منذ عامين، يعمل الموسيقي اليمني عبد الله الدبعي (آخر من تبقى من الفرقة الموسيقية الوطنية التي تأسست عام 1975) دون كلل أو ملل وبجهود ذاتية على تدريب مجموعة من الهواة الشباب من الجنسين على الآلات الموسيقية من أجل إنشاء هذه الفرقة الوطنية.
ويقول الدبعي، إنه يمضي مع هؤلاء الشباب فترتين تعليميتين، صباحية ومسائية، بمختلف الآلات الموسيقية، إضافة إلى محاولته استثمار الإمكانات المادية المتاحة لدى المركز الثقافي في صنعاء.
يوضح الدبعي بأن طلابه يتدربون على المقامات الغربية والعربية على خمس آلات وترية، بعضها متوفرة لدى المعهد الموسيقي في المركز، وأخرى كان يمتلكها في منزله، فضلاً عن مبادرة بعض الطلاب بالمساهمة في حصولهم على آلات الغيتار والكمان.
جاءت فكرة الدبعي بخصوص إنعاش المشهد الموسيقي منذ زمن طويل، لكن الوضع السياسي الذي كان يحكم البلد منعه من تحقيق حلمه في إنشاء فرقة موسيقية، حتى أتت هذه اللحظة الفارقة التي تمكن فيها من إقناع الوسط الثقافي في الوزارة وبمساندة من مبادرة طوعية لإعادة إحيائها في المركز الثقافي في صنعاء.
يضيف الدبعي: "بينما تنشغل الأطراف المتحاربة باستقطاب الشباب للقتال والخطاب الحربي، حصلت على بصيص أمل لفكرتي القديمة، من خلال إعادة فتح المعهد المهجور أمام الطلاب الراغبين في تعلّم الفنون الموسيقية، حتى يتم صقل مواهبهم وقدراتهم في مجال العزف وتعليمهم الموسيقى على أسس علمية، لكي نتمكن من تشكيل فرقة موسيقية بكل الآلات".
ولكن تلك الآلات الموسيقية التي يريد أن يتعلم بها طلابه، يقول الدبعي، ليست كافية لإكمال الفرقة الموسيقية التي يطمح إليها منذ فترة ما قبل الحرب، وتفتقر لجميع الآت النفخ والدرمز، وهناك عجز أيضا في الكمانات والعود.
ورغم شح الإمكانات، إلا أن هناك إقبالاً كبيراً للطلاب الراغبين في تعلم الموسيقى، وهو الأمر الذي يجعل الدبعي يقوم بمداولة الآلات الموسيقية بين الطلاب لفترات تدريسية معينة.
يشير الدبعي (مدير معهد الموسيقى في المركز الثقافي)، إلى أن تلك الفرقة الناشئة حالياً تسيطر عليها الفتيات، إذ تضم 16عازفة من إجمالي 27، ويوجد في الفرقة الموسيقية 16عازفاً وعازفة على آلة الكمان، وهناك تسعة على الغيتار، وآخرون على العود والأورغ.
منذ أن عمل الدبعي على إحياءهذه المبادرة في 2017، تمكن أكثر من 60 طالباً وطالبة آخرين من تعلم ومعرفة المقامات العربية والغربية، بدورات منفصلة، بعد المواظبة اليومية في غرفة متواضعة من المركز الثقافي.
عوض محمد وهو أحد أعضاء الفرقة الموسيقية الناشئة هذه، يقول إنهم يجتهدون في تعلم عزف الأغاني التراثية اليمنية لكي يتمكنوا من إيصال تراث بلدهم إلى العالم كما أنهم يحرصون على الابتعاد عن تعلم الألحان الغربية.
في الزاوية المقابلة، كانت تجلس ريام. تحدق إلى الآلة وتحرّك أصابعها كما لو أنها تعزف. وتحدثت عن تجربتها: "الألحان اليمنية الخاصة وكل ما نشعر به في داخلنا إزاءها نحاول ترجمته هنا بالآلات الموسيقية".
وبعد يوم شاق من التدريب المكثف، يؤكد عوض، أنه تعلم عزف النوتة وأصبح جاهزاً لتوصيل أفكاره عبر الموسيقى.
كما يعتبر عوض الموسيقى لغة السلام التي تبعث في نفسه الطمأنينة، ويتمنى من كل شخص في اليمن أن يمسك بآلة موسيقية بدلاً عن التشبث بالسلاح وأدوات القتل اليومي.
وما أن تم الإعلان عن مبادرة فتح المعهد الموسيقي، تقول ريام إنها تشبثت أكثر بآلتها، وخلقت جواً مختلفاً عن ضجيج الرصاص وأخبار الحرب ، وخرجت إلى عالم بعيد عن الواقع المؤلم الذي تعيشه في ظل الأوضاع المزرية.