كان الحزب الحاكم قد شرع بإجراءات منفردة لتعديل النظام الانتخابي والسياسي بما يسمح له بتوريث الحكم وتعديل نظام الانتخابات بما يتفق مع توجهاته الجديدة.
وبعد تراجعه إعلاميا عن تلك الاجراءات، لم يأبه سوى لمطالب أحزاب اللقاء المشترك. خطابات صالح وقياديي حزب المؤتمر توجهت إلى المعارضة.
لم تكن رؤيتهم ناضجة إلى ان قوى جديدة تتشكل خارج الأطر التقليدية القديمة.
في الواقع، كان الشباب منذ سنوات سابقة قد فقدوا ثقتهم بالنخب السياسية والاحزاب للتعبير عن آمالهم بدولة مدنية ونظام وقانون ومساواة وحياة حرة وكريمة.
وحين اشتعل الشارع في تونس ومصر، بدأ الشباب اليمني في تنظيم حركة احتجاجية قوية بتأثير واضح من ثورتي تونس ومصر. تجاوزت الحركة الهبة الشعبية للمعارضة.
ظهرت مسميات شبابية كثيرة، منها "حركة شباب نحو التغيير" و "حركة 15 يناير" وحركة "3 فبراير"، وجاءت كردة فعل قوية لسياسة المسكنات التي انتهجها نظام صالح.
بينما مارس النظام سياسة المراوغة، ظلت المعارضة تمضي في فلك النظام والمهادنة ضمن حلقة مفرغة لا تثمر أي تغيير.
اختطف الشباب هذه اللحظة من الطرفين، فخرجوا في مسيرات سلمية أذهلت العالم. وتصدرت الناشطة توكل كرمان المسيرات في العاصمة صنعاء.
حاول النظام احتواء الشارع بمزيج من القمع والتنازلات عن إجراءاته المنفردة نحو الانتخابات. غير ان تلك التنازلات كانت موجهة غالبا إلى المعارضة.
اعتدت أجهزة النظام وبلا طجته على مسيرات صنعاء، وشنت وسائل إعلامه حملة ممنهجة لتشويه الثورة. تعرضت الناشطة توكل كرمان للإختطاف وتم إيداعها السجن المركزي بصنعاء. لكن زخم التضامن والتصعيد في الشارع، أجبر النظام للإفراج عنها.
حملة القذف العلني ضد كرمان من قبل أتباع الرئيس المخلوع لم تتوقف حتى اللحظة. كان صالح قد خرج في خطابه بميدان السبعين، محذرا مما أسماه الاختلاط المحرم في ساحة جامعة صنعاء.
وفي ساحات تعز والحديدة وحتى مأرب وعمران، شاركت المرأة بقوة في الاحتجاجات وتطبيب الجرحى. كما تعرضت للإنتهاكات والقتل.
تعرضت محافظة تعز للنصيب الأكبر من انتهاكات نظام صالح. بدا تركيز النظام واستخدام أجهزته القمع المفرط ضد شباب المدينة مبررا بحكم نشاطهم الحاسم في سقوط النظام.
كانت ساحة الحرية في تعز أول ساحة اعتصام دائم طالبت برحيل النظام، إذ بدأت بعدها بيومين ساحتى الحرية في محافظتي عدن وإب.
أما صنعاء، شهدت خروج أول مسيرة نظمها شباب حركة 15 يناير عقب فرار الرئيس التونسي زين العابدين بن علي.
لكن الاعتصام الدائم، جاء بعد أسبوع تقريبا. ومن تعز بدأت أول جمعة سميت "جمعة البداية، والتي أصبحت فيما بعد تقليدا مستمرا طيلة أشهر الثورة في مختلف المحافظات.
وبسبب شدة القمع وافتقار المدينة لسيارات الاسعاف، نشطت حركة اسعاف الجرحى عبر الدراجات النارية، وانتقلت التجربة إلى محافظات أخرى.
رغم تصدر الشباب للحركة الاحتجاجية في شوارع اليمن، لكن الأوضاع انتهت بخروج صالح من السلطة عبر مبادرة خليجية وقعت عليها الأحزاب السياسية.
وبموجب المبادرة، اقتسم الحزب الحاكم واللقاء المشترك السلطة خلال الفترة الانتقالية، لتدخل البلاد معمعة جديدة من التأزم والمؤامرات والحوارات.
أفضى الوضع في النهاية إلى اختطاف حركة عصبوية طائفية مثل مليشيا الحوثي اللحظة من الجميع. راحت تسقط المناطق تلو الأخرى في قبضتها، فيما يتفرج الجميع في مؤتمر الحوار الوطني على هذه التطورات المؤسفة.
بقية التطورات معروفة. غير ان الأهم، الشباب أحسنوا البدايات وافترقوا في النهايات.
مما يؤخذ عليهم، الافتقار لرؤية متكاملة لبناء الدولة، واندفاعهم الحماسي دون تقديرهم للمرحلة اللازمة للبناء.
كما ان خلافات الأحزاب انتقلت إلى أوساطهم. وبسبب النكايات، افترقت الأراء والتوحد إلى حد إضفاء بعض الناشطين على مليشيا الحوثي صفات مثل الحركة الفتية والصاعدة والمظلومة من قبل الجميع.