وأعلن البنك المركزي اليمني في عدن نهاية يوليو الماضي عن اتخاذه عدة خطوات من أجل إيقاف التدهور المتسارع للريال اليمني أمام العملات الأجنبية، حيث تجاوز سعر الدولار الواحد أكثر من 560 ريالاً، ومن بين تلك الخطوات التي اتخذها المركزي اليمني سحب الدفعة الأولى من الوديعة السعودية لتغطية الاعتمادات البنكية للمواد الأساسية بمبلغ وقدره 20 مليوناً و 428 ألف دولار، كما أقر الدفعة الثانية من طلبات البنوك لتغطية الاعتمادات من الوديعة السعودية واستكمال إجراءاتها، وفقاً للآليات المعتمدة والموافقة على إصدار شهادة الإيداع للبنوك التجارية بنسبة فائدة 17%.
ويقر رئيس الغرفة التجارية في الحكومة الشرعية أبو بكر باعبيد بأن سحب الوديعة السعودية قد يؤثر على الغطاء النقدي للبنك المركزي اليمني. ويقول باعبيد، إن الوديعة السعودية هي في الأصل لا تزال تحت سيطرة وتصرف السعودية ولم تسلم للحكومة اليمنية، وإن أي اعتمادات بنكية أو مالية يتم رفعها إلى البنك المركزي اليمني وهو بدوره يتواصل مع السلطات السعودية وهي من تقرر الموافقة عليها أم لا.
وكشف رئيس الغرفة عن المبلغ الإجمالي الذي تم سحبه حتى الآن من الوديعة السعودية، وقال إنه يقدر بنحو 27 مليون دولار فقط، تم تخصيص جزء منه كاعتمادات بنكية، وذهب بعضه لتغطية السوق المحلية بالعملة الصعبة.
كما أوضح باعبيد أن السعودية والإمارات تساهمان في مبالغ منفصلة إلى جانب الوديعة السعودية وتسلمان الحكومة الشرعية أموالا من أجل ضخها بالسوق المحلية، في محاولة لتفادي انهيار الريال اليمني. وحسب باعبيد، فإنه تم خلال يوم الثلاثاء الماضي فقط ضخ أكثر من 5 ملايين دولار إلى السوق من أجل الحفاظ على استقرار سعر الريال، مشيراً إلى أن قرابة 30 مليون دولار هو إجمالي ما تم ضخه إلى السوق خلال الأيام الماضية لنفس الغرض.
وأوضح أن عائدات الموارد الأساسية لليمن والمتمثلة في إيرادات الضرائب والنفط والغاز من محافظات مأرب وحضرموت وشبوة بدأت تتحسن خلال الفترات الأخيرة، وهناك أكثر من 700 مليون دولار تم توريدها إلى حساب البنك المركزي اليمني في عدن منذ مارس الماضي من العام الجاري.
وخلال الأيام الماضية تم ضخ كميات من طبعة جديدة لفئة 200 ريال أصدرها البنك المركزي اليمني قام بطباعتها مؤخراً. وأوضح مصدر في البنك المركزي، في اتصال هاتفي أنه بالفعل وصلت قرابة 27 حاوية من تلك الأوراق ومن المتوقع أن يقوم البنك بضخها إلى السوق خلال الأيام القليلة القادمة.
وأكدت مصادر مصرفية في وقت سابق، أن البنك المركزي قام بطباعة 220 مليار ريال يمني من الورقة النقدية الجديدة التي تظهر بحجم أصغر من الورقة النقدية القديمة لنفس الفئة، وأن الهدف استبدال التالف من هذه الورقة.
واتجهت الحكومة اليمنية إلى طباعة كميات كبيرة من النقود بدون غطاء نقدي، لمواجهة أزمة السيولة، ما فاقم أزمات الاقتصاد، فيما ترى الحكومة في إجراءات كهذه ضرورة للحد من التأثيرات السلبية لنقص السيولة.
لكن خبراء الاقتصاد يرون أن عملية طباعة الأوراق الجديدة من العملة المحلية يجب أن يكون لها غطاء نقدي أجنبي أو ذهب لتفادي التضخم الذي من المتوقع أن يرتفع إلى مستوى لا يقل عن 50%، والذي بالطبع سينعكس على حياة المواطن إجمالاً، خصوصاً أن السوق اليمنية حاليا سوق سوداء لا تخضع لقوانين العرض والطلب.
الخبير المالي اليمني عبد الواحد العوبلي يفند تبعات سحب الوديعة، ويقول إن الملياري دولار التي منحتها السعودية لليمن هي في الواقع ليست منحه أو هبة من حكومة الرياض، وإنما هي قرض مرتفع الفائدة وتعتبر التزاماً واجب السداد، ما يشكل عبئاً على اقتصاد البلاد، خصوصاً إذا استمرت سياسة الحكومة في اللجوء إلى الاقتراض، الأمر الذي سيؤدي إلى مزيد من الإرهاق للاقتصاد المتعثر.
ويضيف العوبلي: مع العلم أن مهمة هذه الوديعة أساساً هي عمل غطاء نقدي للاعتمادات المستندية الخاصة باستيراد احتياجات المواطنين من الغذاء والدواء والمشتقات النفطية، والتي سيدفع قيمتها التجار أنفسهم، وعليه فلا مبرر لدى الحكومة عندما تقوم بسحب جزء من هذه الوديعة، لأن هذا التصرف سيؤدي إلى الإجهاز على مبلغ الوديعة كاملة في مدة قصيرة مع بقاء هذا الالتزام وفوائده كدينٍ على الحكومة اليمنية يصعب عليها سداده في ظل الظروف الصعبة التي يعيشها الاقتصاد.
وإضافة إلى ما سبق، يقول العوبلي إن سحب الوديعة السابقة سيعمل بشكل مباشر على إضعاف الريال اليمني أمام العملات الأجنبية، وبالتالي المزيد من انخفاض قدرته الشرائية.
ويصف الخبير الاقتصادي هذه التصرفات بـ"غير المسؤولة"، إذا استمرت إدارة البنك المركزي اليمني في اتخاذها. ويقول إن الحل يكمن في تدعيم الاقتصاد الوطني وخلق دخل حقيقي من موارد النفط والغاز والموانئ والضرائب وغيرها، وإدارتها ضمن خطة مالية واضحة داخل المنظومة المالية للدولة لضمان سريان السيولة النقدية بشكل منتظم وسلس ليؤدي ذلك بالنتيجة إلى تدعيم موقف الريال ورفع مستوى الثقة في المؤسسات المالية اليمنية.
ويحمل اليمنيون تفاقم الحرب بين التحالف العربي بقيادة السعودية ومليشيات الحوثي عواقب كل هذه الأزمة التي فاقمت من معاناتهم. ويقولون إنها كانت السبب في الإجهاز على النظام المالي والنقدي لبلادهم من خلال نهب الحوثيين الاحتياطي النقدي للبنك المركزي في صنعاء والذي يقدر بأكثر من 5 مليارات دولار، إضافة إلى انقسام الموارد التي كانت تدر دخلاً كبيرا للبلاد بين الطرفين المتصارعين.
وهناك من يتهم أيضاً الحكومة اليمنية الشرعية بسوء إدارتها للأزمة الاقتصادية من خلال التعيينات والقرارات العبثية غير المدروسة، والتي لا تتسم بالفاعلية والقدرة على إدارة الأزمات، وكذلك عدم الاكتراث بالمعاناة التي يعيشها المواطنون جراء انقطاع المرتبات وارتفاع أسعار السلع الرئيسية نتيجة تدهور العملة المحلية.