وخلال الثمانية الأعوام من عمر الثورة مضى اليمنيون في مسيرة الانتقال السياسي السلمي نحو الدولة الاتحادية الديمقراطية متعددة الأقاليم، قبل أن تعترضهم تحديات خطيرة مصدرها الثورة المضادة التي أعادت توجيه التأثير الإقليمي والدولي نحو التآمر المباشر على فبراير وحوامله السياسية وعلى الدولة اليمنية برمتها، وصولاً إلى الحرب التي جلبت معها التدخل العسكري المباشر للدول ذاتها التي تواطأت مع الانقلاب ودعمته نكاية في الربيع العربي.
ثورة الحادي عشر من فبراير 2011، حرثتْ في أرض خصبة وبذرت وأنبتت وأثمر زرعها، لكن ريحاً عتية هبة من جهة الشمال فاقتلعت ما اقتلعت من زرع الثورة في تجل سيئ لتأثير التدخل الخارجي الذي تسلم إدارة الثورة والتغيير وسط حشد من حسن نوايا اليمنيين وتسليمهم بأن المستقبل يعدهم بالكثير من الدعم الأخوي النبيل.
قبل 2011 كان الانسداد السياسي عنواناً يؤشر إلى مرحلة صعبة تنتظر اليمن، على وقع أزمة سياسية أخذت أبعاداً دستورية، وضربت في العمق اقتصاد البلاد الهش وحملت الدولة اليمنية إلى مشارف الفشل.
في انتخابات الفين وستة الرئاسية، كان المجتمع الإقليمي والدولي حاضراً في قلب المعمعة الانتخابية، تمويلاً وتغطية، على فساد الممارسات السياسية لنظام صالح الذي دارت الشكوك حول فوزه بدورة رئاسية راكمت سني سلطته لتصل إلى 33 سنة.
لعب الاتحاد الأوروبي حينها دور الإطفائي رداً على تهديدات المعارضة بالنزول إلى الشارع احتجاجاً على تزوير الانتخابات والتهديدات المضادة من صالح باللجوء إلى شارعه الخاص، ولم السفراء الأوروبيون في صنعاء يعملون سوى على تأجيل الربيع بضعة سنوات في بلد متعطش للتغيير مثل اليمن.
بعد أن تمكن من الإفلات من استحقاقات التعديل الدستوري عام2009، والذي اقتضى ادخال مادة مؤقتة تنص على تمديد فترة البرلمان عامين كاملين، قرر علي عبد الله صالح إجراء انتخابات برلمانية في 2010 من طرف واحد، مستغلاً انشغال العالم بطردين مفخخين مصدرهما اليمن وكانا في طريقهما لضرب أهداف في أمريكا، لكن لم يكتب لها النجاح.
حصل صالح على تغطية مرحلية لفساد سلطته، حتى مستهل العالم ألفين وأحد عشر، عندا ضربت موجة الربيع العربي، في قلب تعز وصنعاء، لترتد عنفواناً على كل البلاد، لم يكن بوسع صالح إيقافه إلى الأبد، فقد تلقف الشباب فرصة الربيع لإنجاز التغيير الذي انتظروه منذ طويلاً.
قررت الرياض على رأس المجموعة الخليجية التحرك بسرعة لاحتواء ربيع اليمن، ووسيلتها إلى ذلك وساطة لم تلق رفضاً من أي طرف يمني، خصوصاً بعد أن تعززت بإسناد أمريكي عبرت عنه التحركات المكثفة لسفير واشنطن في صنعاء آنذاك جيرالد فيرستاين ومجموعة السفراء الغربيين الآخرين.
كان إصرار الثوار في الساحات مضاف إليه نجاح النماذج الأخرى للربيع في أكثر العواصم العربية ثقلاً وتأثيراً مثل القاهرة، عاملين أساسيين في الاجماع حول تحقيق هدف الثورة المتمثل في خروج صالح من السلطة.
لكن هدف احتواء الربيع ظل حاضراً في صلب المبادرات التي صيغت من أجل تأمين مخرج سياسي سلمي لثورة الحادي عشر من فبراير، ممثلة في اتفاق المبادرة الخليجية وآليته التنفيذية التي صيغت بواسطة الأمم المتحدة، وبتأثير كبير من السفراء الغربيين على وجه الخصوص.
وتخفى هدفٌ كهذا أيضاً في الرعاية المبالغ فيها لمؤتمر الحوار الوطني، الذي تبين فيما بعد أنه كان غطاء لترتيب آخر دفع بفصيل جهوي وطائفي مسلح ممثلاً في ميلشيا الحوثي، للقيام بقلب الطاولة على رؤوس الجميع.
مغامرة ذلك الفصيل المدعوم من كل العالم، انتهت بشكل دراماتيكي عند لحظة سقوط صنعاء عندما حضرت إيران محمولة على اكتاف الميلشيا، لتنكشف جميعُ الأقنعة، وليأخذ بعدها التدخل سيئ النوايا في ربيع اليمن شكله العسكري المباشر، الذي أغرق الجميع في مستنقع لن يجف إلا برد الاعتبار للدولة اليمنية الموحدة وربيعها وطموحات شعبها في الخروج من دائرة العنف وبلوغ مرحلة الازدهار والحرية والديمقراطية.