ووفق الدراسة التي نشرت نتائجها في مجلة "نيتشر" أمس الأربعاء، وأعدها باحثون بمعهدي "ويلكوم سانجر" بالمملكة المتحدة، و"باستور" في فرنسا، فإن البيانات والتكنولوجيات الجينومية يمكن أن تساعد الباحثين على تقدير مخاطر تفشي الكوليرا في المستقبل في اليمن ومناطق أخرى ومن ثم الاستعانة بهذه التقنيات في استهداف واستئصال الوباء بشكل أفضل.
أعنف موجة في التاريخ
ويتعرض اليمن لأعنف موجة من موجات الإصابة بوباء الكوليرا على مدار التاريخ المعروف، وقد أثر المرض على أكثر من مليون شخص وتسبب بوفاة حوالي 2500 شخص آخرين، وفق مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية.
وتقدر الأمم المتحدة أن 16 مليونا من أصل 29 مليون شخص في اليمن يفتقرون إلى المياه الصالحة للشرب والصرف الصحي الأساسي، وفق منظمة الصحة العالمية. وقد عانى سكان اليمن من حالتي تفش لوباء الكوليرا خلال الأعوام الثلاثة الماضية، بدأت الموجة الأولى في سبتمبر/أيلول من عام 2016، وبدأت الموجة الثانية في أبريل/نيسان من عام 2017، مخلفة أكثر من مليون حالة اشتباه بالإصابة بالوباء، وفق نتائج الدراسة.
وبالتزامن مع جائحة الكوليرا، يواجه اليمن أسوأ مجاعة خلال الأعوام المئة الماضية وفق الأمم المتحدة. وقد بدأ الصراع المسلح في اليمن في سبتمبر/أيلول 2014 حين فرضت جماعة أنصار الله الحوثية سيطرتها على العاصمة اليمنية صنعاء، وفي مارس/آذار من عام 2015 أعلنت المملكة العربية السعودية تشكيل "تحالف دعم الشرعية في اليمن" مع عدد من الدول العربية والإسلامية، وشملت عمليات التحالف حصار اليمن ومواجهة عسكرية مع الحوثيين.
مصدر الوباء شرق أفريقيا
ولفهم طبيعة سلالة البكتيريا التي خلفت تفشي وباء الكوليرا، تعقب الباحثون في الدراسة تسلسل جينوم بكتيريا "ضمة الكوليرا" من عينات الكوليرا التي تم جمعها في اليمن والمناطق المجاورة.
وسميت بكتيريا "ضمة الكوليرا" (Vibrio cholera) بهذا الاسم نظرا لشكلها تحت المجهر الذي يشبه الضمة في اللغة العربية، وتسبب هذه البكتيريا مرض الكوليرا الذي ينتشر بشكل وباء يكون أكثر ضحاياه من الأطفال. والكوليرا مرض معدٍ، من أعراضه الإسهال، وتحدث الإصابة به جراء ابتلاع غذاء أو ماء ملوث ببكتيريا الكوليرا.
واستعان الباحثون بـ42 عينة من حالات الإصابة بالكوليرا في اليمن للوصول إلى نتائج الدراسة، وأخذت العينات في اليمن نفسه ومن مركز للاجئين اليمنيين على الحدود السعودية اليمنية، إلى جانب 74 عينة أخرى من حالات الإصابة بالكوليرا من جنوب آسيا والشرق الأوسط وشرق ووسط أفريقيا.
وقارن الباحثون هذه المتواليات الجينومية بعينة مأخوذة على مستوى العالم تضم أكثر من 1000 حالة من حالات الإصابة بالكوليرا من موجة الوباء الحالية المعروفة باسم وباء الكوليرا السابع، التي بدأت في الستينيات من القرن العشرين، وتسببها سلالة واحدة من الكوليرا.
واكتشف العلماء أن سلالة الكوليرا المسببة لوباء اليمن مرتبطة بسلالة ظهرت لأول مرة عام 2012 في جنوب آسيا وانتشرت على نطاق عالمي، لكن السلالة اليمنية لم تصل مباشرة من جنوب آسيا أو الشرق الأوسط، لكنها انتقلت إلى اليمن من شرق أفريقيا حيث تفشت الكوليرا في الفترة من 2013 إلى 2014، دون تحديد أي بلد في شرق أفريقيا على وجه الدقة.
ونفت الدراسة فرضية أن يكون وباء الكوليرا قد انتشر في اليمن بسبب سلالتين مختلفتين من البكتيريا المسببة له، وإنما السلالة الحالية من البكتيريا ناجمة عن سلالة بكتيريا ضمة الكوليرا التي دخلت اليمن عام 2016.
بكتيريا أقل مقاومة للمضادات الحيوية
وقال "نيك تومسون" الأستاذ بمعهد "ويلكوم سانجر" وكلية لندن للصحة والطب المداري، والمشرف على الدراسة إن علم الجينوم مكن الفريق البحثي القائم على الدراسة من اكتشاف أن سلالة الكوليرا وراء الوباء المدمر والمستمر في اليمن.
وأوضح أنها ترتبط -على الأرجح- بهجرة الناس من شرق أفريقيا إلى اليمن. وأضاف أن معرفة الكيفية التي تتحرك بها الكوليرا على الصعيد العالمي تتيح للباحثين الفرصة للإعداد الجيد لمواجهة تفشي المرض في المستقبل، إذ يمكن أن تساعد هذه المعلومات في توجيه إستراتيجيات المواجهة إلى الحد من تأثير الأوبئة المستقبلية.
وتشير الدراسة إلى أن سلالة الكوليرا التي تسببت في تفشي الوباء باليمن أقل مقاومة للمضادات الحيوية من السلالات الأخرى للبكتيريا المسببة للوباء، وقد تسبب الإجهاد الذي يسببه وباء الكوليرا في اليمن في حذف أربعة جينات مسؤولة عن مقاومة المضادات الحيوية ذات الصلة سريريا، مما يجعله أكثر قابلية للعلاج، بخلاف السلالات الأخرى من البكتيريا المسببة للكوليرا التي تعد أكثر مقاومة للوباء، وفق "داريل دومان" الباحث الزائر بمعهد "ويلكوم سانجر".
المصدر - الجزيرة نت