أجر زهيد
تقول فرح سعيد 23 عام "أنا خريجة تمريض حصلت على الشهادة بعد عناء وسنوات من الدراسة لكن ظروف المعيشة وعدم حصولي على عمل في مجال تخصصي اجبرني على العمل كنادلة في هذا المطعم ، لكي اوفر لي ولاسرتى ثمن الاكل ، والشرب و ايجار ومتطلبات ضرورية اخرى".
وتقضي فرح في مطعم فاخر وسط العاصمة صنعاء 12ساعة يومياً منذ قرابة عام وتعول أسرة مكونة من أربعة أفراد، بينما ينظر إليها المجتمع ب"الدونية والنقصان".
وتتابع المتحدثة، هذا هو المجال الوحيد والمتاح في الوقت الراهن أمام النساء مثلي، هو مباشرة في المطعم اقدم الأكل للرجال والنساء على حد سواء وأتقاضى في اليوم 1340 ريال يمني أي ما يعادل 3 دولار أمريكي.
ورغم هذا الوقت الطويل الذي تقضيه في هذا المطعم، إلا أن عائلتها لأتعلم أنها تعمل في المهنة المحرمة في نظرهم، والتي تكسر كل التقاليد والأعراف في المجتمع اليمني، حد قولها.
لا تخفي فرح أيضاً حجم التحرشات التي تتلقها أثناء ممارسة عملها في القسم الخاص بالرجال من ألفاظ وكلمات ومحاولة لاستغلال الوضع البائس التي تعيشه إلا أنها ما تزال مجبرة حتى الآن على الاستمرار في هذه المهنة.
العمل ليس عيب
وبعكس فرح تفتخر ليلى احمد، وهي في العقد الثالث من العمر بعملها كنادلة لأن العمل ليس عيباً، والبلاد تعيش في ظل استمرار وضع الحرب.
وتضيف ليلى بحماس، اغلب افراد اسرتي كانوا موظفين حكوميين انقطعت مرتباتهم الامر الذي جعلنا نبحث عن أي وسيلة لكي ندخل بها قوت يومنا، وأنا اشتغل بهذا العمل حتى احصل على لقمة العيش لي ولاسرتي بعد تدهور وضعنا الاقتصادي.
يسرى 20 عاما (التي طلبت ان يكون اسمها مستعار)، هي الأخرى عاشت فصول المعاناة بكل اشكالها حتى قذفت بها الحياة الى هذه المهنة لكي تستطيع اعالت ابنها الذي رفض والده الوفاء بالتزاماته تجاهه.
بنبرة حزن تقول يسرى ان نصيبها كان ان تتزوج احد اقربائها الذي صب على حياتها كل انواع واشكال المعاملة السيئة حتى اضطرت الى الفرار والعودة بعد اشهر الى منزل والدها لتفاجئ انها حامل.
بعد وضعي للجنين تقول يسرى، عملت الاسرتان على عودتي الى الحياة الزوجية لكني لم القى الا نفس المعاملة السابقة من هذا الرجل وعدت الى منزل والدي دون عودة.
وبعد اربع سنوات من مكوثها في منزل والدها وتهرب الزوج من طلاقها او تحمل نفقات ولده، تقول انها بدات تفكر وتبحث عن عمل لكي تستطيع تحمل ولو جزء بسيط من نفقات ولدها.
تؤكد يسرى انها حصلت على عمل كنادلة في احد مطاعم صنعاء وتتقاضي في اليوم الواحد 1000 ريال يمني.
وتقول شيماء الزاهر 22 عاما ، التي فقدت عملها كنادلة بعد اغلاق المطعم الذي كانت تعمل فيه، انها لا تريد العودة الى خوض نفس هذه التجربة بل تريد عملا اخر بعيدا عن المطاعم.
"لم اتوقع أو اتخيل في يوم من الأيام أن تأتي هذه الأوضاع واجبر على العمل في هذا المجال الذي اعتبره دخيل على النساء"، حد قول شيماء.
تأمل شيماء الحصول على عمل في اقرب وقت ممكن حتى تتمكن من اعالت اسرتها التي تتكون من خمسة افراد فضلا عن اكمال دراستها الجامعية التي اصبحت طموحا مستقبليا وامرا مستحيلا في نفس الوقت.
وتؤكد الباحثة الإجتماعية ماريا أحمد، على أن أي مجتمع يعيش ظروف الحرب تتولد فيه حاجة المرأة الى العمل لكي تلبي أدنى متطلبات العيش.
وتضيف ماريا، هذه هي صورة لمعاناة المرأة في مجتمع ذكوري وهي أيضاً صورة مصغرة لعشرات العاملات التي لم يكن طموحهن في يوم من الايام العمل في المطاعم ، إلا أن سبل الحصول على فرص العمل في مجال تخصصاتهن اصبحت معدومة في هذا البلد العربي الذي يشهد اكبر ازمة انسانية في تاريخ البشرية.