملايين المواطنين الذين تتهددهم المجاعة في البلد .
وحول الحلول الممكنة للخروج من الوضع الحالي قالت كرمان بأن اليمن يحتاج في الواقع إلى قرار حاسم من المجتمع الدولي لإنهاء الحرب وأن نجاح المجتمع الدولي في اليمن مرهون بعودة الدولة اليمنية كدولة موحدة وذات سيادة وأيضا بتمكين الحكومة اليمنية من احتكار السلاح وحق استخدامه
واختتمت كرمان حديثها بالقول: اليمن بلد يهدده الإرهاب والأطماع الإقليمية وهذا يستدعي وجود جيش قوي على أسس وطنية وسنعمل بجد من أجل سلام مستدام في اليمن.
كلمة توكل كرمان في مركز بروكنجز الدوحة.
اليمن من الحرب الى المجاعة
كيف يمكن تحقيق السلام في اليمن؟
الأصدقاء الأعزاء
في البداية أود أن أتوجه بالشكر لمركز بروكينجز-الدوحة على هذه الدعوة، وأرجو أن أوفق في الحديث عن القضية اليمنية بكل أبعادها، وخصوصا أسباب الحرب و مآلاتها، والسبيل إلى وقف الحرب وإحلال السلام الحقيقي.
أجدني مضطرة للحديث في البدء عن النظام الذي استهدفته ثورة اليمنيين السلمية عام ألفين وأحد عشر، وسألخص الحديث عنه بالقول: كان نظاما فاشلا وفاسدا أوصل اليمن خلال ثلاثة عقود من حكمه العبوس إلى حالة مريعة من التدهور والفشل، وبالإمكان الرجوع الى مؤشر الدول الفاشلة لتكتشفوا أن اليمن احتل المرتبة السابعة من بين الدول الفاشلة منذ العام ألفين وخمسة والمفخخة بكل عوامل الصراع والنزاع والانقسام والاحتراب الداخلي والفساد المؤسساتي.
لذلك، لا يمكن النظر إلى الثورة السلمية باعتبارها ترفا، أو نزوة طائشة أو فعلا متهورا فائضا عن الحاجة أو مؤامرة خارجية، بل كانت كسائر ثورات الربيع العربي حاجة ملحة وضرورة حتمية، جاءت استجابة لشباب يمني ضاق ذرعا بدولة الفساد والفشل والإقصاء والتهميش والمحسوبية والرشاوى، كما كانت تعبيرا عن حلمه بدولة العدل والرفاه والحرية وسيادة القانون، فلا غرابة إذن، إذا قلنا إن الثورة كانت رد فعل طبيعيا لكل ذلك العبث والفساد المنظم الذي استمر واستحكم لثلاثة عقود.
الأصدقاء الأعزاء
سرعان ما تعرضت ثورتنا وما أنتجته من عملية انتقالية ومخرجات حوار وطني حددت شكل وتفاصيل الدولة اليمنية الديمقراطية الجديدة التي نريد، إلى تآمر إقليمي وخذلان دولي خلف ثورة مضادة وحربا واقتتالا داخليا وتدخلا خارجيا منذ أربع سنوات ولا يزال يدمر كل شيء في اليمن، الأرض والإنسان، ويذهب بعيدا لينال من الحلم الذي أشعل من أجله شباب اليمن ثورتهم الربيعية
يمكننا القول إن السبب الرئيسي لكل ما حدث ويحدث في اليمن من كوارث هو الرغبة بمعاقبتها على ثورتها الربيعية، تم إدارة الكارثة وصنعها ومراكمة أسبابها وخلقها بطريقة تؤدي إلى معاقبة اليمنيين على القيام بثورتهم وعلى أحلامهم بالتغيير ليكونوا عبرة لمن يتجرأ على الحلم ويحدث نفسه بالتغيير. هناك من يريد أن يعطي شعبه درسا في عدم السعي الى التغيير، بل وعدم الحلم به.
وهنا أشير إلى الدور المركزي لعاصمتي الثورات المضادة في المنطقة أعني الرياض وأبو ظبي، اللتين قامتا بحشد امكاناتهما ونفوذهما لتقويض ثورات الربيع العربي، حتى لا تنتقل إليهما عدوى الربيع الحالم بالتغيير والمطالب بدولة الحقوق والحريات والعدالة والمواطنة.
دعونا نعد إلى ألفين وأحد عشر، ففي خضم ثورة اليمن السلمية تم الانحناء من قبل عواصم الثورات المضادة قليلا للعاصفة، من خلال تقديم مبادرة خليجية مثلت حلا وسطا بين طموحات الثوار ومصالح النظام القديم، فتم منح المخلوع علي صالح الحصانة ونصف الحكومة والبرلمان والمجالس المحلية، وعلى عكس الحالات المشابهة، لم تمنع الحصانة المخلوع من مزاولة السياسة أو تكرار جرائمه أو القيام بتقويض العملية الانتقالية الناشئة.
عوضا عن رعاية المبادرة الخليجية التي اقترحتها دولتا الثورات المضادة ضمن مجموعة الدول الخليجية وضمان عدم إعاقتها واتخاذ كل الاجراءات لكفالة عدم عرقلتها، فضلا عن تقديم الدعم المادي واللوجستي للسلطة الانتقالية الذي تعهدت به ونصت عليه المبادرة التي اقترحتها وسميت باسمها، -عوضا عن ذلك- مضت الدولتان في مساندة ورعاية عملية تقويض العملية الانتقالية بالصمت حينا وبالمباركة حينا، وبتقديم الدعم للمعرقلين والمقوضين حينا آخر، وبالخذلان والكف عن تقديم أي عون للسلطة الانتقالية في كل الأحايين.
تولى عملية التقويض بشكل أساسي أداتهم الرئيسية رجلهم في اليمن المخلوع علي صالح وأدواته، والذي قاد انقلابا دمويا في 21 سبتمبر 2014 وقد كان الحوثي إحدى تلك الأدوات التي استخدمها صالح في تقويض الدولة.
لست هنا أقلل من دور الحوثيين في الانقلاب ولا من وجودهم وسيطرتهم على أجزاء من البلاد من قبل الانقلاب، نعم هم موجودون كجماعة متمردة ومسلحة، ومسيطرون على بعض المناطق لكنها سيطرة لم تكن تتجاوز حدود محافظة صعدة، وحتى قبل أشهر من الانقلاب كانت لا تزال بعض المديريات في محافظة صعدة خارجة عن سيطرتها. من منحها كل النفوذ والقوة والجاه لتتجاوز حدود صعدة وتمضي في زحفها الى اسقاط العاصمة ولاحقا الى ما بعد صنعاء جنوبا وشرقا وغربا هو علي صالح ومن خلفه السعودية والامارات، وبدرجة أقل إيران، نعم بدرجة أقل، بإمكاني أن أحاجج عن ذلك، حين وصل زحف الحوثيين مشارف العاصمة، وحين تمركزوا قرب مطار صنعاء حتى تلك اللحظة لم يكن ضمن حساباتهم الانقلاب الكامل واسقاط العملية الانتقالية بكاملها، لكن من كان لديه تلك الحسابات والاهداف هو علي صالح، ولعلنا نتذكر مقولته الشهيرة "مش حاربي وارقدي" الذي وجههم وشجعهم م خلالها بأن يستمروا في الاجراءات الانقلابية ويستولوا على كافة المؤسسات الأمنية والعسكرية والمدنية في العاصمة والمنافذ البحرية والبرية والجوية للبلاد.
أشير هنا أن لإيران الدور الثانوي ليس في الانقلاب على السلطة الانتقالية فقط، بل وفي دعم الحوثي بالمال والسلاح والنفوذ.
يمكن القول إن أغلب السلاح والمال والجاه الذي تم ضخه للحوثي وبات يمتلكه اليوم جاء من علي صالح رجل السعودية والامارات في اليمن الذي سلم الحوثيين جميع معسكرات الدولة وأسلحة اليمن التي راكمها خلال أربعة عقود
ذهب الحوثيون ومعهم علي صالح بعيدا، متجاوزين ما أرادته الرياض وابوظبي، حيث كان المطلوب فقط تصفية حزب الاصلاح وقوى الثورة السلمية والبقاء في صنعاء وعدم التوجه إلى عدن، لكنهم تجاوزوا الخطوط الحمراء وذهبت جحافلهم إلى الحديدة وتعز ووصلت إلى عدن.
وفي مارس 2015 استيقظ اليمنيون على قصف طائرات ما بات يعرف لاحقا بالتحالف العربي بقيادة السعودية. أشير هنا إلى أن هذا التدخل جاء بعد أن تجاوز صالح والحوثي الخطوط الحمراء وتجاوزوا صنعاء الى عدن وبعد أن فشل مخططهم في التخلص بشكل أساسي من حزب الاصلاح وقوى الثورة السلمي، لكن أطماع علي صالح وطموحات الحوثيين وتدخل إيران التي احتفلت بسقوط العاصمة صنعاء، كإنجاز مجاني لمعسكرها ، في تكرار لما حصل في أفغانستان والعراق من قبل.
أعلن التحالف بقيادة السعودية والإمارات الحرب في اليمن بحجة استعادة الشرعية اليمنية، وتمترسوا بالعمل تحت غطاء المرجعيات الثلاث، المبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني وقرارات مجلس الأمن، لكن الحقيقة شيء آخر، لقد اتخذت حرب التحالف تلك المرجعيات فقط كغطاء سياسي لتنفيذ أجندته التدميرية والتوسعية في اليمن، هذا ما يبدو عليه الوضع بعد أربع سنوات من الحرب، وما ألحقته وتلحقه من كوارث وأهوال وتدمير شامل في البلاد يزداد يوما بعد يوم في عملية ممنهجة ومع سبق الإصرار والترصد وضمن خارطة وخطة استراتي ية شاملة تفضي الى تدمير الشعب والاستحواذ على الجغرافيا.
مايحدث في اليمن اليوم هو حرب شرسة من أجل تقويض الشرعية لا إعادتها، كل ما يتم اتخاذه من إجراءات وسياسات على الأرض يؤدي إلى تقويض فرص الشرعية بشكل كامل.
إن إعادة الشرعية تقضي بسط سيطرتها على كل شبر يتم تحريره من سيطرة الحوثي مدنيا وعسكريا وأمنيا، حتى استكمال عملية التحرير والسيطرة على كامل التراب الوطني.
إعادة الشرعية تقضي أيضا تمكينها من اكمال الاستحقاقات التي تعطلت بفعل الانقلاب، وأعني بها الاستفتاء على مسودة الدستور التي تمت صياغتها بناء على مخرجات الحوار التي توافق عليها اليمنيون ثم الذهاب إلى الانتخابات المختلفة المركزية والاقاليم والمحلية لاختيار الرئيس ومجلس النواب والشورى وبقية هياكل الدولة وفق ما نص عليه الدستور الجديد.
لكن حرب التحالف على اليمن المبررة بإعادة الشرعية وفق المرجعيات، مضت لتقويض كل فرص إعادة الشرعية كسلطة يفترض بسط سيطرتها على كامل التراب الوطني تحتكر السيادة وتحتكر السلاح، وكمشروع يتم تمكينه لاحقا بالاستفتاء على الدستور واجراء الانتخابات المختلفة بناء عليه
الأصدقاء الأعزاء
سارت حرب التحالف السعودي الاماراتي في اليمن على نحو يفضي للقضاء على فرص قيام دولة يمنية موحدة ذات سيادة مجددا،
ومضت الدولتان في تقويض اليمن كشعب وجغرافيا عبر الحصار والتجويع والقصف وملشنة البلاد وتقطيعها الى اوصال.
قامت الدولتان باحتلال الجزر والموانئ والسواحل والمطارات و بمنع الشرعية من تصدير النفط والغاز وادارة الايرادات .. .. .. بالاضافة الى انشاء ميليشيات اخرى وتمكينها ميليشيات ترفض الشرعية وترفض مشروعها الاتحادي، وولاءها فقط للمحتلين الجدد السعودية والامارات.
فكل منطقة يتم تحريرها من سيطرة الحوثي يتم تسليمها لميليشيا واحدة أو عدة ميليشيات يجمعها هدف واحد هو العمل ضد السلطة الشرعية وضد مشروعها الاتحادي، مع ابقاء المؤسسات المدنية مشلولة ومعطلة عاجزة عن أداء وظيفتها في تقديم الخدمات المختلفة للمواطنين، فلا رواتب ولا موظفين ولا أجهزة أمنية لحفظ أمنهم. ولا ألوية عسكرية موحدة ومهيكلة تتبع السلطة الشرعية ومجهزة بما يحقق السيطرة للسلطة الواحدة.
بعد أربع سنوات من الحرب، المحصلة أن مساحة الثمانين بالمائة المحررة من سيطرة الحوثي هي نهب للمليشيات والفوضى والهيمنة والوصاية الخارجية والغياب المطلق للشرعية كرئيس وأجهزة أمنية وعسكرية، إذ بات الحضور في تلك المناطق مقتصرا على مليشيات الامارات والسعودية وقواتهم وعملائهم.
لا يستطيع الرئيس هادي أن يتجول في محافظة واحدة من هذه المساحة، وخلال أربع سنوات ظل رهين الإقامة الجبرية في الرياض، إلا قليلا من الوقت في الداخل يقضي فيه رهين جدران في قصره الرئاسي في عدن، وممنوع عليه مغادرته، ففي الجوار ميليشيا الامارات تتربص به.
لعلكم سمعتم بطائرة الرئيس هادي التي منعتها القوات الاماراتية مرارا من الهبوط في مطار عدن، في حقيقة الأمر لقد منعت بعد ذلك الطائرات اليمنية من المبيت في مطار عدن وليس الرئيس فقط، طائراتنا ممنوعة من المبيت في مطاراتنا.
وحتى القوى السياسية المساندة للسلطة الشرعية محرومة وممنوعة من العودة إلى أي منطقة فيها، ومن عاد قامت الامارات من خلال أدواتها باغتياله أو اعتقاله وإخفائه قسريا.
فضائح الاغتصاب وكافة أنواع التعذيب التي تعرض لها الناشطون السياسيون في سجون الامارات في عدن والمكلا، جزء من السياسات الإماراتية في إدارة المناطق المحررة، حسب تقرير لجنة الخبراء الأممية الذي قدمته لمجلس حقوق الانسان في أغسطس الماضي، القتل والاغتيالات عبر شركات أمنية خارجية استأجرتها هي الأخرى وسيلة استخدمتها الامارات في فضيحة وصلتنا للتو تناقلتها كبرى وسائل الاعلام الامريكية، وهناك الكثير الذي لم يتم الكشف عنه في هذا المجال.
هذا ناهيك عن المجازر التي ارتكبها التحالف بطائراته الذكية التي لم يفتها سوق أو مشغل أو صالة عرس أو قاعة عزاء أو مجمع للنازحين أو باص للأطفال أو قارب للصيد إلا وطالتهم، مخلفة عشرات الآلاف من الضحايا بين قتلى وجرحى.
هل أحدثكم أيضا عن الجرحى الذين تعفنت جراحهم، ولم يجدوا العلاج أم عن القتلى الذين لا تجد عوائلهم الرعاية، كل ذلك نقطة من بحر جرائم ومجازر وكوارث التحالف السعودي الاماراتي في اليمن.
لكن ماذا عن الحوثي ومجازره وجرائمه وكوارثه؟
يكفي الحوثي جرما بحق شعبنا أنه كان أداتهم في إسقاط الدولة اليمنية وكان لاحقا حجتهم للتدخل في اليمن ولخوض حربهم التدميرية بحق البلاد والناس، إن بحجة إسقاط الانقلاب وإعادة الشرعية، وإن بحجة مواجهة المشروع الإيراني.
لقد ارتكبت مليشيا الحوثي وصالح بالإضافة إلى أم الجرائم وهي جريمة إسقاط الدولة، جرائم أخرى ضد الإنسانية من قمع المظاهرات السلمية، الى القصف العشوائي للمدن والأحياء المكتظة بالسكان، وتعذيب الناشطين وخصومهم السياسيين وإخفاء المئات منهم قسريا ووضعهم في مناطق معرضة للقصف، ما أدى الى قتل الكثير منهم، وسرقة وتفجير منازلهم وتفجير المساجد والمدارس، وقتل الصحفيين وإغلاق وسائل الإعلام ونهب محتوياتها، واحتلال مؤسسات الدولة، وتعيين أشخاص موالين لهم في مفاصل أجهزة الدولة، وبث خطاب الكراهية والعنصرية تجاه اليمنيين وتجاه العالم، الموت لأمريكا الموت لإسرائيل .. .. اللعنة على اليهود. وزرع مئات الالاف من الألغام وتجنيد عشرات آلاف الأطفال الذين يشكلون أكثر من أربعين في المائة من قوام المليشيا الحوثية، حسب التقارير الدولية والمحلية الموثوقة، وحصار مدينة تعز وهي أكبر مدينة يمنية مكتظة بملايين السكان،
الأصدقاء الأعزاء:
إن اليمن يشهد كارثة قال عنها العالم بأنها من صنع الإنسان، لكن الصواب أنها كارثة من صنع المستبدين وأعداء الحرية.
اليمن ذات التاريخ المجيد والشعب العريق والموقع الاستراتيجي الهام الذي يتموضع على البحرين الاحمر والعربي وبينهما أحد أهم مضايق العالم مضيق باب المندب، رهن كل هذا العبث السعودي الاماراتي الحوثي وفي ظل صمت عالمي مخجل ومخز ومؤلم.
يعيش اليمن أسوأ كارثة إنسانية شهدها العالم منذ عقود، هناك دمار واسع للبنى التحتية للقطاعات الخدمية، خصوصا الصحة والتعليم والمياه والكهرباء، أكثر من اثنين وعشرين مليون يمني بحاجة إلى شكل ما من أشكال المساعدة الإنسانية، وفقا للأمم المتحدة، وأكثر من ثمانية ملايين يعانون جراء الانعدام الحاد للأمن الغذائي، بينهم قرابة مليوني طفل وأكثر من مليوني امرأة حامل ومرضعة، فيما تتوالى التحذيرات من احتمالية أن يرتفع عدد الجوعى المعدمين إلى أربعة عشر مليون إنسان، أي ما يقارب نصف سكان البلد، بحسب تحذيرات الوكالات التابعة للأمم المتحدة.
قبل أيام قليلة ماتت الطفلة اليمنية أمل حسين، التي تصدرت صورتها وسائل الإعلام الدولية، جراء إصابتها بنقص غذائي حاد ومزمن.
أمل واحدة من ملايين الأطفال اليمنيين الذين يتساقطون كأوراق الخريف تحت ضربات الغارات الجوية وقذائف وألغام المليشيا الانقلابية والجوع والأوبئة.
على مدى أربع سنوات، شهدت معظم مناطق البلاد تفشيا مخيفا للأوبئة، بدءا بحمى الضنك مرورا بالكوليرا والدفتيريا وغيرها، حصدت هذه الأوبئة أرواح الآلاف، جنبا إلى جنب مع أدوات الحرب.
صادرت المليشيا الانقلابية الموازنات الخاصة بالخدمات الأساسية منذ الوهلة الأولى، ثم تضاعفت فاتورة الكلفة الإنسانية بسبب غارات التحالف السعودي الإماراتي على المدنيين وقطاعات البنى التحتية والحصار الجائر، وصار اليمنيون يئنون تحت وطأة الحرب والجوع والأوبئة المتفشية.
حتى في المناطق المحررة من الانقلابيين، لا يزال الناس دون خدمات الكهرباء والمياه والتعليم والصحة، وكل الخدمات التي يفترض بالحكومة أي حكومة أن تقدمها لتنال الشرعية الشعبية معدومة ومقطوعة، وبدا أن التحالف يفعل ذلك لهدف ممنهج مقصود، وليس جهلا بأهميتها، وليس قلة حيلة ونقصا في الامكانات، التحالف السعودي الاماراتي الذي ينام على بحيرات من النفط وثروة ضاقت بها بنوك العالم يعجز أن يؤمن الإغاثة والطعام والغذاء لعشرين مليون، وهو العدد الذي بات تحت خط الفقر في اليمن حسب آخر تقرير للأمم المتحدة.
لا يوجد رواتب أو أجور، وإذا حصل شخص على راتبه فهو عادة لا يكفي لتغطية النفقات الأساسية والضرورية لعدة أيام، نتيجة الانهيار المروع الذي تعرضت له العملة اليمنية، وهو انهيار مقصود أطلق له العنان، ولم يفعل التحالف شيئا لإيقافه، بل إنه فعل كل شيء ليزيد من تفاقم المشكلة واتبع أسلوب التجويع والحصار كأداة حرب، من خلال إعادة مئات الآلاف من المغتربين اليمنيين في السعودية إلى اليمن، ومن خلال السيطرة على مصادر النفط والغاز وحرمان الحكومة من عائداتها، إلى الاستحواذ على المطارات والموانئ والجزر والموا ئ والمنافذ المختلفة التي تربط اليمن بالعالم، والتي من شأن سيطرة السلطة الشرعية عليها أن تتلقى بها وعبرها كافة المنح والمساعدات الدولية، وأن تعقد بها وعبرها أيضا كافة الشراكات والتحالفات مع دول العالم بما يحقق عائدات كافية لليمن، الذي يخطب الجميع وده لما يتمتع به من موقع جيوسياسي هام و مغر للجميع لأن يعقد معه شراكات ندية تدر على البلاد ما يكفي من المصالح.
الأصدقاء الأعزاء:
إن أي متابع لجهود المجتمع الدولي والدول الكبرى خلال سنوات الحرب لن يجد أي صعوبة في إدراك أن جوهر هذه التوجهات صب في اتجاه ترك اليمن كليا للتحالف السعودي الإماراتي ليرتكب جرائم الحرب من جهة، وممارسة الابتزاز ضده من الجهة الأخرى.
من المهم جدا أن أشير هنا إلى أن هناك حوالي ثمانية قرارات صادرة عن مجلس الأمن حول اليمن ورعاية العملية الانتقالية فيها، وأن المجتمع الدولي قد تعهد لليمنيين برعاية العملية الانتقالية ودعمه الكامل لها، ومن هنا يجب على المجتمع الدولي الوفاء بتعهداته والقيام بدوره تجاه اليمن.
اليمن يحتاج إلى قرار حاسم من المجتمع الدولي بإنهاء هذه الحرب، اليمن ذاهب نحو التشظي وهذا لا يؤثر على اليمن فقط، بل إنه يعد خطرا بالغا على الأمن والسلم الإقليميين والعالميين.
إن نجاح الجهود الدولية لإنهاء الحرب وإحلال السلام مرهون بإيقاف بيع الأسلحة الى السعودية والامارات، واتخاذ كافة الإجراءات الكفيلة بعدم وصول أسلحة من إيران للحوثي.
إن نجاح الجهود الدولية لإنهاء الحرب مرهون بعودة الدولة، دولة الجمهورية اليمنية على كامل التراب الوطني لليمن كبلد موحد ومستقل وآمن ومستقر.
كما أن نجاح الجهود الدولية في بناء عملية السلام يجب أن تفضي إلى احتكار الدولة للسلاح، ومزاولة السيادة، وأن مؤسسات الدولة هي المنوط بها بصورة حصرية إصدار الأوامر الحكومية، وأن الانتخابات هي الطريق الوحيد للوصول إلى السلطة، وليس العنف والقوة المسلحة. كما يجب أن تفضي إلى إنهاء جميع أشكال الهيمنة والوصاية والاحتلال.
يجب على المجتمع الدولي وفي مقدمته امريكا ان يساند اليمن وان يعمل على إنهاء الحرب فورا وفق تسوية سياسية تؤدي إلى استعادة الدولة الشرعية، دولة الجمهورية اليمنية وفق المرجعيات الثلاث المتمثلة بقرارات مجلس الأمن الدولي والمبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني، واستكمال الانتقال السياسي للمرحلة الانتقالية، والاستفتاء على مشروع الدستور وإجراء انتخابات ديمقراطية لاختيار ممثلي الشعب في مؤسسات الدولة الدستورية.
وهنا أحيي دعوة وزيري الخارجية والدفاع الأمريكيين من أجل إيقاف الحرب في اليمن .. وأراهن بشكل كبير على الدور الأمريكي في إيقاف الحرب وإعادة العملية السياسية ورعايتها، لكن دعوة وزير الدفاع الأمريكي التي أطلقها مؤخرا لإقامة مناطق حكم ذاتي لا تساعد في إحلال السلام في اليمن.
مضمون هذه الدعوة هو تثبيت الانقسامات على أساس طائفي ومذهبي وقبلي وجهوي ومناطقي. دعوة تبارك قيام دويلات الأمر الواقع على جغرافيا ما قبل وطنية.
مناطق حكم ذاتي بدون دولة جامعة لكل اليمنيين تعني تقسيم اليمن الى دويلات طائفية وقبلية ومناطقية وانفصالية.
لا كلام عن الدولة واليمن الواحد في هذه الدعوة الغريبة.
وأود هنا أن أوضح أمرين هامين، الأول أن مخرجات مؤتمر الحوار الوطني، ونصوص مسودة الدستور الجديد نصت على أن الجمهورية اليمنية القادمة هي دولة فيدرالية متعددة الأقاليم، الحكم الفيدرالي كامل الصلاحيات المتعارف عليه عالميا، بحيث يكون لكل إقليم حكم ذاتي خاص به، وهذا سيمكن الحوثيين وغير الحوثيين من التعبير عن أنفسهم في ظل دولة موحدة تحترم خصوصياتهم واختياراتهم. أما الأمر الثاني، فأود التأكيد أن اليمن لا يوجد فيها سكان أصليون وآخرون غير أصليين، هناك شعب واحد، متعدد دينيا وسياسيا، والمهم الآن كيف يتم إدارة هذا التنوع بشكل حضاري ومتمدن وقانوني.
مايتس تطرق ايضا إلى أن اليمن يجب أن يبقى بلا سلاح، لا أستطيع أن أفهم وجود دولة بلا سلاح. اليمن بلد معقد التضاريس، يتمتع بموقع جيوسياسي هام، لديه مئات الجزر وسواحل طويلة، وشعب مسلح، ويطل على البحر الأحمر والبحر العربي، ويتحكم بأحد أهم الممرات البحرية، مضيق باب المندب. ما يجب أن يدركه مايتس وغيره من المسؤولين الأمريكيين، أن اليمن بلد يهدده الإرهاب والتمرد، والأطماع الإقليمية، وهذا يستدعي وجود جيش قوي، وأمن قوي يحفظ استقلال البلاد واستقرارها ويساهم في حماية الأمن الإقليمي والدولي. الحديث عن جيش يمني منزوع السلاح غير عملي وينطوي على مخاطر كبيرة تؤدي إلى سقوط اليمن في أيدي أي جماعة إرهابية أو متمردة، أو أي مشاريع غزو واحتلال إقليمي تعبث بالبلاد وتسقطها مجددا. من المهم بناء جيش يمني قوي مستقل وعلى أسس وطنية وبإشراف الأمم المتحدة والدول الصديقة، ومنها الولايات المتحدة.
الأصدقاء الأعزاء
بعد كل حرب سيحل السلام، ليس هناك حرب للأبد، فليكن السلام الآن،
اليمنيون مستعدون للسلام ويتوقون له، اليمنيون على مر التاريخ يدخلون في صراعات ثم يتصالحون، لم يسجل التاريخ أنهم ذهبوا إلى مرحلة اللاعودة.
بغض النظر عن تجار الحروب والمستفيدين منها، اليمنيون الآن مستعدون للسلام والمصالحة الوطنية، ويرون أنهم قادرون على تحقيق السلام المستدام الذي يفضي إلى دولة يعيش فيها جميع اليمنيين أحرارا على قدم المساواة.
لو تم إيقاف التدخل الخارجي وأعني به التدخل السعودي الإماراتي والإيراني، فسوف نصنع السلام، ليس ذلك فقط، بل وسوف نقيم الدولة الديمقراطية الحرة، دولة العدالة وحكم القانون، وسنكون الشريك الاستراتيجي في حفظ أمن واستقرار العالم.
سنعمل بكل جد من أجل بناء سلام مستدام في اليمن وتحقيق المصالحة الوطنية الشاملة، والتي نرى انها تتكون من الخطوات الآتية:
إيقاف ال الحرب ورفع الحصار والانسحاب السعودي الإماراتي من البلاد.
العودة لاستئناف العملية السياسية من حيث توقفت بالانقلاب والحرب.
تشكيل لجنة عسكرية برعاية أممية تعمل على سحب الأسلحة من جميع الميليشيات، بحيث تكون الدولة صاحبة الحق الحصري في استخدام السلاح، وبناء الجيش والأمن وفق أسس وطنية بما يضمن حماية البلاد وسيادتها وسلامة أراضيها، ويكفل الأمن والاستقرار في البلاد.
تشكيل حكومة وطنية من جميع المكونات أو حكومة تكنوقراط برعاية أممية تعمل على: تنظيم الاستفتاء على مسودة الدستور، وإجراء الانتخابات المختلفة محلية وأقاليم ونيابية ورئاسية، بناء على الدستور الجديد.
تشكيل هيئة مصالحة وطنية تعمل على جبر الضرر وتعويض الضحايا وكفالة عدم تكرار الجرائم
إعادة الإعمار، والتزام السعودية والامارات لليمن بالتعويض عن ما أحدثته من دمار خلال الحرب.
وفي الاخير ايها الاعزاء.
يرتكب أيا كان خطأ بالغا حين يظن أن اليمن سهلة البلع، وأن شعبها سهل الترويض، غير أن الأمر معقد للغاية، يحوي هذا الشعب تركيبة معقدة وإرثا طويلا من العزة والكرامة والمقاومة والعصيان ما يجعله عصيا على أي توجه لحكمه بالقوة والقهر، وعلى أي غزو أو احتلال أو وصاية أو هيمنة.