وفيما كانت مصادر يمنية قريبة من الحكومة أكّدت منذ أيام، أن الشرعية تدرس الخطوة التالية، بعد إعلان الحكومة رفضها الانتشار العسكري الإماراتي في سقطرى، بما فيها التصعيد دولياً، جاءت تطورات الـ48 ساعة الأخيرة، لتؤكد أن اليمن شرع في التنفيذ باللجوء إلى مجلس الأمن الدولي عبر رسالة احتجاج رسمية، وهو ما يعني أن الملف بدأ بالخروج عن سيطرة الرياض، وأن الأخيرة فشلت في احتواء الأزمة أو التغطية عليها، كما كانت تفعل في مرات سابقة.
ومن أبرز ما جاء في الرسالة اليمنية التي وجهتها الحكومة عبر بعثة اليمن الدائمة لدى الأمم المتدة إلى مجلس الأمن، أنها تعتبر الاتهامات الخطيرة الواردة في بيان حكومة أحمد عبيد بن دغر منذ أيام، وثيقة رسمية في الأزمة، وفيما أكدت أن الخطوات العسكرية الإماراتية في سقطرى غير مبررة، شددت في الوقت ذاته على أن الخلاف مع الإمارات يمتد إلى كافة "المناطق المحررة"، أي في جميع المناطق اليمنية التي تسيطر فيها الإمارات إلى حد كبير، بما في ذلك مدينة عدن، جنوبي البلاد، وهو ما يمثل على ما يبدو الخطوة قبل الأخيرة في طريق مطالبة اليمن رسمياً بانسحاب الإمارات من كافة أراضيه واعتبار وجودها فيه غير مشروع، خلافاً للغطاء الذي وفرته الحكومة اليمنية للتحالف، بطلبها التدخل العسكري لدعم الشرعية خلال عام 2015.
وبالنظر إلى حساسية ملف الخلافات المتصاعدة وخروجها عن الإطار السعودي إلى الدولي، يبدو من الواضح أن ما بعد المغامرة العسكرية الإماراتية في سقطرى ليس كما قبلها، إذ إن الإمارات تعد العمود الثاني في التحالف إلى جانب السعودية، وصاحبة القرار الأول في غالبية المحافظات اليمنية الخاضعة للتحالف والشرعية، من عدن وحتى سقطرى، أي أن ما يترتب عن الأزمة الأخيرة ستكون له تأثيرات مفصلية بالنسبة لما يمر به اليمن منذ ما يقارب ثلاث سنوات.
وفي السياق، تتمحور سيناريوهات التطورات المرتقبة بين أن تسعى الرياض إلى بذل جهود غير عادية لاحتواء الأزمة وإعادة تعريف العلاقة بينها وبين الحكومة الشرعية، بما يرضي الأخيرة، ويحفظ نوعاً من ماء وجه التحالف، أو أن تتطور من رسالة يمنية أشبه بإشعار لمجلس الأمن، إلى مزيد من الخطوات التصعيدية، بما فيها المطالبة رسمياً بانسحاب فوري للإمارات ووقف تدخلاتها في اليمن، وإذا حدث ذلك، فهذا يعني أن عام 2018 سيشهد نهاية التحالف السعودي الإماراتي في اليمن، كما شهدت البلاد في العام المنصرم نهاية تحالف الحوثيين مع علي عبد الله صالح، مع الأخذ بالاعتبار ألا مقارنة بالنسبة لآثار أي تطور يمكن أن ينهي تحالف أبوظبي - الرياض، والتي ستكون لها تبعات كبيرة على العلاقة بين البلدين وعلى الصراع في الإقليم.
كل ذلك يضع السعودية أمام خيارات لا تحتمل التأجيل، ربما أصعب بالنسبة لتلك التي تحدث عنها محمد بن سلمان في تصريحات صحافية خلال زيارته إلى الولايات المتحدة، ويبدو أن الإمارات بتصرفاتها التي تسبب حرجاً كبيراً للسعودية ليست بعيدة عن ذلك، وبات على الرياض أن تتخذ قراراً في كل الأحوال، فالأزمة تخرج من إطارها إلى مجلس الأمن الدولي، والمواقف الدولية بدأت بالتوارد، كما حصل في بيان وزارة الخارجية الأميركية، الذي كان أهم ما مثله صدوره تأكيده على أن الأزمة انتقلت إلى الإعلام، وأن الخلافات الرسمية بين الحكومة اليمنية والتحالف بقيادة السعودية، انتقلت إلى التدويل.
ومع أن التحرك السعودي المرتقب والأرجح، يندرج في إطار التدارك لاحتواء الأزمة قدر الإمكان، سواء بضغوط على الإمارات أو على الجانب اليمني، إلا أن التصعيد إذا استمر، قد يكون مؤشراً مهماً على أن الرياض باتت تضيق ذرعاً بالنفوذ الإماراتي في المناطق اليمنية "المحررة" من الحوثيين، وتعطي الضوء الأخضر للجانب اليمني بالتصعيد، للضغط على أبوظبي لمراجعة سياساتها.
من جانبه، يبدو أن ولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد، بات أمام خيارات صعبة بدوره، وعليه أن يبحث عن الطريقة الأنسب للتراجع خطوة إلى الوراء على الأقل، بما يحفظ ماء الوجه، على أن بيان الحكومة اليمنية ورسالتها إلى مجلس الأمن الدولي، كانا واضحين بالتشديد على أن الخلافات باتت ممتدة إلى كافة المناطق المحررة (حيث توجد الإمارات)، أي أن الانسحاب من سقطرى أو الوصول إلى تسوية ما قد لا يمثل حلاً للأزمة.