مضت نحو ساعة حاول فيها الرجل الأربعيني أن يغفو، لكن أرقه وحزنه حالا دون ذلك، فبين اضطجاعه على سرير منزله قبل أسابيع وكومة الرمل التي استلقى عليها، امتدت فصول من معاناته، التي ربما تستمر طويلا.
على مقربة منه، تنام أكثر من 250 أسرة، تتشابه ظروفهم، بعد أن نزحوا من منازلهم في قرية الجبلية التابعة لمديرية التحيتا، جنوبي محافظة الحديدة، جراء القتال الدائر بين المسلحين الحوثيين والقوات المدعومة من الإمارات.
سعى السكان النازحون إلى إيجاد أرض جديدة للاستقرار فيها، وكان لهم أن وجدوا مساحة واسعة من الصحراء بالجوار من مزارع النخيل، وهناك افترشوا الأرض تحت الشمس الحارقة، قريبا من آبار المياه.
خيام لا تقي
في الصباح يترك أبو محمد عائلته وراءه متجها بدراجته النارية القديمة إلى مدينة الخوخة للعمل عليها في نقل الركاب مقابل أجور زهيدة، وفي المساء يعود محملا بقليل من الغذاء الذي تحرص زوجته على إخفائه عن الآخرين.
وعلى امتداد المنطقة توزعت خيام بسيطة صُنعت من سعف النخيل وأغطية ممزقة، وفي الجوار تناثرت قرب المياه البلاستيكية قليل من الأبقار والماعز والحمير، حرص السكان على جلبها معهم عند النزوح.
يقول أبو محمد إن سكان بلدة الجبلية بالكامل أُجبروا على النزوح حين تحولت منازلهم وقراهم إلى منطقة معارك بين الحوثيين والقوات الحكومية المدعومة من الإمارات قبل نحو ثلاثة أشهر.
ويضيف "نزحت من منزلي، وبعد يوم سقطت قذيفة فيه أدت إلى تدميره بشكل كبير، لكن نحمد الله أننا كنا قد غادرنا، وإلا كان من الممكن أن تحدث مجزرة".
ويقول "نزحنا إلى شرق الحيمة، ونسكن في العراء، وصنعنا من سعف النخيل خيام لا تقينا حر الظهيرة ولا برد الليل، بل إن آخرين لم يتمكنوا من أن يفعلوا ذلك بعد أن نزحوا من منازلهم بأرواحهم وتركوا كل ما يملكون وراءهم".
ويعاني العشرات من النازحين في المنطقة للحصول على لقمة العيش، ويُعد أبو محمد محظوظا بأن امتلك دراجة نارية يكسب من خلالها المال لإطعام أسرته، لكنه يقول "في بعض الأيام أرجع للبيت بخبز ولبن فقط".
الجوع يفتك بالنازحين
ويعيش أغلب النازحين على ما يجود به سكان القرى المحيطة بهم وملاك المزارع من طعام، وعلى إثر ذلك يجول سالم عبيد قرى مديرية الجراحي والخوخة مادا يديه للمارة والسكان، بأن "تفضلوا علينا مما رزقكم الله".
لكن عبيد غالبا ما يعود إلى أسرته خالي الوفاض، فهو كما يقول للجزيرة نت إن كل الناس جوعى، وإن الوضع الاقتصادي المنهار ألقى بظلاله على الآلاف من السكان في محافظة الحديدة التي يسكنها قرابة أربعة ملايين شخص.
ويوضح "نسير بين القرى لنبحث لنا عن طعام، لكن الأوضاع متشابهة عند الكل، ولذلك في بعض الأيام نكتفي بأكل الخبز فقط مرة واحدة في اليوم، وبعضها نتناول الخبز مع الشاي كوجبة مكتملة".
ويضطر النازحون إلى قطع نحو ثلاثة كيلومترات للحصول على المياه للشرب من آبار المزارع في المنطقة، ويستخدمون في ذلك الحمير والأطفال لحمل قناني المياه.
ويقول عبيد "يحمل الطفل عبوة المياه ويصل به إلى أسرته وقد شرب نصفها من العطش".
منظمات غائبة
وحتى اليوم فإن النازحين لم يتلقوا أي دعم من المنظمات الإغاثية الدولية أو المحلية، مما فاقم من انتشار سوء التغذية بين الأمهات والأطفال، وسط مخاوف من تفشي سوء التغذية الحاد الذي ينتهي بالموت.
ووفق الناشط في منظمات الإغاثة محمد شلي، فإن النازحين يعيشون في ظروف بالغة السوء، إذ إنهم يعيشون في العراء، في الوقت الذي بدا على بعضهم الوهن والهزال والمرض.
وقال "حتى اليوم لم يقدم لهم أي مساعدات غذائية أو إيواء من المنظمات الإغاثية، وهم بأمس الحاجة لها".
لكن شلي والنازحين يعوّلون على اتفاق السويد بين الأطراف اليمنية الذي قضى بوقف إطلاق النار في مدينة ومحافظة الحديدة، بما يفضي لعودة النازحين إلى منازلهم ونزع الألغام، وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية.
الجزيرة نت